الصفحات

ما هو قُطبُ أركانِ الإسلام، وما هي معاني الشهادة؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

45- ما هي أركانُ الإسلامِ؟
وما هو قُطْبُها؟
وما هي المَعاني التي تَدورُ عليها عِباراتُ السَّلَفِ في الشَّهادة؟
وكيف يُجْمَع بينها؟

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَأَرْكَانُ الإِسْلامِ خَمْسَةٌ:
شَهَادَةُ أَن لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
وَإِقَامُ الصَّلاةِ.
وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ.
وَصَوْمُ رَمَضَانَ.
وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"ذَكَرَهَا الْمُصَنَّفَ -رَحِمَهُ اللهُ- كَمَا جَاءَ فِي الْحَديثِ الصَّحِيحِ:
«بُنِيَ الإسْلامُ عَلَىٰ خَمْسٍ» أََيْ: قَوَاعِدَ أَوْ دَعَائِمَ. وَفِي رِوايَةٍ: 
«عَلَىٰ خَمْسَةٍ» أََيْ: أَرْكَانٍ.
مَثَّلَ الإسْلامَ بِبِنَاءٍ أُقِيمَ عَلَىٰ خَمْسَةٍ أَعْمِدَةٍ لا يَسْتَقِيمُ إلا بِهَا، وَقَدَّمَ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّ، فَبَدَأَ بِقُطْبِهَا: (شَهَادَةُ أَنْ لا إلٰهَ إلا اللهُ)، ثُمَّ ثَنَّىٰ بِشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَكَثِيرًا مَا تُقْرَنُ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: (وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ)، فَهٰذِهِ مَبَانِي الإسْلامِ الَّتِي ابْتُنِيَ وَتَرَكَّبَ مِنْهَا، وَتَأْتِي أَدِلَّتُهَا" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص65.
ثم قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ:
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إلٰهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلٰهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18) ).
ومما قاله الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم -رَحِمَهُ اللهُ- هنا:
"وَعِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي الشَّهَادَةِ تَدُورُ عَلَى:
الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ وَالإعْلامِ وَالْبَيَانِ وَالإخْبَارِ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ[1] وَغَيْرُهُ[2] أَنَّهُ لا تَنَافِيَ بَيْنَهَا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ:
كَلامَ الشَّاهِدِ وَخَبَرَهُ وَقَولَهُ. وَتَتَضَمَّنُ:
إِعْلامَهُ وَإخْبَارَهُ وَبَيَانَهُ.
وَأَوَّلُ مَرَاتِبَهَا: 1.      عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ وَاعْتِقادٌ لِصِحَّةِ الْمَشْهُودِ بِهِ.
2.      وَتَكَلُّمُهُ بِذٰلِكَ.
3.      وإِعْلامُهُ غَيْرَهُ بِمَا شَهِدَ بِهِ.
4.      وَإِلْزَامُهُ بِمَضْمُونِهَا.
وَشَهَادَتُهُ -سُبْحَانَهُ- لِنَفْسِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ تَضَمَّنَتْ هٰذِهِ الْمَرَاتِبَ الأَرْبَعَ:
1.      عِلْمَهُ بِذٰلِكَ.
2.      وَتَكَلُّمَهُ بِهِ.
3.      و إِعْلامَهُ وَإِخْبَارَهُ لِخَلْقِهِ بِهِ.
4.      وَأَمْرَهُمْ وَإِلْزَامَهُمْ بِهِ.
فَأَمَّا الْعِلْمُ؛ فَالشَّهَادَةُ تَتَضَمَّنُهُ ضَرُورَةً، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ؛ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الإعْلامِ، وَتَدُلُّ عَلَى الأَمْرِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص66.


[1] - "مدارج السالكين" (4/ 443 - 450، ط 2، 1429 ﻫ، دار طيبة).
[2] - كشيخه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ؛ "مجموع الفتاوىٰ" (14/ 168 - 173).

نُبذة عن مراتب دِين الإسلام - مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

44- ما معنى المرتبة؟
وما هي مراتِبُ دِينِ الإسلامِ؟
وما معنى الرُّكْنِ؟
وما العَلاقةُ بين خِصالِ الإسلامِ وخِصالِ الإيمانِ؟

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَهُوَ [أي دِينُ الإسلام] ثَلاثُ مَرَاتِبَ*:
الإسْلامُ.
وَالإِيمَانُ.
وَالإِحْسَانُ.
وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أركان**).
مما جاء في "حاشية ثلاثة الأصول" ص63 – 65:
"* الْمَرْتَبَةُ وَالرُّتْبَةُ: الْمَنْزِلَةُ العَالِيَةُ، وَرَتَّبَ الشَّيْءَ تَرْتِيْبًا: نَظَّمَهُ وَقَرَنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.
** أََيْ: وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ الثَّلاثَةِ لَهَا أَرْكَانٌ لا تَقُومُ إلا عَلَيهَا.
وَأَرْكَانُ الشَّيْءِ: أَجْزَاؤُهُ فِي الْوُجُودِ الَّتِي لا يَحْصُلُ إلا بِحُصُولِهَا، وَدَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَتِهِ، سُمِّيَتْ بِذٰلِكَ تَشْبِيهًا لَهَا بِأَرْكَانِ الْبَيْتِ الَّذِي لا يَقُومُ إلا بِهَا، فَمَرَاتِبُ الدِّينِ لا تَتِمُّ إلا بِأَرْكَانِها.
وَفِي الاصْطِلاحِ: عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءِ الْمَاهِيَّةِ.
وَكُلُّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الإيْمَانِ دَاخِلَةٌ فِي الإسْلامِ، وَكُلُّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الإسْلامِ دَاخِلَةٌ فِي الإيْمَانِ.
فَمَا كَانَ مِنَ الأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ؛ فَوَصْفُ الإيْمَانِ عَلَيه أَغلبُ مِنْ وَصْفِ الإسْلامِ.
وَمَا كَانَ مِنَ الأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ، كَالْشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلاةِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُظْهَرُ وَيَطَّلِعُ عَلَيهَا النَّاسُ؛ فَوَصْفُ الإسْلامِ عَلَيهَا أَغْلَبُ مِنْ وَصْفِ الإيْمَانِ، فَدَائِرَةُ الإسْلامِ أَوْسَعُ مِنْ دَائِرَةِ الإيْمَانِ، كَمَا أَنَّ دَائِرَةِ الإيْمَانِ أَوْسَعُ مِنْ دَائِرَةِ الإحْسَانِ" اﻫ. 
وسيأتي تفصيلُ المراتبِ لاحقًا إن شاء الله.

ما هو تعريفُ الإسلام؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

43- ما هو تعريفُ الإسلام؟
مع بيانِ شَرْحِ التَّعريف.
      

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ:
الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ*.
وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ**.
وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ***)
وجاء في "حاشية ثلاثة الأصول" للعلامة ابن قاسم رَحِمَهُ اللهُ؛ ص63:
"* أَيْ: الذُّلُّ وَالْخُضُوعَ لِلّهِ بِإِفْرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ والخَلْقِ والتَّدْبِيرِ، وإِفْرَادِهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ.
مُشْتَقٌّ مِنَ:
التَّسْلِيمِ لِلْمَنِيَّةِ، واسْتَسْلَمَ فُلانٌ لِلْقَتْلِ: أَسْلَمَ نَفْسَهُ وَانْقَادَ وَذَلَّ وَخَضَعَ.
أَوْ مِنَ:
الْمُسَالَمَةِ، وَهُوَ: تَرْكُ الْمُنَازَعَةِ.
** أََيْ: بِفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُنْكِرَاتِ، طَاعَةً لِلّهِ تَعَالَىٰ وَابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ، وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ.
وَفِعْلُ الأَمْرِ وَتَرْكُ النَّهْيِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ الآمِرِ النَّاهِي- هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ جَمِيعُ الرُّسُلُ .
*** فلابُدَّ أَنْ يَتَبَرَّأ مِنَ:
الشِّرْكِ. ومِنْ:
أَهْلِ الشِّرْكِ.
في:
الاعْتِقَادِ.
وَالْعَمَلِ.
وَالْمَسْكَنِ[1].
بَلْ مِنْ:
كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِمْ.
ومِن كُلِّ نِسْبَةٍ مِنَ النِّسَبِ إِلَيْهِمْ.
مُعَادِيًا لَهُمْ أَشَدَّ مُعَادَاةٍ، غَيْرَ مُتَشَبِّهٍ بِهِمْ في قَولٍ أَوْ فِعْلٍ" اﻫ.


[1] - جاء في الحديث عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ؟ قَالَ: «لا تَرَاءَىٰ نَارَاهُمَا» رواه الإمام أبو داود رَحِمَهُ اللهُ، وحسّنه أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح الجامع" (1461)، وينظر: "صحيح سنن أبي داود" (7/ 397 و398).

الأَصلُ الثاني مِن أصول الدِّين: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

42- ما هو الأصلُ الثاني مِن أُصولِ الدِّينِ؟
وما سَبَبُ تَقْيِيدِهِ بِـ(الأدلّة)؟
وما أهميَّةُ ذٰلك؟

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(الأَصْلُ الثَّانِي:
مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ -قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ- مِنَ الأَصْلِ الأَوَّلِ وَشَرْحِهِ وَبسْطِهِ؛ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الأَصْلِ الثَّانِي مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، الَّذِي لا يَنْبَنِي إلا عَلَيهَا، وَهُوَ مَعْرِفَةُ دِينِ الإسْلامِ بِالأَدِلَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَالدِّينُ: الطَّاعَةُ، وَالتَّوْحِيدُ، وَجَمِيعُ مَا يُتَعَبَّدُ بِهِ.
وَقولُهُ: (بِالأَدِلَّةِ) تَنْبِيهٌ عَلَىٰ أَنَّه لا يَسُوغُ التَّقْلِيدُ فِي ذٰلِكَ، فَيَصِيرُ الرَّجُلُ إِمَّعَةً، بَلْ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَدِلَّةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ مَا خُلِقَ لَهُ؛ لِيَكُونَ عَلَىٰ نَوَرٍ وَبُرْهانٍ وَبَصيرَةٍ مِنْ دِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَىٰ حَقِيقَةٍ مِنْ دِينِهِ؛ فَإِنَّهُ يُخْشَىٰ عَلَيهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ -عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَينِ إذا سَأَلاهُ فِي الْقَبْرِ- أَنْ يَصِلَ لَهُ الشَّكُّ، فَيَجِيبَ الْجَوَابَ السَّيِّئَ؛ يَقُولُ: «هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي، سَمَّعَتْ النَّاسُ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ»(1)، بِخِلافِ مِنْ يَعْرِفُ أَدَلَّةَ دِينِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الدُّنْيا؛ فَإِنَّهُ حَرِيٌّ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَينِ: «رِبِّيَ اللهُ، وَدِينِي الإسْلامُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»(2)؛ فَإِنَّ مِنْ أَسَبَابِ الثَّبَاتِ عِنْدَ السُّؤَالِ: مَعْرِفَةَ الدِّينِ بِالْحُجَجِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَمَلَ بِهِ" اﻫ.
ـسسسسسسـ تنبيه ـسسسسسسـ
علّق العلامةُ أحمد النجمي -رَحِمَهُ اللهُ- علىٰ جملة (مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ) قائلاً:
"أقول: هٰذا يَلزم طلبة العلم، أمّا العوامّ فإنه يجوز أن يعلم أن هٰذا مباح وهٰذا محرَّم وهٰذا واجب، ولو لم يعرف الأدلة.
وقد عرَّفوا الفقهَ في أصول الفقه بأنه: معرفةُ الأحكام الشرعية مِن أدلّتِها التفصيليّة، فيقال: هٰذا الحكمُ حرام؛ لِهٰذا الدليل، وذٰلك الحكم فرض أو واجب بالدليل الفلانيّ، وذٰلك الحكم مستحب أو مكروه أو مباح بحسب الأدلة" اﻫ مِن "التعليقات البهيّة على الرسائل الأربع العقديّة" ص 79، مصوَّرًا في موقع فضيلته:
http://www.alnajmi.net/files/50.pdf
وقال فضيلة الشيخ عبيد الجابري -حَفِظَهُ اللهُ- في شرح الموضع الأول لهٰذه الجملة مِن "ثلاثة الأصول":
"(ومَعْرِفَةُ دِينِ الإسْلامِ بِالأدِلَّةِ) هٰذه الجملة تنبيهٌ إلىٰ القاعدةِ التي استنبطها العلماءُ مِن الكتاب والسُّنَّة؛ وتلكم القاعدة: (الأصل في العبادات المنْع إلا بنصّ)، فالتديُّن والتقرُّب والتعبُّد للهِ لا يكون إلا بالنصِّ الصَّحيح الصَّريح، فليس للاجتهاد مَجالٌ في إثبات شيءٍ مِن التعبُّد، وهٰذا الدليلُ إمّا كتاب، وإمّا سُنّة، وإمّا إجماعٌ عن سَلَفِ الأمّة علىٰ أنّ الله أَمَرَ بكذا.
يُروى عن أمير المؤمنين عليّ بنِ أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ؛ لَكَانَ باطِنُ الْخُفِّ أَوْلَىٰ بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ"(3)، وهٰذا ما اتَّفقتْ عليه كلمةُ الأئمَّة -أئمَّةِ الإسلامِ مِن أصحاب المذاهبِ الأربعة وغيرِهم- علىٰ أنّ الدِّينَ بالدليل.
وكان الإمامُ مالكٌ -رَحِمَهُ اللهُ- يقول بعد درسه: "كُلُّ كلامٍ فيه مَقبولٌ ومردودٌ إلا كلام صاحبِ هٰذا القبر"(4) يعني النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولِهٰذا فإنّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعة -أهلَ السَّلفيَّة- يَزِنُون أقوالَ الناسِ وأعمالَهم بِمِيزانَين لا ثالث لهما، وذانكم الميزانان هُمَا:
النصُّ والإجماع.
فالنصُّ يَشمل الكتابَ والسُّنَّة؛ فمَن وافَقَ نصًّا أو إجماعًا؛ قُبِلَ منه، ومَن خَالَف نصًّا أو إجماعًا؛ رُدَّ عليه قولُه وفِعلُه.
(بالأدلة): الوقوفُ عند الدليلِ في التعبُّدِ هٰذا هو شرْطُ المتابَعة؛ لأنَّ كُلَّ عبادةٍ لابد لها مِن شَرطَين حتىٰ تنال عند الله القبول؛ وذانكم الشَّرْطان:
- تجريدُ الإخلاصِ لله وَحْدَه.
- وتجريدُ المتابَعةِ لرسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" اﻫ مِن "إتحاف العقول بشرح الثلاثة الأصول" (ص 8 و9 ، ط 1، 1426 ﻫ، دار المدينة النبوية).
ـــــــــ
(1) و(2) كما في حديث البراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ سبق ذِكْرُه كاملاً في السؤال الثامن عشر، هنا:

ما هي الأصولُ الثلاثة التي يجب علىٰ كلِّ إنسانٍ مَعرفتُها؟

(3) رواه الحافظ أبو داود بلفظ (أَسْفَلُ الْخُفِّ) وفي رواية: (بَاطِنُ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا)، وصحَّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "صحيح سنن أبي داود" (153 و155).
(4) جاء في حاشية المصدر -"إتحاف العقول"-: "انظر سير أعلام النبلاء (8/ 93)، ورُوي هٰذا أيضًا عن الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- كما في مسائله لأبي داود (ص276)، قال: سمعتُ الإمامَ أحمدَ يقول: ليس أحدٌ إلا ويؤخذ مِن رأيِه ويُترَك، ما خلا النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" اﻫ.