الصفحات

حرمة تنقّص الصحابة رضي الله عنهم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
قال تعالى:
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم....} إلخ سورة الفتح
قال الإمام الحافظ القصّاب رحمه الله في كتابه النفيس "نكت القرآن في أنواع العلوم والأحكام":
"ردٌّ على الرافضة، ومَن ينتقص أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل ثناؤه وصفهم بهذه الصفة وصفًا عامًا، فكل مَن صحبه وكان معه بعد الإسلام؛ فقد استحقها، وصار مَن أهلها، ووجب على الناس:
· إعظامهم،
· وتبجيلهم،
· والرحمة عليهم،
· وترك التنقص لجميعهم، وإن فضّل بعضهم على بعض بما فضلهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ورحمهم أجمعين –
ونعلم أن مَن تنقّصهم؛ فهو:
§ ملعون،
§ مخالف لله في وصفهم،
§ وحاق به لعنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تسبوا أصحابي، مَن سبّهم فعليه لعنة الله)".
انتهى مِن "نكت القرآن" (4/ 170 و171)، والحديث شطره الأول متفق عليه، وأما الثاني فله عدة طرق حسّنه الوالد رحمه الله بمجموعها، يُنظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2340).

*********************
وقال تعالى:
{ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 8 – 10)
قال الحافظ القصاب رحمه الله:
" ذكر اللهُ أصحابَ نبيّه – صلى الله عليه وسلم – في هذه الآية على ثلاث فرق، وهو قوله تعالى:
{ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} فهذه فرقة
والثانية قوله: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}
والفرقة الثالثة: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}
وأثنى على الثلاثة –معًا- مما حوته الآيات الثلاث، فليس يخلو أحد صاحَبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم – ولو ساعة- إلا وهو داخل في أحد الفرق الثلاثة، فهذا –الآن- حجة على كل مَن سبَّ واحدًا منهم، أو تنقّصه، ودليل على أن مَن أتى في أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم خلافَ الجميل؛ أنه رادٌّ على الله، وغير راضٍ لدينه – جل وتعالى- بما رضيه هو له بنص القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قبل أن يصير إلى ما عليه في الأخبار مِن إيجاب اللعنة.
وكان مالك بن أنس يقول: مَن سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له في الفيء والغنيمة النصيب، وهو كما قال رحمه الله.

قوله: { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} جملة دليل على أن مَن لم يكن له سليمُ الصدر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، محبًا لكــــــــــــافتهم، داعيًا لجميعهم؛ فهو مسلوكٌ به غير سبيل الممدوحين، منوطٌ في طرق المذمومين، غير مقبول منه –فيهم- شيء يأوي له، ومُنحرضٌ باطله". ا.هـ.
"نكت القرآن" (4/ 258 – 260).
قلت: ومِن عَجَبٍ أنه قد صارَ الناصحُ المحذِّرُ ممن ينتقص الصحابة: مذمومًا عند البعض مطعونًا في سلامة صدره نحو المسلمين! انقلبت الموازين، منتقص الصحابة أشرفُ عِرضًا مِن الصحابة؟!! هيهات!
إنا لله وإنا إليه راجعون.

****************
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم: 8)

قال -رحمه الله- في "نكت القرآن" (4/ 372 و373)، عند قوله تعالى: { يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ ...} :
"قد دخل في ظاهر الكلام: الصحابةُ -رضي الله عنهم- بلا شك، واستوجبوا ما وعدهم الله – جل جلاله – في الآية،
فمَن تنقّص واحدًا منهم، أو أخرجه مما وعده الله؛ فقد ردّ على الله.
وأرجو أن يكون سائر المؤمنين داخلين معهم في ذلك؛ لأن مَن آمن بعده فقد دخل في الاسم معه، وإن لم يكن في الرؤية والفضيلة أسوة الصحابة". ا.هـ