بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
سألتُ فضيلة العلامة عبيد الجابري حفظه الله السؤال التالي:
تقول بعض الداعيات المهتمات بمسألة التربية أن على الأم إذا لمست من ابنتها حُبَّها لمسألةٍ محرمة كاللبس المخالف للشرع مثل البنطال -ونحوه من الضيق والعاري – أن عليها أن لا تمنع شراء البنطال، وتسمح لابنتها بلبسه في غرفةٍ لوحدها، فيكون المنع هو لظهورها أمام النساء به مثل صاحباتها وجاراتها.. إلخ، أما المنع الكلّي فهذا يولّد ضغطًا على البنت فتكون معقّدة نفسيًا.
ما رأيكم بارك الله فيكم؟
فأجاب أحسن الله إليه:
نسأل الله السلامة!
يا بنتي! أهل السُّنّة يَبْنون فتاويهم على الكتاب والسُّنّة وعلى فهم السلف الصالح، ولا يأتون بفتاوى مِن تلقاء أنفسهم، ولا يستندون إلى محضِ الرأي والعقل، فهذا القول الذي حكيتِه لي مصدرُه علماءُ النفس فيما يظهر لي، وعلماء النفس والاجتماع غالبهم - حسب ما ظهر لي- لا ينطلقون مِن المنظور الشرعي، وإنما من منظور العاطفة والعقلانية، وهذا هو منشأ الضلال؛ لأنهم يُنزلون الناس عن المنظور الشرعي في التربية، والمنظور الشرعي -كما قد بيّنتُ- قائمٌ على الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح،
وهذا هو ما مضى عليه السلف والخلف مِن أهل الإيمان في الدين وجلالة القدر والسابقة في الفضل مِن عوامّ المسلمين وخواصهم.
وقد حذّر الأئمة مِن الاعتماد على الرأي، مِن ذلكِ:
قولُ الفاروق رضي الله عنه:
"إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"[1].
وقال الشعبي:
"إِيَّاكُمْ وَالْمُقَايَسَةَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ أَخَذْتُمْ بِالْمُقَايَسَةِ؛ لَتُحِلُّنَّ الْحَرَامَ، وَلَتُحَرِّمُنَّ الْحَلاَلَ، وَلَكِنْ مَا بَلَغَكُمْ عَمَّنْ حَفِظَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فَاعْمَلُوا بِهِ"[2].
هذه نتيجة الرأي والعقلانية، نتيجتُها أنّ الإنسان يُحلل ويحرّم مِن تلقاء نفسه، نسأل الله السلامة.
وقد تلقّى هذا بعضُ مَن ينتسب إلى الدعوة رجالاً ونساء، لأنهم لا يَرون في النصوص الكفاية، وإنما يعوّلون على الرأي ومجاراة آراء عامة الناس، ولذلك؛ فإنهم يُضلّون غيرَهم، ويَضلّون هم أنفسُهم.
وهذا كلُّه وأمثالُه مِن إفرازات قاعدة المعذرة والتعاون: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)، ولهذا؛ تجدين مَن يسلك هذه القاعدة يحلل أشياء مِن أجل أشياء! يعني لا يسلكون مسلك الشرع، ونُظّارُ الإخوان المسلمين هم على هذا، فهذه القاعدة تدخل في كل شيء.
السنّي والرافضي وصاحب وحدة الوجود... على حدّ سواء، تجدين الموحّد الذي يقول بالتوحيد إلى جانب المشرك! فهم على حدّ سواء؛ لأنهم يهتمون بما يوحّد الصف ويجمع الكلمة، ولا يهتمون بالتصفية في التربية.
التربية: هي التنشئة على محابّ الله ومراضيه، وأساسُها التوحيد، ثم سائر الطاعات من واجبات ومندوبات.
التصفية: تنقيةُ العبادة مِن الشرك وما دونه.
فهؤلاء يهتمّون بالتربية دون التصفية.
يقول القرضاوي: يجوز التنازل لأجل توحيد الكلمة ولو وصل التنازل إلى الشرك!
ويستدل بقوله تعالى في سورة طه[3]:
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} !
وهذه قد أبان المقصودَ منها آيةُ الأعراف[4]:
{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}.
فهو يأخذ آيةً ويدع أخرى، وهكذا كلُّ صاحبِ هوى، فانظري إلى هذه الداعية: ماذا نفثت في أذهان المستمعات؟!
فهي إما جاهلة ليس عندها تمييز فيما تقوله للناس، ليس عندها فرقان يؤهلها للنظر في الأقوال.
أو صاحبة هوى تجاري رغبات الناس.
فبلغي أخواتك مني السلام وليحذرنها.
انتهى جوابه حفظه الله، وقد كتبتُه خلالَ إلقائه دون تسجيلٍ، ثم إنه - جزاه الله خير الجزاء - أعاد الجوابَ كي أسجّله:
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
سألتُ فضيلة العلامة عبيد الجابري حفظه الله السؤال التالي:
تقول بعض الداعيات المهتمات بمسألة التربية أن على الأم إذا لمست من ابنتها حُبَّها لمسألةٍ محرمة كاللبس المخالف للشرع مثل البنطال -ونحوه من الضيق والعاري – أن عليها أن لا تمنع شراء البنطال، وتسمح لابنتها بلبسه في غرفةٍ لوحدها، فيكون المنع هو لظهورها أمام النساء به مثل صاحباتها وجاراتها.. إلخ، أما المنع الكلّي فهذا يولّد ضغطًا على البنت فتكون معقّدة نفسيًا.
ما رأيكم بارك الله فيكم؟
فأجاب أحسن الله إليه:
نسأل الله السلامة!
يا بنتي! أهل السُّنّة يَبْنون فتاويهم على الكتاب والسُّنّة وعلى فهم السلف الصالح، ولا يأتون بفتاوى مِن تلقاء أنفسهم، ولا يستندون إلى محضِ الرأي والعقل، فهذا القول الذي حكيتِه لي مصدرُه علماءُ النفس فيما يظهر لي، وعلماء النفس والاجتماع غالبهم - حسب ما ظهر لي- لا ينطلقون مِن المنظور الشرعي، وإنما من منظور العاطفة والعقلانية، وهذا هو منشأ الضلال؛ لأنهم يُنزلون الناس عن المنظور الشرعي في التربية، والمنظور الشرعي -كما قد بيّنتُ- قائمٌ على الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح،
وهذا هو ما مضى عليه السلف والخلف مِن أهل الإيمان في الدين وجلالة القدر والسابقة في الفضل مِن عوامّ المسلمين وخواصهم.
وقد حذّر الأئمة مِن الاعتماد على الرأي، مِن ذلكِ:
قولُ الفاروق رضي الله عنه:
"إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"[1].
وقال الشعبي:
"إِيَّاكُمْ وَالْمُقَايَسَةَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ أَخَذْتُمْ بِالْمُقَايَسَةِ؛ لَتُحِلُّنَّ الْحَرَامَ، وَلَتُحَرِّمُنَّ الْحَلاَلَ، وَلَكِنْ مَا بَلَغَكُمْ عَمَّنْ حَفِظَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فَاعْمَلُوا بِهِ"[2].
هذه نتيجة الرأي والعقلانية، نتيجتُها أنّ الإنسان يُحلل ويحرّم مِن تلقاء نفسه، نسأل الله السلامة.
وقد تلقّى هذا بعضُ مَن ينتسب إلى الدعوة رجالاً ونساء، لأنهم لا يَرون في النصوص الكفاية، وإنما يعوّلون على الرأي ومجاراة آراء عامة الناس، ولذلك؛ فإنهم يُضلّون غيرَهم، ويَضلّون هم أنفسُهم.
وهذا كلُّه وأمثالُه مِن إفرازات قاعدة المعذرة والتعاون: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)، ولهذا؛ تجدين مَن يسلك هذه القاعدة يحلل أشياء مِن أجل أشياء! يعني لا يسلكون مسلك الشرع، ونُظّارُ الإخوان المسلمين هم على هذا، فهذه القاعدة تدخل في كل شيء.
السنّي والرافضي وصاحب وحدة الوجود... على حدّ سواء، تجدين الموحّد الذي يقول بالتوحيد إلى جانب المشرك! فهم على حدّ سواء؛ لأنهم يهتمون بما يوحّد الصف ويجمع الكلمة، ولا يهتمون بالتصفية في التربية.
التربية: هي التنشئة على محابّ الله ومراضيه، وأساسُها التوحيد، ثم سائر الطاعات من واجبات ومندوبات.
التصفية: تنقيةُ العبادة مِن الشرك وما دونه.
فهؤلاء يهتمّون بالتربية دون التصفية.
يقول القرضاوي: يجوز التنازل لأجل توحيد الكلمة ولو وصل التنازل إلى الشرك!
ويستدل بقوله تعالى في سورة طه[3]:
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} !
وهذه قد أبان المقصودَ منها آيةُ الأعراف[4]:
{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}.
فهو يأخذ آيةً ويدع أخرى، وهكذا كلُّ صاحبِ هوى، فانظري إلى هذه الداعية: ماذا نفثت في أذهان المستمعات؟!
فهي إما جاهلة ليس عندها تمييز فيما تقوله للناس، ليس عندها فرقان يؤهلها للنظر في الأقوال.
أو صاحبة هوى تجاري رغبات الناس.
فبلغي أخواتك مني السلام وليحذرنها.
انتهى جوابه حفظه الله، وقد كتبتُه خلالَ إلقائه دون تسجيلٍ، ثم إنه - جزاه الله خير الجزاء - أعاد الجوابَ كي أسجّله:
رابط تنزيل الجواب الصوتي
وها هو تفريغه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإنّ أهلَ السّنّة هم أنصحُ الناسِ للناس، وهم أنفعُ الناس للناس، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية[5] رحمه الله:
هم أعرف الناس بالحق، كما أنهم أرحم الناس بالخلق.
وذلكِ – يا بنتي! – لأهم يَبْنون دعوتَهم الناس إلى ما يَصلح به حالُهم ومآلُهم، ويَسعدون به في دنياهم وأخراهم؛ مبنية على الكتاب والسُّنّة، وعلى فهم السلف الصالح، وأساسُ السلف الصالح هم: الصحابة رضي الله عنهم، ثم أئمة التابعين، مثل: الشعبي عامر بن شراحيل، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وغيرِهم، ثم مَن سار على نهجِ الصحابة وأئمةِ التابعين، كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المحترمة المتبوعة، والسفيانين والحمادين وغيرهم، ممن صلُحتْ عقيدتهم، وصلُح منهجُهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وليس للرأي عندهم مجال، بل يقولون للناس: قال الله وقال رسوله؛ لأن الوحيين - وهما الكتاب والسُّنّة- لم يَتعبّدِ اللهُ سبحانه وتعالى الخلقَ بغيرهما.
وإجماعُ الأئمة المجتهدين مِن علماء الشرع على أمْرٍ ديني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرٍ مِن العصور؛ فهو مستندٌ على نصوصِ الكتابِ والسُّنّة.
وما ذكرتِه عن هذه الداعية ليس له مِن الكتاب ولا مِن السُّنّة ولا مِن عملِ السلف الصالح ما يسنده، بل هو مبنيّ على فلسفةِ عِلْمَيِ النفس والاجتماع، وعلمُ النفسِ وعلمُ الاجتماع إذا خلا مِن الكتاب والسُّنّة؛ فإنه يَنْفلِت، ويطيش أهلُه عن الصواب، فالكثيرُ منهم جُهّال مِن حيث النظر في الدعوة إلى الكتاب والسُّنّة، فهذه لا تصلح أن تكون داعية، فهي جاهلة، فلا يوثَق منها في التربية، ولا في التعليم، فبلّغي أُخيّاتك مني السلام، وأن يحذرنها ما دام هذا هو مسلكَها ومنهجَها؛ تبني دعوتَها بناتِ جنسِها مِن المسلمات على الفلسفات مِن علم النفس والاجتماع.
وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهى جوابه بارك الله في علمه وعمله
تاريخ الفتوى: صباح الأحد 5/ ربيع الأول/ 1430 هـ