الصفحات

الدقائق أحقاب بالآلاف، والذرات أضعاف أضعاف

نص الرسالة:
الفطن لا يفرط بالدقائق واللحظات
فالمقابل في الجنة: أحقاب بالآلاف
ولا يستهين بالذرات
فالمقابل هناك: أضعاف أضعاف
تفسير السعدي
الكهف: 107و108 والمزمل: 20
~~~~~~~~
التوضيح:
قال تعالى في سورة الكهف (107 و108):
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا}


قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسيرها:
أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وشمل هذا الوصفُ جميعَ الدين:
عقائدَه
وأعمالَه
أصولَه
وفروعَه
الظاهرة
والباطنة
فهؤلاء -على اختلاف طبقاتهم مِن الإيمان والعمل الصالح -لهم جنات الفردوس.
يحتمل أن المراد بجنات الفردوس:
أعلى الجنة، وأوسطها، وأفضلها، وأن هذا الثواب لِمَن كمل فيه الإيمان والعمل الصالح، والأنبياء والمقربون.
ويحتمل أن يراد بها:
جميع منازل الجنان؛ فيشمل هذا الثواب، جميع طبقات أهل الإيمان، مِن المقربين، والأبرار، والمقتصدين، كلّ بحسب حاله، وهذا أولى المعنيين؛ لِـ
عمومه
ولِذكر الجنة بلفظ الجمع المضاف إلى الفردوس
ولأن الفردوس يطلق على البستان المحتوي على الكرم، أو الأشجار الملتفة، وهذا صادقٌ على جميع الجنة؛ فجنة الفردوس نُزل وضيافة لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأيُّ ضيافة أجلّ وأكبر وأعظم مِن هذه الضيافة:
المحتوية على كل نعيم؛ للقلوب، والأرواح، والأبدان
وفيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، مِن:
المنازل الأنيقة
والرياض الناضرة
والأشجار المثمرة
والطيور المغردة المشجية
والمآكل اللذيذة
والمشارب الشهية
والنساء الحسان
والخدم
والولدان
والأنهار السارحة
والمناظر الرائقة
والجمال الحسي والمعنوي
والنعمة الدائمة
وأعلى ذلك وأفضله وأجلُّه:
التنعم بالقرب من الرحمن
ونيل رضاه، الذي هو أكبر نعيم الجنان
والتمتع برؤية وجهه الكريم
وسماع كلام الرءوف الرحيم
فلِلّه تلك الضيافة؛ ما أجلّها وأجملها، وأدومها وأكملها!
وهي أعظم من أن يحيط بها وصفُ أحد من الخلائق، أو تخطر على القلوب، فلو علم العبادُ بعضَ ذلك النعيم علمًا حقيقيًا يصل إلى قلوبهم:
لطارت إليها قلوبُهم بالأشواق
ولتقطعت أرواحهم مِن ألم الفراق
ولساروا إليها زرافات ووحدانًا
ولم يؤثروا عليها دنيا فانية، ولذات منغصة متلاشية
ولم يفوتوا أوقاتًا تذهب ضائعة خاسرة، يقابل كلَّ لحظةٍ منها مِن النعيم مِن الحقب آلافٌ مؤلَّفة
ولكن:
الغفلة شملت
والإيمان ضعف
والعلم قلّ
والإرادة نفذت فكان ما كان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقوله {خَالِدِينَ فِيهَا} هذا هو تمام النعيم، إن فيها النعيم الكامل، ومِن تمامه أنه لا ينقطع {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} أي: تحوّلاً ولا انتقالاً؛ لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم، ويسرّهم ويفرحهم، ولا يرون نعيمًا فوق ما هم فيه". ا.هـ "تيسير الكريم الرحمن" ص488
وقال جل جلاله في آخر سورة المزمل:
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير ختامها:

"... { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
وليعلم أن:

مثقال ذرة من الخير في هذه الدار، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا وما عليها في دار النعيم المقيم، مِن اللذات والشهوات

وأن الخيرَ والبرَّ في هذه الدنيا، مادةُ الخيرِ والبرِّ في دار القرار، وبذرُه وأصلُه وأساسُه.

فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات!

وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات!

وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق مَن هو أرحم بها منها!
فلك -اللّهمّ!- الحمد

وإليك المشتكى

وبك المستغاث

ولا حول ولا قوة إلا بك". ا.هـ "تيسير الكريم الرحمن" ص894 و895

كيف تقوم صاحبة العذر الشرعي ليلة القدر؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن اكتفى بهداه
سألتُ أبي رحمه الله تعالى:
كيف تقوم صاحبة العذر الشرعي ليلة القدر؟
فأجابني:

"بين:

دعاء
وذكر
وتلاوة القرآن، ولا بأس عليها مِن ذلك، وأظن أنك متأكدة مِن عدم كراهة قراءة المرأة الحائض للقرآن.
فحينئذ؛ هذا هو المخرَج مِن جهة. 
ومِن جهة أخرى؛ يَحْسُن بِمِثل هذه المناسَبة أنّ المسلم سواء كان ذكرًا أو أنثى أن يتأدّب بأدب الرسول عليه السلام الذي قال في جملةِ ما قال:
((اغتنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شبابَك قَبْلَ هَرمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ))[1]
مِن أجل ماذا؟
لأنه جاء في "صحيح البخاري"[2] أنّ المسلم إذا مرض أو سافر؛ كَتَب اللهُ له ما كان يَعمله من الطاعة والعبادة في حالة الإقامة وفي حالة الصحة[3].
فعلى مثل تلك المرأة أن تَغتنم وقْتَ طهارتها وتمكُّنِها من قيام العشر الأخير، أو على الأقلّ: الأوتار، أو أقلّ من القليل: اليوم أو ليلة السابع والعشرين، فإن الله عز وجل إذا عَلم مِن أَمَتِه أنها كانت تَفعل ذلك في حالةِ تمكُّنِها مِن القيام بالصلاة، ثم فَجَأها العُذْرُ؛ كُتِب لها ما كان يُكْتَب لها في حالة الطُّهر، هذه نقطة مهمّة جدًا، ثمرتُها أن يَحرص المسلم على التفصيل السابق؛ أن يشغل وقته دائمًا بالطاعة ما استطاع، حتى إذا زادتِ الطاعةُ، فمرَّت العبادة؛ تُكتب له رغم أنه لا يَتمكَّن مِن القيام بها" اهـ.
__________
[1] - ذكره -رَحِمَهُ اللهُ- بلفظِ: (قبل مرضك)، والمُثْبَت هو لفظ الحديث، وتتمته: (وغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شغلِك، وحياتَكَ قَبْلَ موتكَ). وهو في "صحيح الترغيب والترهيب" (3355).
[2] - (2996).
[3] - نص الحديث: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا).

لا سبيل إلى الفلاح إلا بها

نص الرسالة:
لا سبيل إلى الفلاح إلا بها
وكل مؤمن محتاج إليها
ما هي؟
النور: 31

~~~~~~~~
التوضيح:
الآية 31 من سورة النور:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

والدليل فيها للفائدة: خاتمتها.
قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسيرها:
"ولَمّا أَمَرَ تعالى بهذه الأوامر الحسنة، ووصَّى بالوصايا المستحسنة، وكان لا بد مِن وقوع تقصيرٍ مِن المؤمن بذلك؛ أَمَرَ الله تعالى بالتوبة، فقال:
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} لأن المؤمن يدعوه إيمانُه إلى التوبة، ثم علّق على ذلك الفلاح، فقال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فلا سبيل إلى الفلاح إلا بالتوبة، وهي:
الرجوع مما يكرهه الله، ظاهرًا وباطنًا، إلى: ما يحبه ظاهرًا وباطنًا.
ودل هذا أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة؛ لأن الله خاطب المؤمنين جميعًا.
وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ} أي: لا لمقصدٍ غير وجهه، مِن سلامةٍ مِن آفاتِ الدنيا، أو رياءٍ وسمعة، أو نحو ذلك مِن المقاصد الفاسدة". ا.هـ "تيسير الكريم الرحمن" ص 567

من أدلة أهل السنة والجماعة على أن العمل من الإيمان

نص الرسالة:
{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} (آل عمران: 133)
الآية من أدلة أهل السنة والجماعة على أن العمل من الإيمان؛ كيف ذلك؟
تفسير السعدي
~~~~~~~~~~~~~
التوضيح:
قال العلامة السعدي -رحمه الله- في ختام تفسير هذه الآية والسياق بعدها:
"وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة، على أن الأعمال تدخل في الإيمان، خلافا للمرجئة، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية، التي في سورة الحديد، نظير هذه الآيات، وهي قوله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله} فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله، وهنا قال: {أعدت للمتقين} ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية؛ فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون". ا.هـ "تيسير الكريم الرحمن" ص 149