بسم الله الرحمٰن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ
فقد سُئل أبي رَحِمَهُ اللهُ وأَسْكَنَهُ الجَنَّةَ:
ما رأي فضيلتكم بمشاهدة الأفلام الإسلامية، وخصوصًا التي تَبْعَث الحماسَ الدِّينيَّ لدى بعض المسلمين، وخصوصًا منها فيلم (الرِّسالة)، لأن هٰذا الفيلم به أحداث لبداية انتشار الإسلام والدعوة، وإن كان جوابكم بعدم الجواز؛ أرجو بيانَ السببِ ورُدود الفعل.
أبي رَحِمَهُ اللهُ:
لقد أصاب السائلُ الهدفَ، حينما قال: (إذا كان جوابكم..) أيش قال؟
- إن كان جوابكم بعدم الجواز.
أبي رَحِمَهُ اللهُ:
"نعم، نقول: لا يجوز، لا يُشرَع في الإسلامِ تمثيليّات؛ لأسبابٍ كثيرة، منها:
أولًا: أن هٰذا طريقةُ الكُفّار، وطريقةُ الكُفّارِ تَلِيقُ بهم ولا تَلِيق بالمسلمين؛ ذٰلك لأنّ الكفّار يَشْعرون بأنهم بحاجةٍ إلىٰ حوافِز ودَوافِع تَدفعُهم إلى الخير، لا يَجدون عندهم شريعةً فيها ما عندنا -والحمدُ لله- مِن الخير، كما سمعتم آنفًا قولَه عَلَيْهِ السَّلامُ:
(ما تَركتُ شيئًا يُقرّبكم إلى الله)[1].
آيةٌ واحدة -فضلًا عن سُورة- تُغْني عن تمثيلياتٍ عديدة وكثيرة وكثيرة جدًا، إذا عُمِّمَتْ على المسلمين وفُسِّرَتْ لهم، فالمسلمون لَيسوا بحاجةٍ إلىٰ مِثل هٰذه الوسائل الحديثة، لا سيما وقد نَبَعَتْ مِن بلادِ الكفر الذين قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَقِّهم:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29)، فأُمَّةٌ لا تُحرِّم ولا تُحلِّل؛ كيف نأخذ منها مناهجَها وثقافاتِها وطُرُقَها، ثم نأتي ونُطَبِّقُها علىٰ أنفسِنا؟!
لقد أَعْجَبَني مرة أنني سمعتُ محاضِرًا يقول: مَثَلُ المسلمين وتَقْليدهم لِلغَرْبيين كمَثَلِ شخصٍ بَدِينٍ يأخُذ ثَوبًا فُصِّلَ علىٰ إنسانٍ آخرَ نَحِيلٍ، فيُريد أن يَكتسيَ بهٰذا الثوب، فستكون النتيجةُ أنه لا يستطيع أن يعيش فيه، والعاقبة: أن يَتفتَّق هٰذا الثوب؛ لأنه ما فُصِّل علىٰ بدنه، والعكسُ بالعكس، فتلك الوسائل تَصْلُح لهم ولا تَصْلُح لنا؛ لأن عندنا خيرًا مِن ذٰلك، كما جاء في الحديثِ حديثِ جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: رأى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا صحيفةً في يدِ عمر بن الخطّاب، فقال له: ما هٰذه؟ قال: هٰذه صحيفةٌ مِن التوراة، كَتَبها لي رجل مِن اليهود، [فغضب] عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وقال: (أمتهوِّكُون أنتم كما تهوّكت اليهودُ والنصارى؟! والذي نفس محمدٍ بيده! لو كان موسى حيًّا لما وَسِعَه إلا اتِّباعي)[2]، لو كان موسى -وهو كليمُ الله- حيًّا؛ لَمَا وسعه إلَّا اتِّباع الرسول عَلَيْهِ السَّلامُ، فما بالكم اليوم نحن نكون أتْباعًا بل نكون أذْنابًا بكلِّ شيء يأتينا مِن زُخرُف أولٰئك الناس الذين لا يُحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله! هٰذا سبب أنني لا أرى جوازَ التمثيليات هٰذه.
الأمر الثاني: هو أنه لا بد أن يَقعَ في هٰذه التمثيليات أمورٌ مَكذوبة لا حقيقة لها في التاريخ الإسلاميّ أو في السيرة الأُولىٰ، وحينئذ؛ فهٰذا سببٌ آخر يَمْنَع مِن أن نقلِّد الأوروبيين فيما هم عليه مِن التمثيليات؛ لأنهم يعيشون علىٰ قاعدةٍ معروفة -ومع الأسف: بعضُ المسلمين يَنطلقون وارءها أيضًا! قاعدتُهم هي-: الغايةُ تُبَرِّر الوسيلة، (الغاية) هي مثلًا: أن يَكسبوا المال، أما الطريق؛ ليس مهمًّا هو حلال أو حرام! هٰذا خلاف الإسلام الذي أوضح لنا طريقَ الحلال والحرام، وقال: خُذوا ما حَلّ ودَعُوا ما حَرُم، فأولٰئك في تمثيلياتهم يُدخِلون ما لا حقيقة له إطلاقًا، فَجَرَينا نحن أيضًا علىٰ خُطاهم، مِصداقًا لقوله عَلَيْهِ السَّلامُ:
«لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا»[3] إلىٰ آخر الحديث.
ثالثًا وأخيرًا: قد يَدْخُل في التمثيليات مخالَفةٌ أخرىٰ وهي: تَشبُّه الرجالِ بالنساء، أو تشبُّه النساء بالرجال، أو اختلاط الرجال بالنساء، وكما يقال: أحلاهما مُرُّ! فكيف نَسْتجيز نحن مِثْلَ هٰذه التمثيليات؟!
مثلًا -صورة واضحة جيِّدًا بيِّنة تمامًا-:
يكون الرجلُ -سبحان الله!- يكون الرجلُ مُلْتحيًا -كما خَلَقَه الله-، لٰكنْ هو -اتِّباعًا لِعادات الكفارِ- يَحْلِق لِحْيتَه، فإذا وُضِع في دَورٍ يُمَثِّلُه، يُمَثِّل فيه مثلًا رجلًا من الصحابة؛ وضع لحيةً مستعارة، علىٰ طريقة اللوردات الإنجليز! فهو يُخادِع الناس، أوّلًا هو خِلقةً ذو لحية، فيعصي الله ويَحلقها، فإذا جاء دورُ التمثيل يتظاهر أمام الناس بأنه موفِّرٌ لِحْيَته! هٰذا أليس كذبًا؟! ومنه أن يكون هناك شاب لا لحيةَ له فتُوضَع له لحيةٌ مستعارة، وهٰكذا.
ولذٰلك إذا دُرستْ هٰذه التمثيليات؛ نَخْرُج بنتيجة: أنها لا تُشْرَع في دين الإسلام، وبخاصةٍ: إذا كانت متعلِّقةً بِرسالةِ الرسولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فهناك سيكون الكذب؛ هٰذا يُمَثِّل عمرَ بنَ الخطّاب! وهٰذه تمثِّل أختَ عمرَ بنِ الخطاب! وإلخ، كلُّ هٰذا زُورٌ في زُور، وما بُني علىٰ فاسدٍ فهو فاسد" اﻫ.
وسئل أيضًا رَحِمَهُ اللهُ:
هل يجوز أن يمثّل أحدُ المسلمين دَورَ كافرٍ فيُقسِم باللات أو يشتم محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ بحجّة التمثيل لِأحدِ مواقف السِّيرة؟
فأجاب:
"حتمًا لا يجوز هٰذا الأمرُ بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه، بل لو كان السؤالُ: (هل يجوز التمثيل نفسُه) بدون هٰذا الكُفر؛ لَكان الجوابُ: لا يجوز، فكيف وفي السؤال أنه يَحكي الكفر؟! صحيح أنّ الأمر كما قال العلماء: إنّ ناقِلَ الكفر ليس بكافر؛ هٰذا الذي يَقُوم بوظيفة أو مهنة التمثيلِ لِكلامِ رجُلٍ كافر؛ ليس هناك ما يَضطره إلىٰ أن يَقُومَ بعمليةِ التمثيلِ هٰذه، وبالتالي ليتكلَّمَ بكلمة الكفر؛ لأن أصلَ قضيةِ التمثيل هٰذه في الواقع، ونأسف جدًا [انقطاع] تورَّط المسلمون فقلَّدوا الكفَّار الذين لا يُحرِّمون ما حرَّم اللهُ ورسولُه، فتعاطَوا مهنةَ التمثيل تقليدًا منهم للكفار، دون أن يُراعُوا ما قد يترتّب مِن وراء القيام بمثل هٰذه المهنة مِن مخالَفات للشريعة الإسلامية، مِن التشبُّه بالكفار، مِن تشبُّه الرجال بالنساء، وربما مِن اختلاط النساء بالرجال في بعض التمثيليات، فكلُّ هٰذا لا يجوز في دِين الإسلام، أمّا أولٰئك المقلَّدون -أولٰئك الأُوربّيّون الذين نحن نقلِّدهم- فهم ليس عندهم شيءٌ اسمه حلال وحرام، ومِن هنا يظهر (داء)[4] غفلة المسلمين الذين يَلهثون ركضًا وراء الكافرين، دون أن يميّزوا الفَرْقَ بينهم -أي بين المسلمين- وبين أولٰئك الكافرين الذين يقلِّدونهم!" اﻫ.
[1] - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ»، رواه الحافظ الطبراني وصححه أبي رَحِمَهُمَا اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1803).
[2] - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا؛ مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي» رواه الإمامُ أحمد في "مسنده" (3/ 387) وغيرُه، وقال الوالد رَحِمَهُ اللهُ: "فيه مُجَالِد بن سعيد، وهو ضعيف. ولٰكنّ الحديث حَسَنٌ عندي؛ لأن له طرُقًا كثيرة عند اللالكائي، والهروي، وغيرهما" اﻫ مِن "هداية الرواة" (1/ 137)، ويُنظر "إرواء الغليل" (6/ 34 – 38).
[3] - "صحيح البخاري" (7320).
[4] - لم تتضح لي الكلمة.