الصفحات

ما هِيَ الكَلِمَةُ السَّوَاءُ المذْكُورَةُ في (آل عِمران: 64)؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

52- ما هِيَ الكَلِمَةُ السَّوَاءُ المذْكُورَةُ في:
(آل عِمْرانَ: 64)؟
وما مَعْناها؟

البيان

مما استدلَّ به الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب -رَحِمَهُ اللهُ- علىٰ تفسيرِ الشَّهادَةِ: قولُه تَعَالَىٰ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ* أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ** وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا*** وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ**** فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ*****} (آل عمران: 64).
فقال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* أي: ودَليلُ الشَّهَادَةِ أيضًا قولُهُ تَعَالَىٰ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} أَمَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَقُولَ لأهْلِ الكِتابِ؛ اليهودِ والنَّصارىٰ:
{تَعَالَواْ} أي: هَلُمُّوا.
{إِلَىٰ كَلَمَةٍ} واحِدةٍ لا غير، والكَلِمَةُ تُطْلَقُ على الجُمْلَةِ الْمُفِيدةِ، كما هُنا.
{سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي: عَدْلٍ وَنَصَفٍ، لا يَخْتَلِفُ فيها رَسُولٌ ولا كِتابٌ، نَسْتَوِي نحن وأنتُم في فَرْضِيَّتِهَا ووُجُوبِها عَلَينا وَعَلَيكُم.
ومِنَ المعلومِ أنَّ الكَلِمَةَ هي التي يَدْعُو إلَيها جَميعَ النَّاسِ؛ فإِنَّه ليس في الوُجُودِ سِوىٰ كَلِمَةِ التَّوحِيدِ عِنْدَ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ؛ فإنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقُرَيْشٍ:
«قُولُوا: لا إِلٰهَ إِلا اللَّهُ؛ تُفْلِحُوا»[1].
وهي الكَلِمَةُ التي تَدْعُو إلَيْهَا الرُّسُلُ جَمِيعَ الْخَلْقِ، قَال تَعَالَىٰ:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).
فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ هُنا غَيْرَهَا، وَقَدْ فَسَّرَهَا تَعَالَىٰ بِذٰلِكَ.
** أي: لا نُوَحِّدُ نَحْنُ وَأنتُم بِالعِبادَةِ إلا اللهَ، فَوَضَحَ مَعْنَى الكَلِمَةِ؛ فَإِنَّ في قولِه: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ} مَعْنَىٰ (لا إلٰه إلا الله)، فَتَبَيَّنَ أنْ لا مَعْبُودَ حَقٌّ إلا اللهُ وَحْدَه.
*** لا صَلِيْبًا، وَلا صَنَمًا، ولا طَاغُوتًا، وَلا نَارًا، وَلا شَيْئًا غَيْرَ اللهِ، بَلْ نُفْرِدُهُ -تَعَالَىٰ- بِالعِبادَةِ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَهٰذِهِ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ.
**** لا يُطِيْعَ بَعْضُنا بَعْضًا في مَعْصِيَةِ اللهِ، كَمَا فَعَلَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ.
***** أي: فإِنِ امْتَنَعُوا وأَدْبَرُوا وأَعْرَضُوا عَنِ الإجابَةِ إِلىٰ إفْرَادِ اللهِ بِالعِبادَةِ؛ فَقُولُوا -أنتُم يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ!- لَهُم: {اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} مُخْلِصُونَ للهِ بِالتَّوْحِيدِ دُونَهُمْ، أََيْ: صَرِّحُوا لَهُمْ شِفَاهَةً بِأَنَّكُمْ مُسْلِمُونَ وَأَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَأَنَّكُمْ بَرَاءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ بَرَاءٌ مِنْكُمْ، وَهٰذَا دَالٌّ عَلَىٰ أَنَّه لابُدَّ أنْ تُبَيِّنَ لِلْكُفَّارِ حَتَّىٰ يَتَفَهَّمُوا وَيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَىٰ دِيْنٍ، وَأَنَّ دِيْنَكَ خِلاَفُ دِيْنِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيهِ، وَأَنَّ دِيْنَهُمْ خِلاَفُ دِيْنِكَ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص73 - 75.


[1] -  رواه الإمام أحمد وغيرُه وصحَّحه الوالدُ رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "التعليقات الحِسان" (6528).