الصفحات

إِنّي بَرَاءٌ مِنَ الأَهْوا وَمَا وَلَدَتْ * وَوَالدِيْها الحَيَارىٰ سَـاءَ مَا وَلَدُوا


 بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ للهِ وَحْدَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ مَن لا نبيَّ بَعْدَه، وعلىٰ آله وصحبه ومَن كانت سُنّتُه مُعْتَمَدَه.
أمّا بعد
فقد جاء في المنظومة التي هي كاسمها: (الجوهرة الفريدة) للعلامة الشاعر السُّنِّيِّ المتفنِّن: حافظ الحكمي رَحِمَهُ اللهُ:
مقدِّمةٌ
في براءةِ المتَّبِعيْن
مِنْ جَرَاءَةِ المبدِّعين
وافتراءَاتِ المبتدعين
12- إِنّي بَرَاءٌ مِنَ الأَهْوا وَمَا وَلَدَتْ ... وَوَالدِيْها الحَيَارىٰ سَـاءَ مَا وَلَدُوا
13- وَاللهِ! لَسْتُ بِجَهْمِيٍّ أَخَا جَدَلٍ ... يَقُـوْلُ في اللهِ قَوْلاً غَيْرَ مَـا يَرِدُ
14- يُكَذِّبُونَ بِأَسْــمَاءِ الإِلٰهِ وَأوْ ... صَافٍ لَهُ بَلْ لِذاتِ اللهِ قَدْ جَحَدُوا
15- كَلاّ وَلسْـتُ لِرَبِّي مِنْ مُشَبِّهَةٍ ... إِذْ  مَنْ  يُشَـبِّهُهُ مَعْبوْدُهُ جَسَـدُ
16- وَلاَ بِمُعْتَزليٍّ أَوْ أَخَـــا جَبَرٍ ... في السَّـيِّئَاتِ عَلى الأَقْدَارِ يَنْتَقِدُ
17- كَلاّ وَلَسْـتُ بِشِيْعِيٍّ أَخَا دَغَلٍ ... في قَلْبِهِ لِصِحَابِ الْمُصْطَفَىٰ حُقَدُ
18- كَلاّ وَلاَ نَاصِـبيٍّ ضِدَّ ذٰلِكَ بَلْ ... حُبُّ الصَّــحَابَةِ ثُمَّ الآلِ نَعْتَقِدُ

وبعد!
فلا تزال أنواعُ الفِتن تَموج بالمرء، كلّما بُقِع بواحدة؛ ظنَّها الأعظمَ القاضية، حتىٰ يُبتلىٰ بأشدَّ؛ فيعلم أنّ تيك كانت هيّنةً، سحابةَ صيفٍ ماضية!
وربما يكفي البيتُ الأولُ -والذي هو مِن عَقائلِ شِعر العَلامة الحكميّ رَحِمَهُ اللهُ- إعلانًا منه لمنهجه السلفيّ العذب الصافي، لٰكنّ ما وَلِيَهُ مِن أبياتٍ دليلٌ على القطعِ لأيّ احتمالٍ مِن أيِّ مَنفذٍ، بسَرْدِ أمثلةٍ تُبيِّنُ ما يَعني.
وكأنه -رَحِمَهُ اللهُ- يكاد يُكمِل السِّلسلةَ حتىٰ يتبرَّأَ مِن المحدَثات في عصرِنا، مِن مثلِ القطبيَّة والتكفيريَّة والحدَّادية والتمييعيَّة:
بِعَينها.
وأصولِها (والدِيها).
وفروعِها (وما وَلدت).
ذاك أنّ الصراطَ واحدٌ واضحٌ، أبْلَج أبيض.
والذي تفَرَّق عنه مِنَ السُّبُل عَديدٌ عَرِيج، ألْيَل أبْهَم.
علىٰ تبايُنٍ في الدَّرَكات، نسأل اللهَ لنا العافية ولهم الهداية.
والذي ألجأ عَلَمًا ثِقةً -كالعلامةِ الحكميِّ- إلى القسَم علىٰ هاته البراءة؛ لأَمْرٌ جَلَلٌ! يُدرِك ذٰلك مَن عَلِمَ أنّ مِن أصول أهلِ السُّنَّةِ: البراءةَ مِن أهلِ البدع؛ قال الصحابيُّ عبدُ الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما لَمَّا بَلَغتْهُ قَالةُ القَدَريّة:
«فَإِذَا لَقِيتَ أُولٰئِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي» "صحيح مسلم" (8).
فالقَدَريّةُ مِثال، قابَلَهُ ما كان مِن الصحابيِّ مِن مَقال، فَحَذْوَه نَقول مع حُنكةِ الحكميّ:
إِنّي بَرَاءٌ مِنَ الأَهْوا وَمَا وَلَدَتْ ... وَوَالدِيْها الحَيَارى سَاءَ مَا وَلَدُوا

ليلة الإثنين 18 صفر 1434ﻫ

بيانُ خطأ نسبةِ (قصيدة في الزواج) إلى أبي الإمامِ الألبانيّ


بسمِ اللهِ الرحمٰن الرحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتَم رُسُلِ اللهِ
أمّا بعد
فقد تَناقلتْ عدةُ مواقع في الشبكةِ قصيدةً تتعلَّق بالزواجِ مَطْلعها:
(اللهُ يُغْنيه وسيعًا فضلُه * فهو الغنيُّ عَطاؤه مشكورُ)
وقد نُسِبَتْ إلىٰ أبي الإمامِ الألبانيِّ رَحِمَهُ اللهُ، والحقُّ أنها ليست له، فهو وإنْ كان فصيحًا رغم أصله العَجَميّ، أدِيبًا في لفظِه الدُّرِّيِّ، حافظًا لكثيرٍ مِن رائقِ الشِّعْرِ الزَّكِيّ؛ إلا أنه لم يكن يَقرضه، فهٰذه القصيدةُ ليست مِن نظمِه، وإنما هي لأحدِ تلاميذه مِن الشُّعراء، وقد حصل اللبسُ –واللهُ أعلم- مِن أنها فُرِّغَتْ في سياقِ تفريغِ شريطِ (الزواجِ في الإسلام) الذي جُمعتْ فيه فتاوىٰ متفرِّقة للوالدِ، وجُعلت هٰذه القصيدة ضمنه -وسط الشريط تقريبًا-، فظُنَّ أنها له، بينما هي لِتلميذِه الشاعر، وقد كان أبي -رَحِمَهُ اللهُ- يَأذن له بإلقاءِ شيءٍ مِن شِعْرِه في بعضِ دروسه، ومَن يستمع لأشرطةِ شرح "الترغيب والترهيب" يُلاحِظ ذٰلك، فهي عدّةُ قصائد أُلقيتْ بحضورِ الوالد وفي دروسِه، رَحِمَهُ اللهُ وأَسْعَدَهُ.
وما جاء في أحدِ الأبيات في وصفِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
كان النبيُّ معلِّمًا في أهـــلِه * وهو الرسـولُ مُبشِّر ونذيرُ
خيرُ الأنامِ وخــيرُهم في أهلِه * في خِدمةٍ لعياله مَشــهورُ
يَرعىٰ صغيرَهم ويحفظ عَهْدهم * خُلُقٌ بفُرقانِ الهدىٰ مَسطورُ
يَحمي النسـاءَ يصونُهُنَّ عَفافُه * وهو الأنيسُ المؤنِسُ السِّتِّيرُ
فهو -واللهُ أعلم- مِن بابِ ما جاء في "صحيح البخاري" (3404) وَصْفًا لموسىٰ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ مُوسَىٰ كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَىٰ مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ؛ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ» الحديث.
فـ (السِّتِّير) وإنْ كان مِن أسماء الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لِلحديث الذي رواه الإمام أبو داود وصححه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "الإرواء" (2335):
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ»؛ ولٰكن:
(1) ليس هو مِن قِسمِ ما يختصُّ به جَلَّ جَلالُهُ مِن الأسماء كـ(الرّحمٰن) و(الخلاق)؛ قال الإمام ابن باز رَحِمَهُ اللهُ:
"أسماء الرَّبِّ قسمان:
قسم يجوز التسمِّي به.
وقسم لا يجوز.
لا يقال: فلان خَلاق، ولا: رَزَّاق، ولا: ربُّ العالمين.
لٰكن مِثْل: عزيز، بصير؛ لا بأس؛ لأنّ الله سُبْحانَهُ سَمَّىٰ بعضَ مخلوقاته كذٰلك، فقال سُبْحانَهُ: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (الإنسان: 2)، وفي قصة يوسف عن {امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} (يوسف: 30 و 51)، فمِثل هٰذه الأشياء تُطلق على المخلوق، (عزيزُ قومِه)، كذا (البصير) المنظور، أو (بصير) بمعنىٰ مبصِر، كذٰلك (حكيم) بمعنى الحكمة، لا بأس بهٰذه الأسماء؛ لأن هٰذه مشتركة:
لِلمخلوق نصيبُه منها.
واللهُ له الأكْمَلُ منها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.
لٰكنّ الأسماءَ المختصَّةَ باللهِ لا تُطْلَقُ علىٰ غيرِه، لا يُقال: (الله) لابنِ آدم، ولا (الرحمٰن)، ولا (الخلاق) ولا (الرزّاق)، ولا (خالق الخَلق)، ولا أشباهُه مما يختصُّ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ" اﻫ مِن "فتاوى نور على الدرب" (1/ 177 - الشاملة).
(2) سياق الكلام يُظهِر إضافةَ وتخصيصَ الوصفِ بالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكون مما يَلِيق بالمخلوق ولا يَشمل ما يختصُّ بالخالق عَزَّ وَجَلَّ، والقاعدة:
"أنّ الاشتراكَ في الأسماء والصِّفاتِ لا يَسْتلزم تماثُلَ المسَمَّيَاتِ والموصُوفات" كما في "تقريب التدمُريّة" للعلامة العثيمين (ص20، ط1، 1419 ﻫ، دار ابن الجوزي)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في "الأصل":
"فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ حَيًّا؛ فَقَالَ: {اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: 255).
وَسَمَّىٰ بَعْضَ عِبَادِهِ حَيًّا؛ فَقَالَ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} (الروم: 19). وَلَيْسَ هٰذَا الْحَيُّ مِثْلَ هٰذَا الْحَيِّ.
لأَنَّ قَوْلَهُ: {الْحَيُّ} اسْمٌ لِلَّهِ مُخْتَصٌّ بِهِ.
وَقَوْلَهُ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} اسْمٌ لِلْحَيِّ الْمَخْلُوقِ مُخْتَصٌّ بِهِ.
وَإِنَّمَا يَتَّفِقَانِ إذَا أُطْلِقَا وَجُرِّدَا عَنْ التَّخْصِيصِ؛ وَلٰكِنْ لَيْسَ لِلْمُطْلَقِ مُسَمًّى مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ، وَلٰكِنَّ الْعَقْلَ يَفْهَمُ مِنَ الْمُطْلَقِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسَمَّيَيْنِ، وَعِنْدَ الاخْتِصَاصِ يُقَيِّدُ ذٰلِكَ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْخَالِقُ عَنْ الْمَخْلُوقِ، وَالْمَخْلُوقُ عَنِ الْخَالِقِ.
وَلا بُدَّ مِنْ هٰذَا فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، يُفْهَمُ مِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الاسْمُ بِالْمُوَاطَأَةِ وَالاتِّفَاقِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِالإِضَافَةِ وَالاخْتِصَاصِ، الْمَانِعَةِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْخَالِقِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.
وَكَذٰلِكَ سَمَّى اللَّهُ نَفْسَهُ عَلِيمًا حَلِيمًا.
وَسَمَّىٰ بَعْضَ عِبَادِهِ عَلِيمًا؛ فَقَالَ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} (الذّاريات: 28)، يَعْنِي إسْحَاقَ.
وَسَمَّىٰ آخَرَ حَلِيمًا؛ فَقَالَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (الصّافّات: 101)، يَعْنِي إسْمَاعِيلَ.
وَلَيْسَ الْعَلِيمُ كَالْعَلِيمِ، وَلا الْحَلِيمُ كَالْحَلِيمِ...." ويستمرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في ذِكرِ الأمثلةِ العديدةِ لِهٰذا ولِتسميةِ الصّفات، تُنظَر في "مجموع الفتاوىٰ" (3/ 9 – 16).
(3) لم يُطلَق هٰذا تسميةً للرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو ضمن تعداد وُصوفاتٍ له، فلا يُشْكل -حينئذ- مجيءُ كلمةِ (السِّتِّير) مُعرَّفةً بـ (الـ)، فقد جاء في كتاب اللهِ تَعَالَىٰ تَسميتُه جَلَّ جَلالُهُ بالقَوِيّ:
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (هود: 66)، وجاء وصْفًا لموسىٰ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن قولِ ابنةِ صاحبِ مَدْين:
{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26)، وعلى القاعدة المذكورة أعلاه: فليس القويُّ كالقويِّ، وليست القوَّة كالقوَّة، فكذٰلك هنا:
ليس السِّتِّيرُ كالسِّتِّيرِ، وليس السَّتْرُ كالسَّتْرِ. والله تَعَالَىٰ أعلَم.
والحمدُ لله، وصلى اللهُ وسلَّمَ وبارَك علىٰ نبيِّنا محمَّد
ليلة 14 صفر 1434ﻫ

ما هِيَ الكَلِمَةُ السَّوَاءُ المذْكُورَةُ في (آل عِمران: 64)؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

52- ما هِيَ الكَلِمَةُ السَّوَاءُ المذْكُورَةُ في:
(آل عِمْرانَ: 64)؟
وما مَعْناها؟

البيان

مما استدلَّ به الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب -رَحِمَهُ اللهُ- علىٰ تفسيرِ الشَّهادَةِ: قولُه تَعَالَىٰ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ* أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللّهَ** وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا*** وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ**** فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ*****} (آل عمران: 64).
فقال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* أي: ودَليلُ الشَّهَادَةِ أيضًا قولُهُ تَعَالَىٰ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} أَمَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَقُولَ لأهْلِ الكِتابِ؛ اليهودِ والنَّصارىٰ:
{تَعَالَواْ} أي: هَلُمُّوا.
{إِلَىٰ كَلَمَةٍ} واحِدةٍ لا غير، والكَلِمَةُ تُطْلَقُ على الجُمْلَةِ الْمُفِيدةِ، كما هُنا.
{سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} أي: عَدْلٍ وَنَصَفٍ، لا يَخْتَلِفُ فيها رَسُولٌ ولا كِتابٌ، نَسْتَوِي نحن وأنتُم في فَرْضِيَّتِهَا ووُجُوبِها عَلَينا وَعَلَيكُم.
ومِنَ المعلومِ أنَّ الكَلِمَةَ هي التي يَدْعُو إلَيها جَميعَ النَّاسِ؛ فإِنَّه ليس في الوُجُودِ سِوىٰ كَلِمَةِ التَّوحِيدِ عِنْدَ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ؛ فإنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقُرَيْشٍ:
«قُولُوا: لا إِلٰهَ إِلا اللَّهُ؛ تُفْلِحُوا»[1].
وهي الكَلِمَةُ التي تَدْعُو إلَيْهَا الرُّسُلُ جَمِيعَ الْخَلْقِ، قَال تَعَالَىٰ:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25).
فَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ هُنا غَيْرَهَا، وَقَدْ فَسَّرَهَا تَعَالَىٰ بِذٰلِكَ.
** أي: لا نُوَحِّدُ نَحْنُ وَأنتُم بِالعِبادَةِ إلا اللهَ، فَوَضَحَ مَعْنَى الكَلِمَةِ؛ فَإِنَّ في قولِه: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ} مَعْنَىٰ (لا إلٰه إلا الله)، فَتَبَيَّنَ أنْ لا مَعْبُودَ حَقٌّ إلا اللهُ وَحْدَه.
*** لا صَلِيْبًا، وَلا صَنَمًا، ولا طَاغُوتًا، وَلا نَارًا، وَلا شَيْئًا غَيْرَ اللهِ، بَلْ نُفْرِدُهُ -تَعَالَىٰ- بِالعِبادَةِ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَهٰذِهِ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ.
**** لا يُطِيْعَ بَعْضُنا بَعْضًا في مَعْصِيَةِ اللهِ، كَمَا فَعَلَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ.
***** أي: فإِنِ امْتَنَعُوا وأَدْبَرُوا وأَعْرَضُوا عَنِ الإجابَةِ إِلىٰ إفْرَادِ اللهِ بِالعِبادَةِ؛ فَقُولُوا -أنتُم يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ!- لَهُم: {اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} مُخْلِصُونَ للهِ بِالتَّوْحِيدِ دُونَهُمْ، أََيْ: صَرِّحُوا لَهُمْ شِفَاهَةً بِأَنَّكُمْ مُسْلِمُونَ وَأَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَأَنَّكُمْ بَرَاءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ بَرَاءٌ مِنْكُمْ، وَهٰذَا دَالٌّ عَلَىٰ أَنَّه لابُدَّ أنْ تُبَيِّنَ لِلْكُفَّارِ حَتَّىٰ يَتَفَهَّمُوا وَيَتَحَقَّقُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَىٰ دِيْنٍ، وَأَنَّ دِيْنَكَ خِلاَفُ دِيْنِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيهِ، وَأَنَّ دِيْنَهُمْ خِلاَفُ دِيْنِكَ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص73 - 75.


[1] -  رواه الإمام أحمد وغيرُه وصحَّحه الوالدُ رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "التعليقات الحِسان" (6528).