نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)
81- ما وَجْهُ
كَونِ معرفةِ نبيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلًا مِن أُصُولِ الدِّينِ؟
|
البيان
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ:
(الأَصْلُ الثَّالِثُ*:
مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ**)
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم
رَحِمَهُ اللهُ:
"* أي:
مِنْ أُصُولِ الدِّينِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا.
** فَمَعْرِفَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هِي
أَحَدُ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ، فَكَمَا أَنَّ الأَصْلَ الأوَّلَ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ
اللهِ؛ عَظِيمٌ وَوَاجِبٌ مَعْرِفَتُهُ، وَكَذٰلِكَ الأَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَعْرِفَةُ
دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي خَلَقَنَا اللهُ لَهُ وَتَعَبَّدَنَا بِالْقِيَامِ بِهِ؛
أَصْلٌ عَظِيمٌ وَوَاجِبٌ مَعْرِفَتُهُ؛ فَكَذٰلِكَ هٰذَا الأَصْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ؛ أَصْلٌّ عَظِيمٌ يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ؛
فَإِنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ
تَعَالَىٰ[1]، وَلَا وَصُولَ لَنَا وَلَا اطِّلاعَ لَنَا
وَلَا طَرِيقَ لَنَا وَلَا نَعْرِفُ مَا يُنْجِينَا مِنْ غَضَبِ اللهِ وَعِقَابِهِ،
وَيُقَرِّبُنَا مِنْ رَضَى اللهِ وَثَوَابِهِ- إلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٌّ
صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ.
وَإذا كَانَ كَذٰلِكَ؛ عَرَفْنَا وَجْهَ كَوْنِ مَعْرِفَتِهِ
أَحَدَ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ الَّتِي يَجِبُ مَعْرِفَتُهَا؛ فَإِنَّا لَا نَعْرِفُ
الأَصْلَ الأَوَّلَ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالِهُ، وَلَا الأَصْلَ
الثَّانِي الَّذِي هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ إلَّا بِالْوَاسِطَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
اللهِ، فَتَحَتَّمَتْ مَعْرِفَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَصَارَتْ أَصْلًا
ثَالِثًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرْسِلِ إلَّا بِمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ،
فَصَارَ مِنَ الضَّرُوْرِيَّاتِ مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيه
وَسَلَّمَ، وَبِذٰلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ أَحَدُ
الأُصُولِ الثَّلاثَةِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص ص 101 و102.
فائدة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ بعد
إيجازه حالَ عِبادِ اللهِ الطَّيِّبين وجَزاءهم:
"وَمِنْ هَاهُنَا تَعْلَمُ اضْطِرَارَ الْعِبَادِ
فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ إلَىٰ مَعْرِفَةِ الرّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِ
فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ؛ فَإِنّهُ:
لَا سَبِيلَ إلَى السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ لَا
فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا عَلَىٰ أَيْدِي الرّسُلِ.
وَلَا سَبِيلَ إلَىٰ مَعْرِفَةِ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ عَلَى
التّفْصِيلِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ.
وَلَا يُنَالُ رِضَى اللهِ الْبَتّةَ إلَّا عَلَىٰ أَيْدِيهِمْ.
فَالطّيّبُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ
لَيْسَ إلَّا هَدْيَهُمْ وَمَا جَاؤوا بِهِ، فَهُمُ الْمِيزَانُ الرّاجِحُ الّذِي عَلَىٰ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ
تُوزَنُ الْأَقْوَالُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ.
وبمتابعتهم يَتَمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَىٰ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ.
فَالضّرُورَةُ إلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ ضَرُورَةِ:
الْبَدَنِ إلَىٰ رُوحِهِ.
وَالْعَيْنِ إلَىٰ نُورِهَا.
وَالرّوحِ إلَىٰ حَيَاتِهَا.
فَأَيُّ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ فُرِضَتْ؛ فَضَرُورَةُ
الْعَبْدِ وَحَاجَتُهُ إِلَى الرُّسُلِ فَوْقَهَا بِكَثِيرٍ.
وَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ إِذَا غَابَ عَنْك هَدْيُهُ
وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ فَسَدَ قَلْبُك، وَصَارَ كَالْحُوتِ إذَا فَارَقَ
الْمَاءَ وَوُضِعَ فِي الْمِقْلَاةِ؟! فَحَالُ الْعَبْدِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ قَلْبِهِ
لِمَا جَاءَ بِهِ الرّسُلُ كَهٰذِهِ الْحَالِ، بَلْ أَعْظَمُ، وَلٰكِنْ لَا يُحِسُّ بِهٰذَا إلّا قَلْبٌ حَيٌّ، و:
مَا لِجُرْحِ بِمَيّتِ إيلَامُ
وَإِذَا كَانَتْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدّارَيْنِ
مُعَلَّقَةً بِهَدْيِ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَيَجِبُ عَلَىٰ كُلِّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبَّ
نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا
يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْجَاهِلِينَ بِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيْعَتِهِ
وَحِزْبِهِ.
وَالنّاسُ فِي هٰذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ، وَمُسْتَكْثِرٍ،
وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ" اﻫ مِن "زاد المعاد" (1/ 68 و69، ط 3، 1418ﻫ، مؤسسة الرسالة).
الأربعاء 21 شوّال 1434ﻫ
[1] - فِي تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ، كما سبق بيانه في أول الحاشية؛ يُنظر
السؤال الثالث هنا: تقييد عبارة: النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الواسطةُ بيننا وبين الله.