الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ علىٰ خاتم الأنبياء والمرسلين،
وعلىٰ آله وصحبه ومَن تَبعهم بإحسانٍ إلىٰ يوم الدِّين.
أمّا بعد
فهاته فتوىٰ لأبي -رَحِمَهُ اللهُ- في تفصيلِ حُكمِ الذهاب للتعزية، وقد تضمَّنتْ
بيان مسألةِ التزاوُرِ في العيد بقصْدِ المعايدة[1]، وكان
السؤال موجَّهًا له مِن بعض الأخوات:
ما حُكمُ التعزية؟ وهل يُذهَب إلىٰ أهل الميت مِن أجل تعزيتهم؟
علمًا بأنَّ كثيرًا من النساء يَذهبن للتعزية ويجلسن ولا يترتب مِن ذهابهن فائدةٌ
تُذكَر، فهل التعزية جائزة أم غير جائزة؟ وهل الاتصال بأهل الميت بالهاتف يُعَدُّ
مِن التعزية؟ مع الأدلة، وكذا التعزيةُ بالنسبة للأقارب، علمًا بأننا إذا لم نذهب؛
لا يترتب علىٰ ذٰلك قطيعة، وما تقول في ذهابِ البعض منّا في وقت التعزية مِن أجْل
إنكار البدع أو تصبير أهل الميت إذا كانت المصيبةُ عظيمة؟
فقال رفع اللهُ درجاته في عليين:
"هٰذا هو المخرَج؛ إذا ذَهب ذاهبٌ إلىٰ مكانِ التعزية مِن أجْلِ التعزية
أولًا، ثم مِن أجْلِ التنبيه علىٰ ما يفعلونه مِن المخالَفات الشرعية؛ فهٰذا يجوز،
وإلَّا تكتفي المرأةُ بالتعزيةِ مِن وراء الهاتف.
وبهٰذه المناسبة أَذْكُر نكتةً أفعلُها في كثيرٍ مِن الأحيان وفيها
التنبيهُ لِمسألةٍ ربما ما سمعتُم بها، فإنْ رأيتم الصواب؛ فعليكم بإحيائها، وإلَّا؛
فدُلُّونا عليه؛ على الصواب:
معلومٌ اليومَ بين الناس أنه إذا حَضَر عيدُ الفطر أو عيدُ الأضحىٰ يَذهب
بعضُهم لزيارة بعضٍ لِلمُعايدة، تقولون هٰكذا في هٰذه البلاد؟
- نعم نعم.
أبي: أنا أعتقد أنّ هٰذه المعايدة بدعة.
- عجيب!
أبي: إي والله!
- أول مرة نَعرف.
أبي: أول مرة تَسمع.. أول مرة تَسمع ما سمعتَ الآن.
- نعم..
أقول أنَّ هٰذه المعايدة هي بدعة في الإسلام لم تكن في قديمِ الزمان،
والمعايَدة إنما تكون في المصلَّىٰ، ومِن هنا تَظهر حكمةُ تجميعِ المسلمين في مكانٍ
واحد يومَ العيد؛ لأنه يُسلِّم بعضُهم علىٰ بعض، ويتعرَّف بعضُهم لِبعض.
الشاهد أنَّ المسلمين اليوم -كما تعلمون- ما يَعرفون هٰذه القضية،
ولو عرفوا؛ يصعب عليهم تطبيقُها، الشاهد: أنني أَذهب أحيانًا لِأُعايد علىٰ بعضِ
الإخوان لٰكنْ أنا أقول له: أنا ترىٰ جئتُك زائرًا وما جئتُك مُعايدًا؛ لأن هٰذه
المعايدة بدعة، فأنا جئتُ أولًا أغتنم فرصةَ وجودِك في البيت، فأنا أَزورك مِن جهة،
وأبلِّغكَ الحُكمَ الشرعيَّ مِن جهة أخرىٰ.
فإذا
النساء فَعلن هٰكذا في التعزية أو في غيرِ التعزية؛ فيكون جمعوا بين القيام
بالتعزية وهي سُنَّة ولا شك، وبين التنبيهِ علىٰ ما قد يقع مِن بعض المنكرات، وأنا هٰكذا أفعل أيضًا أحيانًا حينما يَغلب علىٰ
ظنِّي أنني إذا حضرتُ مكانَ التعزية يُسمَع لقولي، فأحضر، وأجدُهم -مع الأسف- مشغِّلين
المسجل على القرآن، والذي يدخِّن! والذي يتكلم مع الثاني! وكأنّ هٰذا التسجيل
للجُدُر وليس للبشر! فأنأ أنصحهم وأذكِّرهم أن اجتماعكم
هٰذا هو خِلاف السُّنَّة، فكيف وقد اقترن بالاجتماع مخالَفات مكشوفة؟!
فالشاهد أنَّ الذَّهاب إلى التعزية مع الإنكار هٰذا يكون فيه مصلحتان.
- عن المعايدة يا شيخ! الآن اتسعت البلاد، وفي المصلَّىٰ لا تجد كلَّ
الذين تريد أن تسلِّم عليهم، فتضطر أن تنتقل..
أبي: لماذا لا تجد؛ لأنهم محافِظون على السُّنَّة؟!
- يصلُّون في مصلًّى آخر يا شيخ!
أبي: ما أجبتَني؛ لأنهم محافِظون على السُّنَّة؟! المصلَّىٰ يجب أن يتسع
لِلبلد كلِّه، وإلا ما الفائدة أننا تفرَّقنا في المساجد أو تفرَّقنا في المصلَّيات؟!
- الواقع أنه لا يتَّسع، هٰذا الواقع.
أبي: لا بأس.. كم عدد [أهل] البلد الذين لا يتَّسع المصلَّىٰ لهم مع أرضِ
اللهِ الواسعة؟!
- ... قضية جمع الناس في مصلًّى واحد.
- .. ما الحلّ؟
أبي: الواجب أن مَن كان بيده العَقد والحلّ والرَّبط ينبَّهون بالتي هي
أحسن إلىٰ حُكم الشرع، فيختارون أرضًا واسعة تتَّسع لكلِّ أهلِ البلدة، صحيح لو كان
مِثل مصر والقاهرة أو مثل [..] التي يقولون ربما يقطع مسافة 100 كم مِن شرقِها إلىٰ
غربها أو مِن شمالها إلىٰ جنوبها أو أكثر مِن ذٰلك، ممكن هٰذا، لٰكن هٰذا متىٰ
يقال "لا يمكن"؟ بَعد إعمالِ الفِكر وإفراغ الجهد، أما نتَّكل علىٰ ما
نحن عليه؛ هٰذا ليس عذرًا" اﻫ كلامُ أبي جزاه الله خيرًا.
"فتاوى المرأة المسلمة" (الشريط 5، الدقيقة 12).
الخميس 20 ذي القعدة 1434ﻫ
[1] - فهي فتوىٰ ثالثة للوالد -رَحِمَهُ اللهُ- في مسألة تقصُّد الزيارة في العيد لِلمعايدة، تُضمّ إلىٰ أختَيها المدوَّنتَين هـــــــــــــنا علىٰ هٰــــــــــــــــــــذا الرابـــــــــــــــــــــــــــط، وهناك أخرىٰ رابعة،
أنشرها قريبًا إن شاء الله.