الصفحات

موجزٌ في عقيدة الإيمان بالبعث -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

100- تكلّمي بإيجاز عن عقيدة الإيمان بالبعث، مع الاستدلال والشرح.

البيان
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسانٍ إِلىٰ يومِ الدِّينِ. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَالنَّاسُ إِذَا مَاتُواْ يُبْعَثُونَ(1)؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ(2) (طه: 55). وقَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَاللّٰهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا(3) (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا(4) (18) (نوح).
وَبَعْدَ الْبَعْثِ مُحَاسَبُونَ(5) وَمَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ(6)، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
﴿وَلِلّٰهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى(7)(31)﴾ (النجم).
وَمَنْ كَذَّبَ بِالْبَعْثِ؛ كَفَرَ(8)، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا(9) قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ(10) ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ(11) وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(12)(7)﴾ (التغابُن) ).
_____________
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) لِيُجَازَىٰ كُلٌّ بِعَمَلِهِ، وَيُقْتَصَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى الْبَهائِمَ.
(2) أَي: مِنَ الْأَرْضِ مَبْدَؤُكُمْ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنْ تُرَابٍ مِنْ أَدِيْمِ الْأَرْضِ، وَفِي الْأَرْضِ نُعِيْدُكُمُ، أَي: إِذَا مُتُّمْ تَصِيْرُونَ إِلَيْهَا فَتُدْفَنُونَ بِهَا، وَمِنَ الْأَرْضِ نُخْرِجُكُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، ﴿تَارَةً أَي: مَرَّةً أُخْرَىٰ، كَقَوْلِهِ: ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) (الأعراف)، وَفِي الْحَديثِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ قَبْضَةَ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ فَأَلْقَاهَا فِي الْقَبْرِ فَقَالَ: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (طه: 55)[1].
(3) أَرَادَ تَعَالَىٰ: مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمَ مِنَ الْأَرْضِ، وَالنَّاسُ وَلَدُهُ، و﴿نَبَاتًا اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، أَي: إِنْبَات.
(4) أَي: ﴿نُعِيدُكُمْ فِي الْأَرْضِ إِذَا مُتُّمْ ﴿نُخْرِجُكُمْ مِنْهَا بَعْدَ الْبَعْثِ أَحْيَاءً، ﴿إِخْرَاجًا يُعِيدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةِ.
(5) أَي: عَلَى الْأَعْمَالِ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا. وَالْإِيْمَانُ بِالْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ عَلَى الْأَعْمَالِ مِنَ الْإِيْمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْضًا.
(6) دَقِيْقِهَا وَجَلِيْلِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا.
(7) يُخْبِرُ تَعَالَىٰ أَنَّهُ مَالِكُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ، الْحاكِمُ بِالْعِدْلِ، خَالِقُ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا مِنَ الشِّرْكِ فَمَا دُوْنَهُ، ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَحَّدُوا رَبَّهُمْ وَأَخْلَصُوا لَهُ الطَّاعَةَ ﴿بِالْحُسْنَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ: ﴿لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (طه: مِن الآية 15)، وَالْآيَاتُ فِي هَٰذَا الْمَعْنَىٰ كَثِيرَةٌ، يُقَرِّرُ فِيهَا تَعَالَىٰ أَنَّهُ يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
(8) لِتَكْذِيْبِهِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَإِجْمَاعَ الْمُسْلِمِيْنَ.
(9) كَفَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَىٰ بِإِنْكَارِهِمِ لِلْبَعْثِ فِي زَعْمِهِمْ أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا، فَدَلَّ عَلَىٰ أَنَّ إِنْكَارَ الْبَعْثِ كُفْرٌ، بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ كُفْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
(10) أَي: ﴿قُلْ يا مُحَمَّدُ! ﴿بَلَىٰ وَرَبِّي، جَوَابُ تَحْقِيقٍ وَقَسَمٌ بِاللهِ الْعَظِيمِ ﴿لَتُبْعَثُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهَٰذِهِ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ أَنْ يُقْسِمَ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَىٰ وُقُوعِ الْمَعَادِ وَوُجُودِهِ.
وَفِي (يُونُسَ): ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّه لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)﴾ (يونس).
وَفِي (سَبأ): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ (سبأ: مِن الآية 3).
(11) أَي: لَتُخْبَرُنَّ بِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ، جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا, صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (الأنبياء: 47).
(12) سَهْلٌ هَيِّنٌ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثَمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ (الرُّوم: مِن الآية 27)، فَإِنْ كَانَ هَٰذَا النَّوْعُ الْإِنْسَانِيُّ فِي الْعَدَمِ لَمْ يُوجَدْ قَبْلُ، ثَمَّ أَوْجَدَهُ اللهُ تَعَالَىٰ مِنْ طِينِ، وَذَرَارِيهِ مِنْ مَاءٍ مَهِينِ، ثَمَّ جَعَلَ هَٰذَا التَّنَاسُلَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يُعِيدَهُمْ وَهُوَ الَّذِي أَبْدَعَهُمْ، وَفِي الْحَديثِ:
«كَذِّبِنَّي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَٰلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ الْخَلْقُ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ آخِرِهِ»[2]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 124 - 127.

الإثنين 7 المحرم 1435


[1] - ورد ذٰلك في حديثٍ لا يصحّ؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: لَمَّا وُضِعَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ الحديث رواه الحاكم وغيره، وقال فيه الحافظ الذهبيّ: "خبرٌ واهٍ"؛ "المستدرك" (3491)، وقال أبي: "ضعيف جدًا؛ بل موضوع في نقْدِ ابنِ حبان..."؛ "أحكام الجنائز" (ص194، ط1 للطبعة الجديدة، 1412ﻫ، مكتبة المعارف).
[2] - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَٰلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَٰلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: (لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي)، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَد» "صحيح البخاري" (4974).