بسمِ
الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ لله مُنزلِ
الكتابِ حروفِه وآياتِه، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ علىٰ خيرِ مَن تَلاه حقَّ تلاوتِه،
وعلىٰ آلِه وصَحْبِه وكلِّ مَن تلا تِلْوَهُ وتَحَلَّىٰ بِحِلْيتِه.
أمَّا بعد
فهٰهنا تسجيلٌ
لِصَوتِ أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في تلاوتِه سورتَي: (إبراهيم، ويسۤ)، وهو مما يُنشر
لأولِ مرة، أسأل اللهَ أن ينفع به؛ فإنَّ فيه سَنَّ العديدِ مِن السُّنَنِ الصَّحيحةِ
المتعلِّقة بتلاوة القرآن الكريم، سأُوجزها بَعْدُ، وهي مذكورةٌ تعدادًا مع غيرِها
في كتاب "الدليل إلىٰ كيفية تعليم القرآن الكريم" (3/ 521 و522 - الطبعة
الجديدة)، وتفاصيلها وأدلَّتها مبثوثة في مواضع عديدة من الكتاب، سأشير إلىٰ بعضها
في الحاشية.
هٰذا؛ وقد
نُشر للوالد -رَحِمَهُ اللهُ- كثيرٌ من التلاوات لعدةِ سُوَرٍ، سأضمّ منها إلىٰ تلك
السُّورتَين سورةَ: (يوسف)؛ لأني سأشملها فيما أُنبِّهُ إليه مما نستفيده لِحُسنِ
تلاوةِ كتابِ ربِّنا العظيمِ جَلَّ وعَزَّ.
سورة يوسُف:
سورة إبراهيم:
سورة إبراهيم:
سورة يسۤ:
نتعلَّم
مِن تلاوته رَحِمَهُ اللهُ:
1) الاستعاذة
بالصِّيغةِ الأكمل:
أعوذُ باللهِ
السميعِ العليمِ مِن الشيطانِ الرجيم مِن هَمْزِهِ ونَفْثِهِ ونَفْخِهِ([1]).
2) التغنِّي
بالقرآن([2])،
وذٰلك بِالاعتدال المؤدِّي لِلْخشوع والتدبُّر والنابِع منهما! لا بالتكلُّفِ
والتقعُّر، ولا بالمقامات والألحان!([3]).
3) مراعاة
أحكامِ التجويدِ([4])،
بما يُوهِي سِقاءَ تَبديعِ عِلْمِ التجويد! ويُهَرِيقُ ماءَ ادِّعاءِ كونِه لا يُوائم التدبُّرَ
والخشوعَ! فالوالد -رَحِمَهُ اللهُ- حين أن بَلَغَ الآيةَ:
﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ
كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا
مِّنَ اللهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ
يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)﴾ (يوسف)؛
استعبر، فبكىٰ بدموعٍ، رَحِمَهُ الله -أخبرتْني بذٰلك شقيقتي سَلَامةُ -حَفِظها
الله-؛ فهي التي سَجَّلَتْ له تلاوةَ هٰذه السُّور، في غضون عام 1400 ﻫ، جزاها اللهُ خيرًا-، واستمرَّ يَنتابُه
البكاءُ ثلاثَ صفحات، وكذٰلك لَمَّا بَلَغ الآية (12) مِن سورة (إبراهيم)؛ فلم يَحُلِ
البكاءُ بينه وبين التجويد، ولا العكس! تقبّل اللهُ منه.
حُسْن ابتدائه بعد الوقف لَمَّا قرأ: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ
الْجَاهِلِينَ (33)﴾ (يوسف)؛ وَقَفَ مُضطرًّا علىٰ: ﴿وَأَكُن﴾، فلمَّا استأنف لم يَبدأ منها، بل
أعاد مِن: ﴿وَإِلَّا﴾.
لَمّا رنّ الهاتفُ خلال تلاوته الآية (34) من سورة (يسۤ)، (الدقيقة 8:3)؛
أتمَّ الآية، ثم قطَع التلاوة، ثم لَمَّا أراد الاستئناف: استعاذ، وأعاد آيةً قرأها
قبل القطع. فنتَعَلَّم أنَّ مَن قَطَعَ التلاوةَ لِأمر ما؛ فإنه يُحسِن الابتداءَ
ولا يبدأ بما له تعلُّقٌ واضح بما قَبْلَه، وأنه يُعيد الاستعاذةَ بعد القطع.
لَمّا قرأ
قوله تَعَالَىٰ: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ
الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾ (إبراهيم)؛
دعا:
"اللّٰهمَّ!
ثَبِّتْني بالقولِ الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا تُضِلَّني؛ فإنك تفعل
ما تشاء" اﻫ (الدقيقة 13:18).
6)
الدعاء إذا مَرَّ بآيةٍ تُرهِّب مِن عذابٍ، مثاله:
لَمّا قرأ قولَه تعالىٰ:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ
قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ
(29)﴾
(إبراهيم)، دعا:
"اللّٰهمَّ!
إني أعوذ بك من عذاب جهنم" اﻫ. (الدقيقة 14 تقريبًا).
ثم في الآية التالية:
﴿وَجَعَلُواْ لِلهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ
فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)﴾ (إبراهيم)،
دعا:
" اللّٰهمَّ!
إني أعوذ بك مِن عذاب النار" اﻫ. (الدقيقة 14:18).
7)
الدعاء بما يَرِدُ مِن نصٍّ دعاءٍ في سياق الآية، وأمثلة ذٰلك:
دعا بعد قراءتِه دعاءَ إبراهيم عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ ءامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن
نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)﴾ (إبراهيم) فقال:
"رَبِّ!
اجْنُبْنِي وبَنِيَّ أن نعبُدَ الأصنامَ" اﻫ (الدقيقة 16:25).
كذٰلك دعا بدعاء إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
بحروفِه: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا
وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)﴾ (إبراهيم). (الدقيقة 18:36).
رَحِمَهُ
اللهُ، وتقبَّل منه تلاواته وعِلمَه وعَملَه، ورفَع درجاتِه، اللّٰهمَّ! آمين.
___تنبيه _________________
ليس القصدُ
نَشْرَ هٰذا الدعاءِ بِلفظه عَينِه! كيف ومَن دعا به قد علَّمني أنه لا يُلتزَم
إلا ما وَردَ -صحيحًا- عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ،
أمَّا دعاء غيره؛ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فمَن دونهم؛ فلا يُلتزَم علىٰ
طولِ الخطِّ وكأنه سُنّةٌ مَسْنونة! فإنما القصدُ الاستئناسُ به والدَّندنةُ حوله.
فمثلًا: دعاؤه
السابق: "اللّٰهمَّ! ثبتني بقولك الثابت..."
لا يُلتزم
بحذافيره! بل يمكن للتالي أن يدعوَ:
"ربِّ!
اجعلني ممَّن تُثبِّتُهم بالقولِ الثابت...".
___وبعد!_________________
فإنّ بيت
القصيد مِن بَثِّي تلاواتِ أبي، وتنبيهي إلىٰ ما نَبَّهتُ إليه؛ هو إحياء هاته السُّنَن
التي لا نكاد نَسمع عاملًا بها! خلا التجويدِ بإتقانِ المخارجِ والصفاتِ؛ فهٰذا له
أهلُه المتخصِّصون، الذين يحرصون عليه أشدَّ الحرص، وهو حرصٌ محمود، ولست بصدد
إثبات ذٰلك، وإن كنت ألمحت له أعلاه، ولٰكنْ ما بالُ أقوامٍ حِراصِ علىٰ بعضٍ دون
بعض؟! فحبَّذا الجمْعُ والدُّخولُ في السِّلم كافّة!
فالخلاصة أنْ
هٰذا:
"دُعَاءٌ
إِلَى القُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي * تَنَاسَىٰ رِجَالٌ ذِكْرَهَا فِي
المحَاضِرِ!"([8])
غُرَّة
رمضان 1435 ﻫ