الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم
رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومن والاه
أمَّا بعد
قال أبي -رَحِمَهُ اللهُ- تحت عنوان:
(تعليلٌ لوجوب
التمييز بين الصحيح والضعيف
وأنَّ مَن لا يَفعل
ذٰلك لا يكون عالِمًا)
وإنما كان التمييز
المذكور بين الأحاديث واجبًا؛ لأن العلم الذي هو حُجَّةُ الله علىٰ عباده إنما هو الكتاب
والسُّنَّةُ، ليس شيء آخر، اللّٰهمَّ إلا ما استنبطه العلماءُ المعروفون منها، والسُّنَّةُ
قد دخل فيها ما لم يكن منها لِحكمة أرادها اللهُ تعالىٰ، فالاعتمادُ عليها مطلقًا ونشرُها
دون تمييز أو تحقيق؛ يؤدّي حتمًا إلىٰ تشريع ما لم يأذن به الله، وحريٌّ بمن فعل ذٰلك
أن يقع في محظور الكذب على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كما في حديثِ
سَمُرةَ والمغِيرةَ المتقدِّمِ[1]، ويؤكِّده ويوضِّحه
حديثُ أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَفَىٰ بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ».
ولذٰلك قال الإمام
مالك رَحِمَهُ اللهُ تعالىٰ:
(ليس يَسْلم رجلٌ حَدَّث بكُلِّ ما سَمِعَ، ولا يكون إمامًا أبدًا
وهو يًحدِّث بكلِّ ما سَمِعَ)،
وقال عبد الرحمٰن
بنُ مَهدي:
(لا يكون الرجل إمامًا يُقتدىٰ به حتىٰ يُمْسِك عن بعض ما سَمِعَ).
رواها مسلم في "المقدمة".
وقال الإمامان أحمد
بن حنبل وإسحاق بن راهويه:
(إن العالِم إذا لم يَعرفِ الصحيحَ والسقيمَ، والناسخَ والمنسوخَ
مِن الحديث؛ لا يُسمَّىٰ عالمًا). ذكره أبو عبد الله الحاكم في "معرفة
علوم الحديث" (ص60).
ومما سبق يتبين
تقصيرُ جماهير المؤلِّفين، فضلًا عن الخطباء والوعَّاظ والمدرِّسين في مجالِ رواية
الأحاديث عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنهم جميعًا يَروون منها ما
هبَّ ودبّ، دون ما تقوىٰ مِن الله أو تأدُّبٍ مع رسول اللهِ، الذي حَذَّرهم -رأفةً
بهم- عن مِثل صنيعهم هٰذا، خشيةَ أن يكون أحدُهم مِن الكاذبين فيتبوَّأ مَقعدَه في
النار. وفي ذٰلك برهانٌ واضح علىٰ أن الذين يَستحقُّون ذٰلك الاسمَ الرفيعَ (العالِم)
قليلون جدًّا علىٰ مرِّ العصور، وكلَّما تأخَّر الزمانُ قَلَّ عددُهم، حتىٰ صار الأمر
كما قيل:
وقد كانوا إذا عُدُّوا
قليلًا * فصاروا
اليومَ أقلَّ مِن القليل" اﻫ مِن "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 38 – 40، ط1،
1421ﻫ، مكتبة المعارف - الرياض).
الإثنين 14 شعبان 1436هـ.