الحمد لله، والصلاة
والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه
أمّا بعد
فهذا دعاءٌ عظيم الاستعطاف،
رقيق الاسترحام، ولئن كانت كلُّ أدعية القرآن الكريم والسنة الكريمة كذلك، فإنّ هذا الدعاء امتاز بتخصيص الداعي فيه -مع نَفْسِه- شِقَّ نَفْسِه: أخاه!
جاء في قصة النبيَين موسى وهارون
-عليهما الصلاة والسلام- في سورة الأعراف:
﴿وَلَمَّا
رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي
مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ
أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ
يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ (151)﴾.
﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ﴾ يَعْنِي هَارُون قَالَ لِمُوسَى: ﴿ابْن أُمَّ﴾، وَيُقْرَأ
بِكَسْر الْمِيم ونصبِها:
فَأَمَّا
بِكَسْر الْمِيم: مَعْنَاهُ يَا ابْن أُمِّي، قَالَ الشَّاعِر:
وأمَّا
بِنصب الْمِيم: فَوجْهُ النصْبِ فِيهِ أَنَّ قَولَه: ﴿ابْنَ أُمَّ﴾كلمتان، لكنهما
ككلمةٍ وَاحِدَة، مثل قَوْلهم: "حَضرمَوْت" و "بعلبك " ركب
أحد الاسمين فِي الآخر، فبقيَ على النصب؛ تبيينًا". "تفسير السمعاني" (2/ 217و218،
ط1، 1418ه2، دار الوطن).
"وإنما قال: ﴿ابْنَ أُمَّ﴾؛ لِتكون أرأفَ وأنجعَ
عنده، وإلا فهو شقيقُه لِأبيه وأُمِّهِ". "تفسير ابن كثير" (3/ 477، ط2،
1432ه، دار طيبة).
"﴿وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ﴾ أي: في وسطها، واجعل
رحمتك تحيط بنا مِن كلِّ جانب؛ فإنها حصنٌ حصينٌ مِن جميع الشُّرور، وثَمَّ
كلُّ خيرٍ وسُرور.
﴿وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أي: أرحمُ بنا مِن كلِّ راحِم، أرحمُ بِنا مِن آبائنا،
وأمَّهاتنا وأولادِنا، وأنفسنا". "تفسير السعدي" (ص 304، ط1، 1421ﻫ، مؤسسة الرسالة).
﴿رَبّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا
في رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾
سكينة الألبانية
الجمعة 23 جمادى الآخرة
1437ﻫ
[1] - مِن رثاء شاعرٍ لأخيه، وقد جاء نحوه في رثاء أبي زبيد الطائي لابن أخته،
كما في "ديوانه" (ص 48، ط المعارف - بغداد).