الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على نبيِّه إمامِ العلماءِ الراسخين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
قال العلَّامة السعديُّ رَحِمَهُ اللهُ:
"ومِن هذا: دعاءُ الراسخين في العلم بَعْدَ الثناءِ عليهم بالإيمان التام:
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ
إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
(8)﴾ [آل عمران].
فسألوا
ربَّهم وتوسَّلوا بربوبَّيتِه في حُصولِ:
。 أفضلِ
الوسائل؛ وهو استقامةُ القلوبِ على ما يحبُّه اللهُ ويرضاه، والثباتُ على ذلك، وعدمُ
زَيغِها عن هذه الهداية.
。 وأَجَلِّ
المقاصد؛ وهو حصولُ رحمةِ اللهِ تعالى التي يحصل معها خيرُ الدنيا والآخرة.
وخَتموا
دعاءهم بالتوسُّلِ إلى ربِّهم باسمِه الوهَّاب أي: كثيرِ العطايا، واسعِ الكرم، فمِن
كَرَمِكَ -يا وهابُ!- نسألك الاستقامةَ وعدمَ زيغِ القلوب، وأن تَهَبَ لنا مِن لدنك
رحمة؛ لأن الرحمةَ التي مِن لدُنْهُ لا يُقَدِّرُ قَدْرَها ولا يَعلم ما فيها من البركات
والخيرات إلا الذي وَهبهم إيَّاها.
ويُشبِه
أن يكون قولُهم: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)﴾ [آل عمران] توسُّلًا إلى ربِّهم بإيمانهم بهذا
اليوم، وتصديقِ ربِّهم في وَعْدِه ووَعيده؛ فإنَّ التوسُل إلى الله بالإيمانِ ومنّةِ
اللهِ به- مِن الوسائل المطلوبة؛ فيكون هذا مِن تمام دعائهم" اﻫ من "المواهب
الربانية" (ص123، ط 1428ﻫ، دار المعالي).
فائدة:
قال الحافظ البيهقي في
"معرفة السنن والآثار" (3186):
أَخْبَرَنَا
أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ
قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ:
أَيَقْرَأُ
أَحَدٌ خَلْفَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ:
أُحِبُّ
ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ:
وَمَا
الْحُجَّةُ فِيهِ؟
فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ،
قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى
سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ:
سَمِعَ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيّ
أَنَّهُ: "قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فَصَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً سُورَةً مِنْ قِصَارِ
الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى
إِنَّ ثِيَابِيَ لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ بِأُمِّ
الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا،
وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)﴾ [آل عمران]".
قَالَ
الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمَّا
سَمِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ قَالَ:
إِنْ
كُنْتُ لَعَلَى غَيْرِ هَذَا، حَتَّى سَمِعْتُ بِهَذَا، فَأَخَذْتُ بِهِ".
والسند صحيح، وانظر "أصل
صفة صلاة النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2/ 468)، فهو من الأدلة على
أن القراءة بعد الفاتحة فيما بعد الأُولَيين؛ مِن السُّنة.
الثلاثاء 4 رمضان 1438