الحمدُ لله وكفىٰ، وصلاةً وسلامًا علىٰ
نبيِّه الذي اصطفىٰ، وعلىٰ آله وصحبِه ومَن أثرَه اقتفىٰ.
أمّا بعد، فهٰذا مِن كلام أبي -رَحِمَهُ
اللهُ- بعد أن أجاب عن مسألة التكبير في العيد ووقتِه، وأنه لا يُقيَّد بأدبار الصلوات؛
فسئل سؤالًا، فقال:
"نعم هٰذا سؤال مهمّ؛ يجب أن نَعلم الفَرق بين عيد الفطر وعيد
الأضحىٰ:
فعِيدُ الفطر في الإسلام إنما هو يومٌ
واحد، أمّا العادة التي جرىٰ عليها العالَم الإسلاميّ -ما أدري منذ كم قرْن- مِن
اعتبار العيد ثلاثة أيام؛ فهٰذا لا أصل له في دين الإسلام، العيدُ يومٌ واحد فقط.
أمّا عيد الأضحىٰ فهو كما هو معلوم اليوم والحمد لله، بدون
زيادة ولا نقصان: أربعة أيام؛ اليوم الأول يوم النحر، وثلاثة أيام هي التي
تُسمَّىٰ بأيام التشريق.
وبهٰذه المناسَبة أيضًا أنبِّه إلىٰ أنّ مِن
الأمور التي اعتادها الناس، وورِثها الخَلَف، ولا أريد أن أقول: عنِ السلف! وإنما:
الخَلَفُ عن الخَلَف! هو أن يُعَيِّدَ بعضُهم علىٰ بعض ويَتزاورون بمناسَبة العيد، ثلاثة أيام وأربعة أيام، هٰذا لا أصل له.
وقد يَظنّ بعضُ الناس أنّ المسألةَ سهلة، لأنه ليس فيها شيء مما
يخالف الشريعة، سوى التزاور والتحابُب، فنقول:
أصْلُ أكثرِ البِدع موجودٌ ثابت في الشريعة، فالأذكار التي نُنكِرها
داخلة في مِثل قوله:
﴿اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 41). والتَّزاوُر
أيضًا مشروع، ولٰكن تخصيص وقت معيَّن لأيِّ عبادة، هٰذا ليس لغيرِ الله عَزَّ
وَجَلَّ، ولذٰلك؛ فأنت زُرْ أخاك المسلم في أيّ وقتٍ شئتَ، في أيِّ وقتٍ تيسَّر
لك، أمّا اتخاذ يومٍ مُعيَّن للزيارة، سواء لزيارةِ الأحياءِ أو لزيارةِ الأموات؛
فهٰذا مِن البِدعِ الإضافيَّة، زُرِ القبورَ متىٰ تيسَّر لك، ولٰكنْ لا تَعتقِدْ
ولا تفعلْ أنّ زيارةَ القبور في يوم العيد وفي صباح العيد هو أمْرٌ [مشروع]، لا،
بل قد يؤدِّي ببعضِ الناس إلىٰ أن يُضيِّعوا الفرْضَ وهو صلاة العيد مِن أجل بدعةِ
تخصيص يوم العيد صباح العيد بزيارة الأموات!
فهٰذا التَّعايُد المعروف في العِيدَين ليس له أصل في الشريعة.
وكان مِن آثار ذٰلك، وصَدَقَ مَن قال مِن السلف:
"ما أُحْدِثَتْ بدعة، إلَّا وأُمِيتَتْ
سُنّة"([1])؛
كان مِن آثار ذٰلك أن أطاحوا بهٰذه البدعة بسُنَّةٍ ثابتةٍ باتِّفاقِ علماء
المسلمين، ألَا وهي الاجتماعُ في الْمُصَلَّىٰ لصلاةِ العِيدَين، والتزاوُر هناك
يَكون، لٰكنْ -بطبيعة الحال- لَمّا الناس لا يَجتمعون في هٰذا المكان الواسع الذي
يوفِّر علىٰ أفرادِ المسلمين أوقاتًا عظيمةً وكثيرة وثَمينة جدًّا، لأنَّ لو أنّ
إنسانًا [..] قَعَد يَعمل حساب المسلمين هٰؤلاء كم وقتًا كم ساعات كم مجموع أيام،
وما قلنا: شهور، مجموعهم يُضيِّع عليهم مِن الأوقات؟! بسبب أيش؟ الزيارة، أنا
رُحتُ عند فلان؛ لم أَلْقَه، في الوقت الذي رحتُ عنده هو خرج مِن بيته جاء عندي؛
لم يَلقني! فكم يَضيع على الناس مِن الوقت؟! الشيء الكثير، وهٰذا الوقت -طبعًا،
كما نَعلم جميعًا- هو أثْمَن مِن كلِّ شيء؛ لأنَّ الوقت هو أصْلُ كلِّ رزقٍ سواء
كان هٰذا الرزقُ مادِّيًّا أم كان معنويًّا، لولا هٰذا الوقت لم يتمكَّن الإنسان
من البيع والشِّراء والرِّبح والتجارة ونحو ذٰلك، ولم يتمكَّن مِن عبادةِ الله والصلاةِ
له.. إلخ. فوَفَّر الشارعُ الحكيمُ علىٰ جميعِ المسلمين مِثلَ تضييع هٰذا الوقت
بأنْ أَمَرهم بالخروج إلى المصلَّىٰ، يَجتمعون هناك، فهناك يَتزاورون وهناك
يَتعارفون، فلمّا أضاعوا هٰذه السُّنَّة، كان سببُ ذٰلك أنهم أقاموا مقامها بدعة،
ولذٰلك؛ قال بعض السلف -وبعضُ الرواة أخطأ فرواه حديثًا مرفوعًا إلى الرسولِ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-:
"ما أُحْدِثَتْ بدعة، إلَّا وأُمِيتَتْ سُنّة"، لٰكنْ هٰذا
الكلام واقعيّ صحيح، وكثيرًا ما ضَربْتُ لكم مَثلًا عمليًّا، يوميًّا:
يدخل أحدُنا المسجد فيتوضأ، يدخل عليه صاحبُه فيبادره بقوله: (زمزم).
راح السلام! السلام الذي هو واجبٌ مِن الواجبات راح! ما الذي روّحه؟
هٰذه الكلمة اليسيرة [بلا كلفة] (زمزم)!
والشيطان قَعد للإنسان في طُرقه، في [مدارجه] إلى الخير، فهو حريص
كلَّ الحرص أن ينحرف به عن الجادَّة، كما جاء في الحديث الصحيح([2])
أنّ الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَّ أمام الصحابة خطًّا مستقيمًا على
الأرض، وخَطَّ خطوطًا قصيرةً حول هٰذا الخطّ، وقرأ قوله تَعَالَىٰ:
﴿وَأَنَّ
هَـٰـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 153)، فالشياطين تَنصب هٰذه الطُّرق، وتدعو الناسَ إلىٰ أنْ يخرجوا عن
الصراط المستقيم، وما هٰذه الطرق إلا البدع والأهواء التي تُسلَّط على الناس
وتُزيَّن لهم؛ فيتَّبِعونها ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف: من الآية 104).
فإذًا؛ التكبير في العيد مشروع، لٰكنْ بدون تحديدِ وقتٍ
مُعَيَّن" اﻫ مِن "فتاوىٰ سوريا" (الشريط 92، الدقيقة 48 تقريبًا).
السبت 29 ذي القعدة 1434ﻫ
"مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلَّا
نَزَعَ اللهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَىٰ
يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وصحَّح إسنادَه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "الضعيفة" (14/ 457/ تحت 6708 وهو
المرفوع).
([2]) عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ
عَنْهُما قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَخَطَّ خَطًّا هَـٰكَذَا أَمَامَهُ، فَقَالَ:
«هٰذا سَبِيلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وَخَطَّ خَطًّا عَنْ
يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطًّا عَنْ شِمَالِهِ، وَقَالَ:
«هٰذِهِ سُبُلُ الشَّيْطَانِ»، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي
الْخَطِّ الأَوْسَطِ، ثُمَّ تَلَا هٰذه الآيَةَ: ﴿وَأَنَّ هٰذا صِرَاطِي
مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
(الأنعام)". رواه ابن أبي عاصم في "السُّنَّة"، وروىٰ نحوَه
عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ يُنظر "ظلال الجنة" (16 و17).