نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)
102- ما معنى الطاغوت؟
وما حُكم الكُفرِ
به؟
ومَن هم رؤوس الطواغيت؟
|
البيان
الحمدُ للهِ الواحد الأحد، وَصَلَّى اللهُ
وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ فوحَّد
وسَدَّد. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب
رَحِمَهُ اللهُ:
(وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَىٰ جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ،
وَالإِيمَانَ بِاللهِ(1).
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ(2):
مَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ
حَدَّهُ مِنْ:
- مَعْبُودٍ
- أَوْ مَتْبُوعٍ
- أَوْ مُطَاعٍ(3).
وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرَةٌ(4)، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ(5):
1.
إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ(6).
2.
وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ(7).
3.
وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَىٰ عِبَادَةِ نَفْسِهِ(8).
4.
وَمَنْ ادَّعَىٰ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ(9).
5.
وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ(10).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّٰهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾ (البقرة).
وَهَٰذَا هُوَ مَعْنَىٰ (لَا إلٰهَ إِلَّا اللهُ) ).
_______________
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم
رَحِمَهُ اللهُ:
" (1) وَلِأَجْلِ ذَٰلِكَ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتِ
الْكُتُبُ، بَلِ الدِّينُ أَمْرَانِ:
▨ كُفْرٌ بِالطَّاغُوتِ. ▧ وَإِيْمَانٌ بِاللهِ.
وَمَنْ كَفَرَ بِالطَّاغُوتِ وَآمَنَ بِاللهِ؛
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصامَ لَهَا.
(2) هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ الزُّرَعِيُّ
الدِّمَشْقِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، صَاحِبُ
التَّصَانِيفِ الْمَقْبُولَةِ، الْمُتَوَفَّىٰ سَنَةَ سَبِعِمِئَةٍ وَإِحْدَىٰ وَخَمْسِيْنَ.
(3) يَعْنِي: كُلُّ شَيْءٍ يَتَعَدَّىٰ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ، أَي: قَدْرَهُ
الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ يَصِيرُ بِهِ طَاغُوتًا، سَواءً تَعَدَّىٰ حَدَّهُ مِنْ:
- مَعْبُودٍ مَعَ اللهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ
الْعِبَادَةِ.
- أَوْ مَتْبُوعٍ فِي مَعَاصِي اللهِ.
- أَوْ مُطَاعٍ مِنْ دُونِ اللهِ فِي التَّحْلِيلِ
وَالتَّحْرِيمِ.
ثَمَّ قَالُ ابْنُ الْقَيِّمِ:
(4) أَي: إِذَا عَرَفْتَ مَا حَدَّهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِتَحَقُّقٍ؛
تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّوَاغِيتَ كَثِيرَةٌ جَدًّا مِنْ بَنِي آدَمَ بِلَا حَصْرٍ؛
وَذَٰلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ
فِي الشَّرْعِ؛ صَارَ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ وَتَجَاوُزِهِ طَاغُوتًا.
(5) أَي: أكْبَرُ الطَّوَاغِيتِ -بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّأَمُّلِ-
خَمْسَةٌ.
(6) هُوَ رَأْسُهُمُ الْأَكْبَرُ، وَاللَّعْنُ فِي الْأَصْلِ: الطَّرْدُ
وَالْإِبْعَادُ، وَتَقَدَّمَ[2]، وَإِبْلِيسُ
مَطْرُودٌ مُبْعَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ.
(7) بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْعَابِدِ بِأَيِّ نَوعٍ
مِنْ أَنْوَاعِهَا، فَهُوَ طَاغُوتٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الطَّوَاغِيتِ وَكُبَرَائِهِمْ.
(8) مِمَّنْ يُقِرُّ الْغُلُوَّ وَالتَّعْظِيْمَ بِغَيْرِ حَقٍّ -كَفِرْعَوْنَ
وَمشَائِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمُ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ-
وَاتِّخَاذَهُمْ أَرَبَابًا، وَالْإِشْرَاكَ بِهِمْ، مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيْبِهِمْ
وَفِي مَمَاتِهِمْ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ
أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَأْتِ إِلَىٰ قَبْرِي وَلْيَسْتَغِثْ بِي!
(9) كَالْمُنَجِّمِينَ وَالرَّمَّالِينَ وَنَحْوِهِمْ.
(10) كَمَنْ يَحْكُمُ بِقَوَانِينِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْقَوَانِينِ
الدَّوْلِيَّةِ، بَلْ جَمِيعُ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ[3]،
سَواءً كَانَ بِالْقَوَانِينِ، أَوْ بِشَيْءٍ مُخْتَرَعٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ،
أَوْ بِالْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ؛ فَهُوَ طَاغُوتٌ مِنْ أكْبَرِ الطَّوَاغِيتِ"
اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 133 - 135.
~~~فائدةٌ لُغَويّةٌ في وزنِ كلمةِ (طاغوت)~~~
قال في "لسان العرب" (15/ 9، ط1، 1410ﻫ، دار صادر):
" وأَصلُ وَزْنِ (طاغُوتٍ):
(طَغَيُوت)
علىٰ (فَعَلُوتٍ).
ثم قُدِّمَتِ الياءُ قبل الغَينِ؛ مُحافَظَةً
علىٰ بَقائِها، فَصار:
(طَيَغُوت)
ووَزْنُهُ (فَلَعُوت).
ثم قُلِبَتِ الياءُ أَلِفًا؛ لتَحَرُّكِها
وانفتاحِ ما قَبْلَها، فصار:
(طاغُوت)"
اﻫ.
الثلاثاء 15 المحرم 1435ﻫ
[1] - نصُّ عبارتِه في "إعلام الموقعين" (2/ 92 و93، ط):
"وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ
بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ؛ فَطَاغُوتُ
كُلِّ قَوْمٍ:
مَنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ
اللهِ وَرَسُولِهِ.
أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ.
أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَىٰ غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنَ اللهِ.
أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ
أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلّٰهِ.
فَهَٰذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ، إذَا تَأَمَّلْتَهَا
وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا؛ رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ مِمَّنْ أَعْرَضَ
عَن عِبَادَةِ اللهِ إلَىٰ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ، وَعَنِ التَّحَاكُمِ إلَى
اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ، وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ
رَسُولِهِ إلَىٰ طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ"
اﻫ المراد.
[2] - تراجع التدوينة: الذّبح لِلّه أفضلُ مِن مُطلَقِ العبادات الماليّة
[3] - تفصيلٌ في مسألة الحكم بغير ما أنزل اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ:
سئل الإمامُ العلَمُ
ابنُ باز رَحِمَهُ اللهُ:
كثيرٌ مِن المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله، والبعض يعتقد
أنّ ذٰلك التساهل لا يؤثر في تمسُّكه بالإسلام، والبعض
الآخر يستحلُّ الحُكمَ بغير ما أنزل الله، ولا يبالي بما يترتَّب علىٰ ذٰلك، فما هو الحق في ذٰلك؟
فأجاب:
"هٰذا فيه تفصيلٌ، وهو
أن يقال:
◐ مَن حَكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل اللهُ، وأنه
خالَف الشرعَ ولٰكنِ استباح هٰذا الأمرَ، ورأىٰ أنه لا حرج عليه في ذٰلك، وأنه يجوز له أن يَحكم بغير شريعةِ الله؛ فهو كافرٌ كفرًا أكبر عند
جميع العلماء؛ كالحُكم بالقوانين الوضْعية التي وضعها الرجالُ مِن النصارىٰ أو اليهود أو غيرِهم ممن زعم أنه يجوز الحكمُ بها،
أو زعم أنها أفضلُ مِن حُكم الله، أو زعم أنها تساوي حُكمَ الله، وأنّ الإنسانَ مُخيَّرٌ
إنْ شاء حَكم بالقرآن والسُّنَّة، وإنْ شاء حَكم بالقوانين الوضعية- مَن اعتقد هٰذا؛ كَفَرَ بإجماعِ العلماء، كما تقدَّم.
◑ أمَّا مَن حَكم بغير ما أنزل اللهُ لِهَوًى، أو لِحَظٍّ عاجِلٍ وهو يَعلم
أنه عاصٍ لِلّٰهِ ولِرسوله، وأنه فَعَل منكرًا عظيمًا، وأنّ الواجبَ
عليه الحُكمُ بِشرعِ الله؛ فإنه لا يَكفر بذٰلك الكفرَ الأكبرَ، لٰكنه قد أتىٰ منكرًا عظيمًا، ومعصيةً كبيرةً، وكفرًا أصغرَ، كما قال ذٰلك ابنُ عباس ومجاهدٌ وغيرُهما مِن أهل العلم*، وقد
ارتكب بذٰلك كُفرًا دون كُفْرٍ، وظُلْمًا دون ظُلْمٍ، وفِسقًا
دون فسقٍ، وليس هو الكفرَ الأكبرَ.
وهٰذا قولُ أهل السُّنَّةِ والجماعة.
وقد قال اللهُ سبحانه:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ (المائدة: من الآية 49). وقال تَعَالَىٰ:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة: مِن الآية 44).
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (المائدة: مِن الآية 45).
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (المائدة: مِن الآية 47). وقال عَزَّ وَجَلَّ:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا (65)﴾ (النساء). وقال عَزَّ وَجَلَّ:
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا
لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)﴾ (المائدة).
فحُكْمُ اللهِ:
- هو أَحْسَنُ الأحكامِ.
- وهو الواجبُ الاتِّباعِ.
- وبه صلاحُ الأُمَّةِ وسعادتُها في العاجِل والآجلِ، وصلاحُ العالَمِ
كلِّه.
ولٰكنَّ أكثرَ الخَلقِ في غفلٍة عن هٰذا! واللهُ المستعان، ولا حول ولا قوةَ
إلا باللهِ العليِّ العظيم" اﻫ مِن "مجموع فتاوىٰ ومقالات متنوعة" للإمام ابن باز رَحِمَهُ اللهُ (5/ 355 و 356، ط1، 1420ﻫ، دار القاسم).
* تنظر في "صحيحة" أبي (6/ 113 و114، تحت 2552).
* تنظر في "صحيحة" أبي (6/ 113 و114، تحت 2552).