الصفحات

أفضل أدعية القرآن وأفرضُها

أفضل أدعية القرآن وأفرضُها*
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
"فائدة عظيمة: لَمَّا كان الدعاءُ مُخَّ العبادة[1] ولبَّها وخالصَها؛ لكونه متضمِّنًا لِلِافتقار التامِّ لله، والخشوعِ والخضوعِ بين يديه، وتنوُّعِ عُبوديَّاتِ القلب، وكثرةِ المطالَب المهمَّة؛ كان أفضلُه وأعلاه:
° ما كان أنفعَ للعبد.
° وأصحَّ من غيره.
° وأجمعَ لكل خير.
وتلك أدعيةُ القرآن التي أخبَرَ اللهُ بها عن أنبيائه ورسله وعِباده الأخيار، التي كان سيدُ المرسَلين يختارها على غيرها.
ولمّا كان مِن شروط الدعاء وآدابه:
° حضور قلب الداعي.
° واستحضاره لمعاني ما يدعو به.
أحببتُ أن أُنبّه تنبيهًا لطيفًا على معاني أدعية القرآن؛ ليسهل استحضارُها؛ فيعظم انتفاعُ العبد بها:
فأفضل أدعية القرآن وأفرضُها:
قولُه تعالى:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 6، 7]
أي: علِّمْنا -يا ربنا!- وألهِمْنا ووفقنا لسلوكِ الصراطِ المستقيم، صراطِ الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، المشتملِ على:
عِلمِ ما يحبُّه اللهُ ورسولُه، ومحبَّتِه، وفعلِه على وجهِ الكمال.
وعِلمِ ما يكرهه اللهُ ورسولُه ويُغضِبُه، وتركِه مِن كلٍّ وجه.
وحقيقةُ ذلك: أنّ الداعي بهذا الدعاء يسأل اللهَ تعالى أن:
° يهديَه الصراطَ المستقيم، المتضمنَ لمعرفةِ الحقِّ والعملِ به.
° ويجنِّبَه:
     - طريقَ المغضوب عليهم؛ الذين عرفوا الحقَّ وتركوه،
     - وطريقَ الضالين؛ الذين تاهوا عن الحقِّ فلم يعرفوه" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص123 و 124، ط 1428ﻫ، دار المعالي).

* وكذلك قال شيخُ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ مِن قبل:
"وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِشُهُودِ الْقَدَرِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ عِنْدَمَا يُنْعِمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ، فَيَشْهَدُ قَبْلَ فِعْلِهَا حَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ إلَى إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ وَتَحَقُّقِ قَوْلِهِ : ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾ [الفاتحة].
وَيَدْعُو بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا طَلَبُ إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِهِ:
«أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك»[2].
وَقَوْلِهِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ! ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك[3]، وَيَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ! اصْرِفْ قَلْبِي إلَى طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك»[4].
وَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)﴾ [آل عمران].
وَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾.
وَمِثْلِ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ! أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَاكْفِنِي شَرَّ نَفْسِي»[5].
وَرَأْسُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَأَفْضَلُهَا: قَوْلُهُ:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾؛ فَهَذَا الدُّعَاءُ أَفْضَلُ الْأَدْعِيَةِ وَأَوْجَبُهَا عَلَى الْخَلْقِ؛ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ صَلَاحَ الْعَبْدِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" اﻫ المراد من رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية "الاحتجاج بالقدر" (ص 45 و46، ط 6، 1411ه، المكتب الإسلامي).

السبت 1 رمضان 1438هـ



[1] - كما ورد في الحديث: (الدعاء مخ العبادة) وهو ضعيف، والصحيح أبلغ منه: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَة»، للفائدة يُنظر هــــــنا.
[2] - رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الوالد "صحيح سنن أبي داود" الأمّ (1362).
[3] - ورد عن عدد من الصحابة منهم أمُّ سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْها، رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، وانظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2091)، وتعليقَ الوالد على الرسالة المذكورة أعلاه.
[4] - رواه الإمام مسلم (2654) وغيره عن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، دون الجملة الأخيرة (وطاعة رسولك)، وانظر تعليق الوالد ثَمَّ.
[5] - رواه الترمذي وقال: (حديثٌ غريب) يعني ضعيف، وانظر "هداية الرواة" (3/ 24 و25)، وقد صح بلفظ « اللَّهُمَّ! قِنِي شَرَّ نَفْسِي وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي»، انظر "صحيح موارد الظمآن" (2060).