الصفحات

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ / 5


بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
35- لأنَّ التَّقِيَّ آخذٌ بوصيَّةِ جميعِ الأنبياء لِأقوامهم!
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 106)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 124)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 142)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 161)
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الشعراء: 177)
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ (الصافات: 123 و124)
﴿وَلَمَّا جَاء عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الزخرف: 63).

36- ... ووصيّةِ خاصَّتِهم وخاتمهم محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (رواه أبو داود وغيرُه وصححه الوالد رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "الإرواء" (2455) ).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
37- لأنَّ التقوىٰ رأسُ الأمرِ كلِّهٍ!
قال أبو ذرٍّ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْصِنِي. قَالَ:
«أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ» (مِن حديثٍ رواه ابن حبان وحسّنه أبي لغيره؛ "صحيح الترغيب والترهيب" (1422) ).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
38- المتَّقي يُصلح اللهُ عملَه، ويوفِّقُه إلى الأعمالِ الصالحة[1]:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (الأحزاب: 70 و71).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
39- لأن المتَّقين مَسوقون إلى الجنة بوصْفِ التقوىٰ، مرحَّبٌ بهم بمفتوحِ الأبواب، ورائقِ السلام، يَسكنون مِن الجنة حيث أحبُّوا واشتهَوا[2]!
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)﴾ (الزُّمَر).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
40- لأنَّ "كُلَّ خُلَّةٍ هِيَ عَدَاوَةٌ إِلَّا خُلَّةَ الْمُتَّقِينَ"[3]:
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ (الزخرف: 67)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
41- لأنَّ اللهَ وليُّ المتقين؛ فهو "نَصِيرُهُمْ وَظَهِيرُهُمْ، يَتَوَلَّاهُمْ بِعَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ"[4]:
﴿وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (الجاثية: 19).

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
42- لأنَّ التقوىٰ هي معيارُ التفاضُل بين الناس عند خالقهم جَلَّ جَلَالُهُ،
"لَا مِيزةَ لِأَحَدٍ علىٰ أَحَدٍ ولَا فَضْلَ لِأَحَدٍ علىٰ أَحَدٍ عند اللهِ سُبحانه إلَّا بالتقوىٰ"[5]:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: من الآية 13)
"ألَا إنَّ تَقْوى اللهِ أَكْـــــــــــــــــــــرَمُ نِسْبةٍ * يُســــــــــــــامِي بها عند الفَخَـــــارِ كريمُ
إذا أنتَ نافَسْتَ الرِّجالَ على التُّقَىٰ * خَرَجْتَ مِنَ الدُّنيا وأنتَ سَلِيمُ"[6]

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
43- للمتَّقين في الآخرةِ أعظمُ وأعلىٰ وأشرفُ عِنْدِيَّة[7]!
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(القمر: 54 و55)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
44- للمُتَّقي رحمةٌ مِن اللهِ مضاعَفة! وطريقٌ في الحياة منَّورٌ بنورِ العلمِ والهداية! مع مغفرةٍ مِن الغفور الرحيم!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(الحديد: 28)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
45- لأنَّ المتَّقين هُمُ المنتفِعون بالقرآن؛ لِإقبالهم عليه إقبالَ مُستفيدٍ[8]، فهو لهم تَذكرة "يتذكَّرون به مصالحَ دِينِهم ودُنياهم؛ فيَعْرفونها، ويَعملون عليها، يُذَكِّرُهم العقائدَ الدِّينيَّةَ، والأخلاقَ المرضيَّةَ، والأحكامَ الشرعيَّةَ؛ فيَكونون مِن العلماءِ الرَّبَّانيِّين، والعبادِ العارفين، والأئمَّةِ الْمَهْدِيِّين"[9]:
قال تَعَالَىٰ عنِ القرآنِ الكريم: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (الحاقّة: 48)

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
46- لأن التَّقِيَّ عارِضُ سَدِّ أحوالِه إلىٰ مَخرج، وعُسْرِها إلى ٰيُسر، وسيِّئاتُه إلىٰ مغفرة، وأُجُورُه إلىٰ إعظام!
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: من الآيتين 2 و3)[10].
﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ (الطلاق: 4)[11].
﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ (الطلاق: 5)[12]
"بتقوى الإلٰهِ نجا مَن نجَا    *
وفازَ وصــــــارَ إلىٰ ما رَجَا
ومَن يتقِّ اللهَ يَجْــــــــــــعَلْ له    *  
كما قالَ مِن أَمْرِهِ مَخْرَجَا"[13]

47- المتَّقي مُوَفَّقٌ "لِلْعَودِ إلى العملِ الصالح"[14]، "مُيسَّرٌ للخير مِن الله"[15]. "مُيَسَّرةٌ عليه أمورُ دُنياه وآخرتِه"[16]:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) (اللَّيل)

48- المتَّقي مُزْحزَحٌ عنِ النارِ مُباعَدٌ عنها، موعودٌ بالرِّضا "بما يُعطِيهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في الآخرةِ مِن الجنَّةِ والكَرامة"[17]:
﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21) (اللَّيل)[18]

بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .
ولذا؛ سُنَّ لنا طَلَبُ التقوىٰ مِن الله -جَلَّ جَلَالُهُ- للنَّفْسِ ولِلغَير:
«اللّٰهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَىٰ وَالتُّقَىٰ، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَىٰ»
"صحيح مسلم" (2721).
«اللّٰهُمَّ! آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا»
"صحيح مسلم" (2722).
«اللّٰهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَٰذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَىٰ، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىٰ»
مِن دعاء المسافر، وهو في "صحيح مسلم" (1342).
  عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا؛ فَزَوِّدْنِي. قَالَ:
«زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَىٰ».
 قَالَ:
زِدْنِي.
قَالَ:
«وَغَفَرَ ذَنْبَكَ».
قَالَ:
زِدْنِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي!
قَالَ:
«وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ».
رواه الإمام الترمذي وبوّب له بـ: (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا وَدَّعَ إِنْسَانًا)، والإمام ابن خزيمة: (بَابُ دُعَاءِ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ)، ورواه غيرهما رَحِمَهُمُ اللهُ، وحسّنه أبي وغيرُه رَحِمَهُمُ اللهُ؛ "الكَلِم الطيِّب" (171).

وبعد ما سبق
كيف لا يكون مَنِ اتَّقىٰ إذا اتَّقىٰ بخير؟!
ألا قد حَقَّ جوابُ ابنةِ الصدِّيق وصدق، قابسٌ مِن ذاك السراج فائتلق! وهي سليلةُ ﴿الأتقىٰ[19] وحِبُّ إمامِ المتّقين؛ فتشيَّمَتْ أباها، ويمَّمتْ سُنَّةَ مَن سلامَ جبريلَ أقراها!  
هٰؤلاء هم السُّعداء حقًّا
"ولَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ * ولَٰكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وتَقْوَى اللهِ خَيرُ الزَّادِ ذُخْرًا * وعِنْدَ اللهِ لِلأتْقَىٰ مَزِيدُ"[20]
ولا إثبات يعلو على الوحْي، وقد وَعَتْه تلك القلوبُ زكيَّةُ النَّشْرِ والطَّيّ، فودَّعت الدُّنيا وكان مِن آخر ما فاحَتْ:
بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .

الجمعة 26 شعبان 1434


[1] - يُنظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (6/ 487، ط دار طيبة).
[2] - "تفسير الطبري" (20/ 271).
[3] - المصدر السابق (20/ 640) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
[4] - المصدر السابق (4/ 563)، في تفسير قولِه تَعَالَىٰ: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (البقرة: 257).
[5] - العلامة ابن باز "مجموع فتاوىٰ ومقالات متنوعة" (20/ 402، ط1 ، 1423، رئاسة إدارة البحوث العلمية، دار القاسم).
[6] - "تاريخ دمشق" لابن عساكر (32/ 474، ط 1416، دار الفكر) والشعرُ لابن المبارَك رَحِمَهُ اللهُ.
[7] - سبق في النقطة التاسعة قولُهُ تَعَالَىٰ في سورة (آل عمران): ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ الآية؛ قال العلامةُ العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيرها:
"قوله: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾: العِنْدِيَّةُ هنا تُفيد فضلًا عظيمًا؛ لأنها هي القُرْبُ مِن الله عَزَّ وَجَلَّ. كما قال تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ (الأعراف: 206)، وكما قال تَعَالَىٰ: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)﴾ (الأنبياء). فثوابُ المتَّقين عِند الله، والعِنْدِيَّة تُفيد القُرْبَ، ولَا أَقْرَبَ مِن شيءٍ يَكون سَقْفُهُ عَرْشَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كالفردوسِ الأَعلىٰ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾ (القمر). أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم مِن أهلها" اﻫ مِن "تفسير القرآن الكريم/ سورة آل عمران" (1/ 98، ط1، 1426، دار ابن الجوزي).
[8] - يُنظر "نظم الدرر" للبقاعي (8/ 141, ط1، 1415، دار الكتب العلمية).
[9] - "تسير الكريم الرحمٰن" ص 884.
[10] - قال العلامة البقاعي: "﴿يَجْعَلْ﴾ أي الله -سبحانه- بسبب التقوىٰ:
﴿لَهُ مَخْرَجًا﴾ بِدَفْعِ المضارِّ مِن كلِّ ضِيْقٍ أَحاطَ به؛ في نظيرِ ما اجْتَنَبَ مِنَ الْمَناهي.
﴿وَيَرْزُقْهُ﴾ بحَولِهِ وقوَّتِه بِجَلْبِ الْمَسَارِّ في الدِّين والدُّنيا والآخرةِ؛ في نَظيرِ ما اجْتَلَب مِن فِعْلِ الأوامر.
وَلَمَّا كان أَحلى الهِبَاتِ ما جاء مِن مَكانٍ لا يُرْجَىٰ؛ قال: ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ أي لَا يَقْوىٰ رَجاؤه له" اﻫ مِن "نظم الدرر" (8/ 29).
[11] - قال الحافظ القصَّاب في الآية:
"دليلٌ علىٰ أنَّ كلَّ عسيرٍ مِن الأمور يتيسَّر ُبالتقوىٰ، حتىٰ عُسْرَ تَقْتيرِ الرِّزق، وشفاءَ الدَّاءِ العَسِرِ العلاج، والخلاصَ مِن المحبس -مِن الفَكاكِ مِن الأَسْرِ- وأشباهَ ذٰلك" اﻫ من "النكت" (4/ 340، ط1، 1424، دار ابن عفان).
وقال العلامة البقاعي:
"﴿يُسْرًا﴾ أي سُهُولةً وفَرَجًا وخَيرًا في الدَّارَين، بِالدَّفْعِ والنَّفْعِ، وذٰلك أَعْظَمُ مِن مُطْلَقِ الْمَخْرَجِ الْمُتَقَدِّمِ في الآيةِ الأُوْلَىٰ" اﻫ مِن "نظم الدرر" (8/ 33).
[12] - قال الحافظ ابن كثير:
"يذهب عنه المحذور، ويجزل له الثواب على العمل اليسير" اﻫ من "تفسير القرآن العظيم" (8/ 152، دار طيبة).
[13] - "مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (3/ 102، دار الفاروق).
[14] - "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة (ص 531 ، ط 1398، دار الكتب العلمية).
[15] - عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما؛ "شعب الإيمان" للبيهقي (13/ 278، ط 1،  1423، مكتبة الرشد).
[16] - الإمام ابن القيم "التبيان في أيمان القرآن" (ص 89، ط المجمع، دار عالم الفوائد). وتتمة كلامِه رَحِمَهُ اللهُ: "وتارك التقوىٰ وإنْ يُسِّرتْ عليه بعضُ أمورِ دُنياه؛ تَعَسَّر عليه مِن أمورِ آخرته بحسَبِ ما تَرَكه مِن التقوىٰ، وأمّا تيسير ما تيسَّر عليه مِن أمور الدنيا؛ فلو اتَّقى اللهَ -تَعَالَىٰ- لكان تيسيرُها عليه أتمَّ، ولو قُدِّر أنها لم تُيَسَّرْ له؛ فقد يُيَسِّر اللهُ له مِن الدنيا ما هو أنفعُ له مما ناله بغير التقوىٰ؛ فإنَّ طِيْبَ العَيشِ ونعيمَ القلبِ ولذةّ الرُّوحِ وفَرَحَها وابتهاجَها مِن أعظمِ نعيمِ الدنيا، وهو أجَلُّ مِن نعيمِ أربابِ الدنيا بالشهواتِ واللذَّات" اﻫ.
[17] - "تفسير البغوي" (8/ 449، ط 1412هـ، دار طيبة).
[18] - قال الحافظ ابن الجوزي رَحِمَهُ اللهُ: "قوله تَعَالَىٰ: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا﴾ أي يُبْعَدُ عنها فيُجْعَلُ منها علىٰ جانبٍ ﴿الْأَتْقَى﴾ يعني أبا بكرٍ الصِّدِّيق في قولِ جميع المفسِّرين" اﻫ مِن "زاد المسير" (9/ 152، ط3/ 1404، المكتب الإسلامي).
وقال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: "وقد ذَكر غيرُ واحدٍ مِن المفسِّرين أنَّ هٰذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حتىٰ إنَّ بعضَهم حكى الإجماعَ مِن المفسِّرين علىٰ ذٰلك. ولا شك أنه داخلٌ فيها، وأولى الأُمَّةِ بِعُمومها؛ فإنَّ لفْظَها لفظُ العُموم، وهو قوله تَعَالَىٰ: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) ﴾، ولٰكنه مُقَدَّمُ الأُمَّةِ وسابِقُهم في جميع هٰذه الأوصافِ وسائرِ الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صِدِّيقًا تَقيًّا كريمًا جوادًا بذَّالًا لِأمواله في طاعةِ مولاه، ونُصرةِ رسولِ الله، فكم مِن دراهم ودنانير بَذَلها ابتغاءَ وَجْهِ ربِّه الكريم، ولم يَكن لِأحدٍ مِن الناس عنده مِنّةٌ يحتاج إلىٰ أن يكافئه بها، ولٰكن كان فضلُه وإحسانُه على السَّادات والرؤساء مِن سائر القبائل؛ ولهٰذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف، يوم صلح الحديبية-: أما واللهِ! لولا يدٌ لك كانت عندي لم أَجْزِكَ بها؛ لَأَجبتُكَ. وكان الصِّدِّيق قد أَغْلظ له في المقالة، فإذا كان هٰذا حالُه مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف بمن عَداهم؟! ولهٰذا قال: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ (21)﴾. وفي "الصحيحين" أنَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَن أَنْفَقَ زَوجَينِ في سبيلِ اللهِ؛ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الجنَّة: يا عبدَ الله! هٰذا خيرٌ»، فقال أبو بكر: يا رسول الله! ما علىٰ مَن يُدْعَىٰ منها ضرورة، فهل يُدعىٰ منها كُلِّها أَحَدٌ؟ قال: «نَعَمْ، وأَرْجُو أن تَكونَ مِنهُم»" اﻫ مِن "تفسير القرآن العظيم" (8/ 422).
[19] - يُنظر الحاشية السابقة.
[20] - "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 86، ط 30، 1424ﻫ).