الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ
خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد:
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَدَّتِهِ سُعْدَى(1)،
قَالَتْ: دَخَلتُ يَوْمًا عَلَى طَلْحَةَ(2)
-تعني ابنَ عُبَيدِ الله- فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثِقَلًا، فَقُلْتُ لَهُ:
مَا
لَكَ؟! لَعَلَّكَ رَابَكَ مِنَّا شَيْءٌ فَنُعْتِبَكَ(3)؟
قَالَ:
لَا،
وَلَنِعْمَ حَلِيلَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْتِ، وَلَكِنِ اجْتَمَعَ عِنْدِي مَالٌ،
وَلَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَتْ:
وَمَا
يَغُمُّكَ مِنْهُ؟! ادْعُ قَوْمَكَ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ:
يَا
غُلَامُ! عَلَيَّ بِقَوْمِي.
فَسَأَلْتُ
الْخَازِنَ: كَمْ قَسَمَ؟ قَالَ: أَرْبَعَمِئَةِ أَلْفٍ.
رواه الطبراني بإسناد حسن.
__________
[تعليقات
أبي رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) وهي امرأةُ طلحةَ بنِ عبيد
الله رضي الله عنه، كما في الخبر نفسه عند الطبراني، اختصره المؤلفُ رحمه الله.
(2) كذا الأصل، وفي
"الطبراني": "دخل عليّ يومًا طلحة". وكذا في "الحلية".
(3) أي: نعطيكَ (العُتْبَى)،
وهو الرجوعُ عن الإساءةِ إلى ما يُرضي القلب.
"صحيح الترغيب والترهيب" (8-
كتاب الصدقات/ 15- الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير/ 1/ 550/ ح 925 (حسن موقوف)).
هي سُعْدَىٰ بنتُ عوف المُرِّيَّة، أُمُّ
يحيى بنِ طلحة.
"روت عَن: النبيِّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسَلَّمَ، وعن زوجها طلحةَ بنِ عُبَيد الله، وعُمَرَ بنِ الخطاب.
روى عنها: ابنُ ابنِها طلحةُ بنُ يحيى بْنِ
طلحة بْنِ عُبَيدِ الله، ومحمدُ بنُ عِمْران الطلحي، وابنُها يحيى بنُ طلحة بْنِ عُبَيد
اللَّه"[1].
والحديثُ مِن فضائلها؛ فهذا الأدبُ في
تلمُّسِها سببَ هَمِّ زوجها، وخوفِها أن يكون لها تَبعةٌ فيه، وإعلانِها -مُقدَّمًا!-
أنها سترجع إلى ما يُرضِي! وهذا الزهدُ الهادي إلى هذي المشورةِ السخيَّة -مع تأمُّلِ
قولها «قومك»!- لا يكون إلا من نفسٍ زكيّةٍ كريمةٍ عفيفة شاكلت نفْسَ زوجها طلحةَ إذ
هو (الفَيَّاض)! رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
ويا سَعدها حين يُترجَم لها فيُذكر أنّ
لها حديثًا في فضل (لا إله إلا الله)[2]!
وهو حديثٌ عظيمٌ كان حِرصُ زوجها طلحة -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- على العلم به سببًا لِهمِّه -أيضًا!-؛ حَزَنًا أن لا يكون عالِمًا
به!
فعن يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ سُعْدَى
الْمُرِّيَّةِ قَالَتْ:
"مَرَّ عُمَرُ
بِطَلْحَةَ -رضي اللهُ عنهما- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
مَا لَكَ كَئِيبًا؟
أَسَاءَتْكَ إِمْرَةُ ابْنِ عَمِّكَ؟ [يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ] قَالَ:
لَا، [-وَأَثْنَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ-]، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنِّي لَأَعْلَمُ
كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا أَحَدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا كَانَتْ نُورًا لِصَحِيفَتِهِ،
وَإِنَّ جَسَدَهُ وَرُوحَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَوْحًا عِنْدَ الْمَوْتِ».
فَلَمْ أَسْأَلْهُ
حَتَّى تُوُفِّيَ! قَالَ:
أَنَا أَعْلَمُهَا،
هِيَ الَّتِي أَرَادَ عَمَّهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ شَيْئًا أَنْجَى لَهُ
مِنْهَا؛ لَأَمَرَهُ"[3].
"يا بَاغِيَ
الإِحْسَـــــــــــــــــــــــــانِ يَطْلُبُ رَبَّهُ * لِيَفُوزَ مِنْهُ
بِغَايَهِ
الآمَالِ
انْظُرْ إلى هدْيِ
الصَّحَابَةِ وَالذِي * كانُوا عَلَيْهِ في الزَّمَانِ
الَخْالِي
واسْلُكْ طَرِيقَ
القَوْمِ أَيْنَ تَيَمَّمُوا * خُذْ يَمْنَةً ما الدَّرْبُ ذَاتَ شِمَالِ
تَاللهِ! مَا اخْتَارُوا
لِأَنْفُسِهمْ سِوَى * سُبُلِ الهُدَى فى القَوْلِ وَالأفعالِ
دَرَجُوا عَلَى
نَهْجٍ الرَّسُولِ وَهَدْيِهِ * وَبِهِ اقْتَدَوْا في سَائرِ الأحوالِ
نِعْمَ الرَّفِيقُ
لِطَالِبٍ يَبْغِي الْهُدى * فمآلُهُ في الَحْشْرِ
خَيْرُ مآلِ"[4]
الإثنين 12 ذي القعدة 1437هـ
[1] - كما في "التهذيب" (35/ 195).
[2] - ينظر "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1860).
[3] - رواه ابن ماجه واللفظ له، ورواه غيرُه، كما ورد من غير طريق سُعدى،
والزيادتان مِن ذلك وهما في "مسند الإمام أحمد" (1/ 161)، وينظر
"صحيح سنن ابن ماجه" (3062)، و"أحكام الجنائز" (المسألة 25/ ص
48 و49 ، ط 1 للطبعة الجديدة، 1412ه، مكتبة المعارف).