قالوا: جميع حروف (لا إله إلا الله) جوفية!

نص الرسالة - هدى اللهُ مُرسليها-:
(لا إله إلا الله) جميع حروفها جوفية ويحتاج قائلها أن يأتي بها من جوفه وهو القلب وليس فيها حرف منقوط إشارة إلى التجرد
(لا إله إلا الله) اثنا عشر حرفا بعدد أشهر السنة منها أربعة حرم وهي عدد حروف لفظ الجلالة
أسأل الله أن تكن [كذا] (لا إله إلا الله) نبض قلبك وسعادة حياتك وخاتمة عملك
------------
الرد:
هذه الرسالة لا عِلمَ بالتجويد ولا بالتوحيد!
فليست كل حروف (لا إله إلا الله) جوفية على ما اصطلح عليه أئمة هذا الفن
وليس الجوف هو القلب
ولا علاقة بين كون الحرف منقوطًا وبين التجرد؛ فالحروف لم تكن منقوطة في العهد الأول
والربط بين العدد وشهور السنة تكلُّفٌ ولا فائدة منه
فضلاً عن أن عدَّ الحروفِ 12 حرفًا عدٌّ خاطئ
فلعلهم حذفوا حرف الألف في كلمة (إله)، وحرف الألف في لفظ الجلالة، فهي خمسة أحرف، لا أربعة!
ونسأل مرسلَ هذه الرسالة:
ما معنى
(لا إله إلا الله)؟؟
فإن أصاب المعنى؛ نقول:
فهل ثمة صلة بين معناها والرسالة؟!
وإن أخطأ؛ وجّهناه ليستدرك عمره في طلب علم التوحيد؛ علم النجاة، بدل علم الكلام والفلسفة؛ علم المهلكة.
رابط ذو صلة: التحذير من مقال: الإعجاز اللغوي في لفظ الجلالة

التحذير من مقال: الإعجاز اللغوي في لفظ الجلالة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فثمة مقال بعدة عناوين، منها:
[لفظ الجلالة (الله) من الناحية الإعجازية اللغوية ومن الناحية الصوتية]

انتشر في منتديات كثيرة، وقد تساءلتْ عنه أكثر من أخت، فأحببت أن أنبّه عليه، واللهَ أسأل الهداية لي وللمسلمين، والله المستعان.

المقال:


كانت فتاة أسبانية تدرس ماجستير اللغة العربية في جامعة اليرموك الأردنية و ذات يوم طرح الدكتور سؤال علي طلابه:من منكم يحدثني عن لفظ الجلالة الله من الناحية الإعجازية اللغوية والناحية الصوتية؟
لم يرفع يده أحد ما عدا فتاة أسبانية تدعي هلين و التي تجيد التحدث باللغة العربية الفصحى علي الرغم من كونها إسبانية مسيحية قالت:
إن أجمل ما قرأت بالعربية هو أسم الله, فإن ذكر أسمه سبحانه و تعالي علي اللسان البشرية لها نغمة متفردة فمكونات حروفه دون الأسماء كلها يأتي نطقها من خالص الجوف لا من الشفتين
فلفظ الجلالة لا تنطق به الشفاه لخلوه من النقاط
و قالت اذكروا أسم الله الآن و راقبوا كيف نطقتموه هل أستخرجتكم الحروف من باطن الجوف أم أنكم لفظتموه و لا حراك في وجوهكم و شفاهكم !
و من حكم ذلك أنه إذا أراد ذاكر أن يذكر أسم الله فإن أي جليس لن يشعر بذلك.
و من إعجاز أسمه أنه مهما نقصت حروفه فإن الاسم يبقي كما هوو كما هو معروف أن لفظ الجلالة يشكل بالضمة في نهاية الحرف الأخير اللهُ
وإذا ما حذفنا الحرف الأول يصبح اسمه"لله " كما تقول الآية:
(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)
وإذا ما حذفنا الألف واللام الأولى بقيت "له" ولا يزال مدلولها الإلهي كما يقول سبحانه وتعالى
(له ما في السموات والأرض)
وإن حذفت الألف واللام الأولى والثانية بقيت الهاء بالضمة ورغم كذلك تبقى الإشارة إليه سبحانه وتعالى كما قال في كتابه:
(هو الذي لا اله إلا هو)[1]
وإذا ما حذفت اللام الأولى بقيت "إله" كما قال تعالي في الآية
(الله لا إله إلا هو)
هيلين اسمها الآن "عابدة"


انتهى المقال
---------------------
الرد من وجوه:
أولاً:
من آمن أن الدين كامل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك خيرًا يوصلنا إلى الله تبارك وتعالى إلا ودلنا عليه، ولا شرًا يبعدنا عنه إلا وحذّرنا منه، كما قال الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه:
"تَرَكْنَا وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ؛ إِلا وَقَدْ بُيِّنَ لَكم»[2]
من آمن بهذا لا يقبل مثل هذه التكلفات التي لا دليل عليها لا من كلام الله جل جلاله ولا كلام نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من بعده من السلف .

ثانيًا:
جزئيات في المقال عليها مآخذ بعضها أعظم من بعض:

[فلفظ الجلالة لا تنطق به الشفاه لخلوه من النقاط]
ليست كل الحروف الشفوية معجمة (منقوطة)، ولا كل حرف مهمل (غير منقوط) يخرج من الجوف، وهذه من آفات ما يسمى بالإعجاز (العلمي/ البياني/... إلخ) قد يثبت من وجه ولا يثبت من وجه أو وجوه؛ فعلى أي شيء يثبت قلبُ مَن بنى إيمانه على مثل هذا؟!


[اذكروا أسم الله الآن و راقبوا كيف نطقتموه هل أستخرجتكم الحروف من باطن الجوف أم أنكم لفظتموه و لا حراك في وجوهكم و شفاهكم]
قد تُعذر القائلة لعُجمتها، وإلا؛ فالعرب فضلاً عن المتخصصين في علم التجويد؛ يعلمون أن الحرف المفتوح والألف لابد من المباعدة بين الفكين لإخراجهما بصوت فصيح.

[و من حكم ذلك أنه إذا أراد ذاكر أن يذكر اسم الله فإن أي جليس لن يشعر بذلك............] إلخ المقال.
هنا قاصمة الظهر في هذا المقال.. فهو دعوة لذكر الله تعالى بالاسم المفرد، بل وبالضمير (هو)؛ وهذا ليس مِن ديننا بشيء، وأنقل لأجله كلامَ شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله تعالى، سائلةً الله أن يفتح قلوب الفرحين بهذا المقال للتنبُّه إلى الخطر الذي فيه على دينهم:

قال رحمه الله:
"فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا ذِكْرُ الْعَامَّةِ وَأَنَّ ذِكْرَ الْخَاصَّةِ هُوَ الِاسْمُ الْمُفْرَدُ وَذِكْرُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ هُوَ الِاسْمُ الْمُضْمَرُ؛ فَهُمْ ضَالُّونَ غالطون .
وَاحْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } مِنْ أَبْيَنِ غَلَطِ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ الِاسْمَ هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأَمْرِ بِجَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} إلَى قَوْلِهِ {قُلِ اللَّهُ} أَيْ: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، فَالِاسْمُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ، كَمَا فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، تَقُولُ : مَنْ جَارُهُ فَيَقُولُ زَيْدٌ .
وَأَمَّا الِاسْمُ الْمُفْرَدُ مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا؛ فَلَيْسَ بِكَلَامِ تَامٍّ، وَلَا جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إيمَانٌ، وَلَا كُفْرٌ، وَلَا أَمْرٌ، وَلَا نَهْيٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَا شَرَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُعْطِي الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ مَعْرِفَةً مُفِيدَةً، وَلَا حَالًا نَافِعًا، وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ تَصَوُّرًا مُطْلَقًا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَحَالِهِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ .
وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا تُشَرِّعُ مِنْ الْأَذْكَارِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، لَا مَا تَكُونُ الْفَائِدَةُ حَاصِلَةً بِغَيْرِهِ .
وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ مَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فِي فُنُونٍ مِنْ الْإِلْحَادِ، وَأَنْوَاعٍ مِنْ الِاتِّحَادِ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ : "أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ"؛ حَالٌ لَا يُقْتَدَى فِيهَا بِصَاحِبِهَا؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَلَطِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ ؛ إذْ لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لَمْ يَمُتْ إلَّا عَلَى مَا قَصَدَهُ وَنَوَاهُ، إذْ (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَلْقِينِ الْمَيِّتِ "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"، وَقَالَ : (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ"؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ )، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَحْذُورًا؛ لَمْ يُلَقِّنْ الْمَيِّتَ كَلِمَةً يُخَافُ أَنْ يَمُوتَ فِي أَثْنَائِهَا مَوْتًا غَيْرَ مَحْمُودٍ، بَلْ كَانَ يُلَقِّنُ مَا اخْتَارَهُ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ .
وَالذِّكْرُ بِالِاسْمِ الْمُضْمَرِ الْمُفْرَدِ أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ وَأَدْخَلُ فِي الْبِدْعَةِ وَأَقْرَبُ إلَى إضْلَالِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ مَنْ قَالَ : يَا هُوَ يَا هُوَ أَوْ : هُوَ هُوَ . وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَّا إلَى مَا يُصَوِّرُهُ قَلْبُهُ، وَالْقَلْبُ قَدْ يَهْتَدِي، وَقَدْ يَضِلُّ، وَقَدْ صَنَّفَ صَاحِبُ "الْفُصُوصِ" كِتَابًا سَمَّاهُ "كِتَابَ الهو"، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ } مَعْنَاهُ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ هَذَا الِاسْمِ الَّذِي هُوَ " الهو " . وَقِيلَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ بَلْ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَبْيَنِ الْبَاطِلِ، فَقَدْ يَظُنُّ ذَلِكَ مَنْ يَظُنُّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ . حَتَّى قُلْتُ مَرَّةً لِبَعْضِ مَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: لَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قُلْتَهُ؛ لَكَتَبْتُ ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ هُوَ ) مُنْفَصِلَةً .
ثُمَّ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَحْتَجُّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ : " اللَّهُ " بِقَوْلِهِ : { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } وَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يَقُولَ الِاسْمَ الْمُفْرَدَ، وَهَذَا غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { قُلِ اللَّهُ } مَعْنَاهُ :اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى . وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ } أَيْ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ، رَدَّ بِذَلِكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ : { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى } ثُمَّ قَالَ : { قُلِ اللَّهُ } أَنْزَلَهُ ثُمَّ ذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ { فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ : مَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّحْوِ أَنَّ الْعَرَبَ يَحْكُونَ بِالْقَوْلِ مَا كَانَ كَلَامًا لَا يَحْكُونَ بِهِ مَا كَانَ قَوْلًا، فَالْقَوْلُ لَا يُحْكَى بِهِ إلَّا كَلَامٌ تَامٌّ، أَوْ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، أَوْ فِعْلِيَّةٌ، وَلِهَذَا؛ يَكْسِرُونَ (إنَّ) إذَا جَاءَتْ بَعْدَ الْقَوْلِ، فَالْقَوْلُ لَا يُحْكَى بِهِ اسْمٌ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ أَحَدًا بِذِكْرِ اسْمٍ مُفْرَدٍ، وَلَا شَرَعَ لِلْمُسْلِمِينَ اسْمًا مُفْرَدًا مُجَرَّدًا، وَالِاسْمُ الْمُجَرَّدُ لَا يُفِيدُ الْإِيمَانَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُخَاطَبَاتِ" .
إلى أن قال رحمه الله:
"وَفِي "الصَّحِيحِ" عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ).
وفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إلَّا رَجُلٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ . وَمَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِه،ِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ؛ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) .
وَفِي "الْمُوَطَّأِ" وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
وَفِي "سُنَنِ ابْنِ ماجه" وَغَيْرِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ) .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ فِي أَنْوَاعِ مَا يُقَالُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ .
وَكَذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ : بِسْمِ اللَّهِ . وَهَذَا جُمْلَةٌ تَامَّةٌ؛ إمَّا اسْمِيَّةٌ، عَلَى أَظْهَرِ قَوْلَيْ النُّحَاةِ، أَوْ فِعْلِيَّةٌ ؛ وَالتَّقْدِيرُ: ذَبْحِي بِاسْمِ اللَّهِ، أَوْ: أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَارِئِ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فَتَقْدِيرُهُ : قِرَاءَتِي بِسْمِ اللَّهِ ؛ أَوْ أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضْمِرُ فِي مِثْلِ هَذَا: ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ؛ أَوْ ابْتَدَأْتُ بِسْمِ اللَّهِ . وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ مَفْعُولٌ بِسْمِ اللَّهِ، لَيْسَ مُجَرَّدُ ابْتِدَائِهِ، كَمَا أَظْهَرَ الْمُضْمَرَ فِي قَوْلِهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } وَفِي قَوْلِهِ : { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا }، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ؛ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ } .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِرَبِيبِهِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ : ( سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ) فَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُذْكَرَ الِاسْمُ مُجَرَّدًا .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: (إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ؛ فَكُلْ).
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ)، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ .
وَكَذَلِكَ مَا شُرِعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي صَلَاتِهِمْ وَأَذَانِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، إنَّمَا هُوَ بِالْجُمْلَةِ التَّامَّةِ، كَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ : "اللَّهُ أَكْبَرُ . اللَّهُ أَكْبَرُ . أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؛ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ". وَقَوْلُ الْمُصَلِّي : "اللَّهُ أَكْبَرُ . سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ . سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى . سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ . التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ". وَقَوْلُ الْمُلَبِّي : "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَجَمِيعُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الذِّكْرِ إنَّمَا هُوَ كَلَامٌ تَامٌّ، لَا اسْمٌ مُفْرَدٌ، لَا مُظْهَرٌ، وَلَا مُضْمَرٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ كَلِمَةً كَقَوْلِهِ : (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ . ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ . حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)". انتهى المراد من "مجموع الفتاوى" (10/ 226 و227).

وقال رحمه الله في موضع آخر:
"( فَصْلٌ ) قَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَآثَارُ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى " جِنْسِ الْمَشْرُوعِ الْمُسْتَحَبِّ فِي ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ" كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.......
وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَسْتَحِبَّ مِنْ الذِّكْرِ إلَّا مَا كَانَ كَلَامًا تَامًّا مُفِيدًا، مِثْلَ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَمِثْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَمِثْلَ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ " وَمِثْلَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَمِثْلَ { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ } ..... فَأَمَّا " الِاسْمُ الْمُفْرَدُ " مُظْهَرًا مِثْلَ : " اللَّهُ .. اللَّهُ "، أَوْ " مُضْمَرًا " مِثْلَ " هُوَ .. هُوَ "؛ فَهَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا هُوَ مَأْثُورٌ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَا عَنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَإِنَّمَا لَهِجَ بِهِ قَوْمٌ مِنْ ضُلَّالِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرُبَّمَا اتَّبَعُوا فِيهِ حَالَ شَيْخٍ مَغْلُوبٍ فِيهِ، مِثْلَمَا يُرْوَى عَنْ الشِّبْلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " اللَّهُ اللَّهُ "، فَقِيلَ لَهُ : لِمَ لَا تَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ فَقَالَ : أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. وَهَذِهِ مِنْ زَلَّاتِ الشِّبْلِيِّ الَّتِي تُغْفَرُ لَهُ لِصِدْقِ إيمَانِهِ وَقُوَّةِ وَجْدِهِ، وَغَلَبَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يُجَنُّ وَيُذْهَبُ بِهِ إلَى الْمَارَسْتَانِ، وَيَحْلِقُ لِحْيَتَهُ، وَلَهُ أَشْيَاءُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا أَوْ مَأْجُورًا؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ : " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَمَاتَ قَبْلَ كَمَالِهَا؛ لَمْ يَضُرّهُ ذَلِكَ شَيْئًا . إذْ (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، بَلْ يُكْتَبُ لَهُ مَا نَوَاهُ.
وَرُبَّمَا غَلَا بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجْعَلُوا ذِكْرَ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ لِلْخَاصَّةِ، وَذِكْرَ الْكَلِمَةِ التَّامَّةِ لِلْعَامَّةِ . وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " لِلْمُؤْمِنِينَ، و " اللَّهُ " لِلْعَارِفِينَ، و " هُوَ " لِلْمُحَقِّقِينَ، وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ أَحَدُهُمْ فِي خَلْوَتِهِ أَوْ فِي جَمَاعَتِهِ عَلَى " اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ " أَوْ عَلَى " هُوَ " أَوْ " يَا هُوَ " أَوْ " لَا هُوَ إلَّا هُوَ " .
وَرُبَّمَا ذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الطَّرِيقِ تَعْظِيمَ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ تَارَةً بِوَجْدِ، وَتَارَةً بِرَأْيٍ، وَتَارَةً بِنَقْلِ مَكْذُوبٍ . كَمَا يَرْوِي بَعْضُهُمْ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَّنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ، فَقَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَمَرَ عَلِيًّا فَقَالَهَا ثَلَاثًا"، وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ......
وَقَدْ ظَهَرَ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وَكَذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الذَّوْقِيَّةِ ؛ فَإِنَّ الِاسْمَ وَحْدَهُ لَا يُعْطِي إيمَانًا وَلَا كُفْرًا، وَلَا هُدًى وَلَا ضَلَالًا، وَلَا عِلْمًا وَلَا جَهْلًا، وَقَدْ يَذْكُرُ الذَّاكِرُ اسْمَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ فِرْعَوْنَ مِنْ الْفَرَاعِنَةِ، أَوْ صَنَمٍ مِنْ الْأَصْنَامِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ اسْمِهِ حُكْمٌ، إلَّا أَنْ يَقْرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، أَوْ حُبٍّ أَوْ بُغْضٍ، وَقَدْ يَذْكُرُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَسَائِر اللُّغَاتِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ وَحْدَهُ لَا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ ، وَلَا كَلَامًا مُفِيدًا.... فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ ذِكْرَ الْخَاصَّةِ .
وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ "الِاسْمِ الْمُضْمَرِ" وَهُوَ : " هُوَ "، فَإِنَّ هَذَا بِنَفْسِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَا يُفَسِّرُهُ مِنْ مَذْكُورٍ أَوْ مَعْلُومٍ.....
وَمِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْفَاسِدَةِ:
الْخُرُوجُ عَنْ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ إلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْبِدَعَ هِيَ : مَبَادِئُ الْكُفْرِ، وَمَظَانُّ الْكُفْرِ، كَمَا أَنَّ السُّنَنَ الْمَشْرُوعَةَ هِيَ : مَظَاهِرُ الْإِيمَانِ وَمُقَوِّيَةٌ لِلْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ . كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ زِيَادَتِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا }" . انتهى مختصرًا من "مجموع الفتاوى" ( 10/553-565).

ثالثًا:
خلاصة (من كلام شيخ الإسلام رحمه الله) :
الِاسْمُ الْمُفْرَدُ - مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا -:
o لَيْسَ بِكَلَامِ تَامٍّ وَلَا جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ
o وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إيمَانٌ وَلَا كُفْرٌ وَلَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ
o وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ
o وَلَا شَرَعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
o وَلَا يُعْطِي الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ مَعْرِفَةً مُفِيدَةً وَلَا حَالًا نَافِعًا، وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ تَصَوُّرًا مُطْلَقًا، لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَحَالِهِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ .
o وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا تُشَرِّعُ مِنْ الْأَذْكَارِ مَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ، لَا مَا تَكُونُ الْفَائِدَةُ حَاصِلَةً بِغَيْرِهِ .
o لَا يُعْطِي إيمَانًا وَلَا كُفْرًا، وَلَا هُدًى وَلَا ضَلَالًا، وَلَا عِلْمًا وَلَا جَهْلًا، وَقَدْ يَذْكُرُ الذَّاكِرُ اسْمَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ فِرْعَوْنَ مِنْ الْفَرَاعِنَةِ، أَوْ صَنَمٍ مِنْ الْأَصْنَامِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ اسْمِهِ حُكْمٌ، إلَّا أَنْ يَقْرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، أَوْ حُبٍّ أَوْ بُغْضٍ، وَقَدْ يَذْكُرُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ.
o اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَسَائِر اللُّغَاتِ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ وَحْدَهُ لَا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ ، وَلَا كَلَامًا مُفِيدًا
o وَقَدْ وَقَعَ بَعْضُ مَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فِي فُنُونٍ مِنْ الْإِلْحَادِ، وَأَنْوَاعٍ مِنْ الِاتِّحَادِ.
o أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ، وَأَدْخَلُ فِي الْبِدْعَةِ، وَأَقْرَبُ إلَى إضْلَالِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ مَنْ قَالَ : يَا هُوَ يَا هُوَ أَوْ : هُوَ هُوَ . وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَكُنْ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَّا إلَى مَا يُصَوِّرُهُ قَلْبُهُ، وَالْقَلْبُ قَدْ يَهْتَدِي وَقَدْ يَضِلُّ.
o لا يدل عليه قَوْلُه تعالى : { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } فلا يُظنّ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يَقُولَ الِاسْمَ الْمُفْرَدَ، فهَذَا غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { قُلِ اللَّهُ } مَعْنَاهُ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى . وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ : { قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ } أَيْ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، رَدَّ بِذَلِكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ : { مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى } ثُمَّ قَالَ : { قُلِ اللَّهُ } أَنْزَلَهُ ثُمَّ ذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ { فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }.
o مِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْفَاسِدَة:
الْخُرُوجُ عَنْ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ إلَيْنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْبِدَعَ هِيَ : مَبَادِئُ الْكُفْرِ، وَمَظَانُّ الْكُفْرِ، كَمَا أَنَّ السُّنَنَ الْمَشْرُوعَةَ هِيَ : مَظَاهِرُ الْإِيمَانِ وَمُقَوِّيَةٌ لِلْإِيمَانِ
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هذا وقد انتشرت رسالة جوال قريبة من هذا ولكن – لأنها رسالة جوال – مختصرة، بنحو هذا:
(لا إله إلا الله) جميع حروفها جوفية ويحتاج قائلها أن يأتي بها من جوفه وهو القلب وليس فيها حرف منقوط إشارة إلى التجرد
(لا إله إلا الله) اثنا عشر حرفا بعدد أشهر السنة منها أربعة حرم وهي عدد حروف لفظ الجلالة
أسأل الله أن تكن [كذا] (لا إله إلا الله) نبض قلبك وسعادة حياتك وخاتمة عملك

والرد عليها في الرابط التالي
يُضغط هنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - هكذا في المواقع، ولا يوجد آية بهذا السياق في القرآن الكري
م.
[2] - رواه الطبراني في "الكبير" والإمام أحمد وغيرهما رحمهم الله، وصححه الوالد رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1803).

حُجّة في قضاء النوافل

نص الرسالة
الفرقان62
حجة في قضاء النوافل
قاله الحافظ القصاب، وينظر تفسير الطبر
ي
~~~~~~~~~~~~~
الآية هي قوله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (الفرقان: 62)
وهذا النص عن الحافظ القصاب رحمه الله هو في كتابه "نكت القرآن" (3/ 512)
ونجد في "تفسير الطبري" –كما أرشدنا المحقق -:
" اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } :
1،، فقال بعضهم: معناه: أن الله جعل كل واحد منهما خلفًا من الآخر، في أن ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه لله، أدرك قضاؤه في الآخر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، عن شقيق قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: فاتتني الصلاة الليلة، فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر، أو أراد شكورًا.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } يقول: مَن فاته شيءٌ مِن الليل أن يعمله؛ أدركه بالنهار، أو مِن النهار؛ أدركه بالليل.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال: جعل أحدهما خلفًا للآخر، إن فات رجلاً مِن النهار شيء؛ أدركه من الليل، وإن فاته من الليل؛ أدركه من النهار.
2،، وقال آخرون: بل معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفًا صاحبه، فجعل هذا أسود وهذا أبيض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال: أسود وأبيض.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن عمر بن قيس بن أبي مسلم الماصر، عن مجاهد{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال: أسود وأبيض.
3،، وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن كل واحد منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب هذا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا قيس، عن عمر بن قيس الماصر، عن مجاهد، قوله: { جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال: هذا يخلف هذا، وهذا يخلف هذا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قال: لو لم يجعلهما خلفة لم يدر كيف يعمل؟ لو كان الدهر ليلاً كله كيف يدري أحد كيف يصوم؟ أو كان الدهر نهارًا كله كيف يدري أحد كيف يصلي؟.
قال: والخلفة: مختلفان، يذهب هذا ويأتي هذا، جعلهما الله خلفة للعباد، وقرأ: { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} والخلفة: مصدر، فلذلك وحدت، وهي خبر عن الليل والنهار; والعرب تقول: خلف هذا من كذا خلفة، وذلك إذا جاء شيء مكان شيء ذهب قبله".
إلى قوله:
"وقوله: { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ } يقول تعالى ذكره: جعل الليل والنهار، وخلوف كل واحد منهما الآخر حجة وآية لمن أراد أن يذكَّر أمرَ الله، فينيب إلى الحق { أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } أو أراد شكر نعمة الله التي أنعمها عليه في اختلاف الليل والنهار". ا.هـ مِن "تفسير الطبري" (19/ 290 – 292).
والحمد لله رب العالمين

جدول دورة إمام الدعوة السلفية الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله




رابط الاستماع للدروس - في مواعيدها -

الدعاءُ نِعمة


جواب العلامة عبيد الجابري حفظه الله عن مسألة في تربية البنات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
سألتُ فضيلة العلامة عبيد الجابري حفظه الله السؤال التالي:
تقول بعض الداعيات المهتمات بمسألة التربية أن على الأم إذا لمست من ابنتها حُبَّها لمسألةٍ محرمة كاللبس المخالف للشرع مثل البنطال -ونحوه من الضيق والعاري – أن عليها أن لا تمنع شراء البنطال، وتسمح لابنتها بلبسه في غرفةٍ لوحدها، فيكون المنع هو لظهورها أمام النساء به مثل صاحباتها وجاراتها.. إلخ، أما المنع الكلّي فهذا يولّد ضغطًا على البنت فتكون معقّدة نفسيًا.
ما رأيكم بارك الله فيكم؟
فأجاب أحسن الله إليه:
نسأل الله السلامة!
يا بنتي! أهل السُّنّة يَبْنون فتاويهم على الكتاب والسُّنّة وعلى فهم السلف الصالح، ولا يأتون بفتاوى مِن تلقاء أنفسهم، ولا يستندون إلى محضِ الرأي والعقل، فهذا القول الذي حكيتِه لي مصدرُه علماءُ النفس فيما يظهر لي، وعلماء النفس والاجتماع غالبهم - حسب ما ظهر لي- لا ينطلقون مِن المنظور الشرعي، وإنما من منظور العاطفة والعقلانية، وهذا هو منشأ الضلال؛ لأنهم يُنزلون الناس عن المنظور الشرعي في التربية، والمنظور الشرعي -كما قد بيّنتُ- قائمٌ على الكتاب والسنة وعلى فهم السلف الصالح،
وهذا هو ما مضى عليه السلف والخلف مِن أهل الإيمان في الدين وجلالة القدر والسابقة في الفضل مِن عوامّ المسلمين وخواصهم.
وقد حذّر الأئمة مِن الاعتماد على الرأي، مِن ذلكِ:
قولُ الفاروق رضي الله عنه:
"إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"
[1].
وقال الشعبي:
"إِيَّاكُمْ وَالْمُقَايَسَةَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَئِنْ أَخَذْتُمْ بِالْمُقَايَسَةِ؛ لَتُحِلُّنَّ الْحَرَامَ، وَلَتُحَرِّمُنَّ الْحَلاَلَ، وَلَكِنْ مَا بَلَغَكُمْ عَمَّنْ حَفِظَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فَاعْمَلُوا بِهِ"
[2].
هذه نتيجة الرأي والعقلانية، نتيجتُها أنّ الإنسان يُحلل ويحرّم مِن تلقاء نفسه، نسأل الله السلامة.
وقد تلقّى هذا بعضُ مَن ينتسب إلى الدعوة رجالاً ونساء، لأنهم لا يَرون في النصوص الكفاية، وإنما يعوّلون على الرأي ومجاراة آراء عامة الناس، ولذلك؛ فإنهم يُضلّون غيرَهم، ويَضلّون هم أنفسُهم.
وهذا كلُّه وأمثالُه مِن إفرازات قاعدة المعذرة والتعاون: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)، ولهذا؛ تجدين مَن يسلك هذه القاعدة يحلل أشياء مِن أجل أشياء! يعني لا يسلكون مسلك الشرع، ونُظّارُ الإخوان المسلمين هم على هذا، فهذه القاعدة تدخل في كل شيء.
السنّي والرافضي وصاحب وحدة الوجود... على حدّ سواء، تجدين الموحّد الذي يقول بالتوحيد إلى جانب المشرك! فهم على حدّ سواء؛ لأنهم يهتمون بما يوحّد الصف ويجمع الكلمة، ولا يهتمون بالتصفية في التربية.
التربية: هي التنشئة على محابّ الله ومراضيه، وأساسُها التوحيد، ثم سائر الطاعات من واجبات ومندوبات.
التصفية: تنقيةُ العبادة مِن الشرك وما دونه.
فهؤلاء يهتمّون بالتربية دون التصفية.
يقول القرضاوي: يجوز التنازل لأجل توحيد الكلمة ولو وصل التنازل إلى الشرك!
ويستدل بقوله تعالى في سورة طه
[3]:
{قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} !
وهذه قد أبان المقصودَ منها آيةُ الأعراف
[4]:
{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي}.
فهو يأخذ آيةً ويدع أخرى، وهكذا كلُّ صاحبِ هوى، فانظري إلى هذه الداعية: ماذا نفثت في أذهان المستمعات؟!
فهي إما جاهلة ليس عندها تمييز فيما تقوله للناس، ليس عندها فرقان يؤهلها للنظر في الأقوال.
أو صاحبة هوى تجاري رغبات الناس.
فبلغي أخواتك مني السلام وليحذرنها.

انتهى جوابه حفظه الله، وقد كتبتُه خلالَ إلقائه دون تسجيلٍ، ثم إنه - جزاه الله خير الجزاء - أعاد الجوابَ كي أسجّله:

رابط تنزيل الجواب الصوتي

وها هو تفريغه:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فإنّ أهلَ السّنّة هم أنصحُ الناسِ للناس، وهم أنفعُ الناس للناس، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية[5] رحمه الله:
هم أعرف الناس بالحق، كما أنهم أرحم الناس بالخلق.
وذلكِ – يا بنتي! – لأهم يَبْنون دعوتَهم الناس إلى ما يَصلح به حالُهم ومآلُهم، ويَسعدون به في دنياهم وأخراهم؛ مبنية على الكتاب والسُّنّة، وعلى فهم السلف الصالح، وأساسُ السلف الصالح هم: الصحابة رضي الله عنهم، ثم أئمة التابعين، مثل: الشعبي عامر بن شراحيل، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وغيرِهم، ثم مَن سار على نهجِ الصحابة وأئمةِ التابعين، كالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المحترمة المتبوعة، والسفيانين والحمادين وغيرهم، ممن صلُحتْ عقيدتهم، وصلُح منهجُهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وليس للرأي عندهم مجال، بل يقولون للناس: قال الله وقال رسوله؛ لأن الوحيين - وهما الكتاب والسُّنّة- لم يَتعبّدِ اللهُ سبحانه وتعالى الخلقَ بغيرهما.
وإجماعُ الأئمة المجتهدين مِن علماء الشرع على أمْرٍ ديني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرٍ مِن العصور؛ فهو مستندٌ على نصوصِ الكتابِ والسُّنّة.
وما ذكرتِه عن هذه الداعية ليس له مِن الكتاب ولا مِن السُّنّة ولا مِن عملِ السلف الصالح ما يسنده، بل هو مبنيّ على فلسفةِ عِلْمَيِ النفس والاجتماع، وعلمُ النفسِ وعلمُ الاجتماع إذا خلا مِن الكتاب والسُّنّة؛ فإنه يَنْفلِت، ويطيش أهلُه عن الصواب، فالكثيرُ منهم جُهّال مِن حيث النظر في الدعوة إلى الكتاب والسُّنّة، فهذه لا تصلح أن تكون داعية، فهي جاهلة، فلا يوثَق منها في التربية، ولا في التعليم، فبلّغي أُخيّاتك مني السلام، وأن يحذرنها ما دام هذا هو مسلكَها ومنهجَها؛ تبني دعوتَها بناتِ جنسِها مِن المسلمات على الفلسفات مِن علم النفس والاجتماع.
وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهى جوابه بارك الله في علمه وعمله

تاريخ الفتوى: صباح الأحد 5/ ربيع الأول/ 1430 هـ

ـــــــــــــــــــ


[1] - "سنن الدارقطني" (4/ 146)
[2] - "سنن الدارمي" (109)
[3] - الآية 94
[4] - الآية 150
[5] - "منهاج السّنة النبوية" (5/ 158).