معاني العبادات: الرّغبة والرّهبة والخشوع - مِن "حاشية ثلاثة الأصول"


نصّ رسالة الجوّال


34- ما الدليل علىٰ أنّ الرغبةَ والرهبةَ والخشوعَ عباداتٌ؟
وما معنىٰ كلٍّ منها؟
وما حُكْمُ صَرْفِها لغَير الله؟


البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(ودَلِيلُ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْخُشُوعِ*:
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا** رَغَبًا وَرَهَبًا*** وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ****} (الأنبياء:90) [1]). 
جاء في "حاشية ثلاثة الأصول" ص53 و54:
"* وَأَنَّهَا عِبَادَاتٌ قَلْبِيَّةٌ، مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ.
وَصَرْفُهَا لِغَيْرِ اللهِ: شِرْكٌ أَكْبَرُ.
وَالرَّغْبَةُ: السُّؤَالُ وَالطِّلَبُ، وَالابْتِهَالُ وَالتَّضَرُّعُ[2].
وَالرَّهْبَةُ: الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ[3].
وَالْخَشُوعُ: التَّطَامُنُ[4] وَالتَّذَلُّلُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْخُضُوعِ، إلا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدْنِ، وَالْخَشُوعَ فِي الْقَلْبِ وَالْبَصَرِ وَالصَّوْتِ.
** يعَنِْي: الأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فِي هٰذِهِ السّورَةِ يُبَادِرُونَ وَيُسَابِقُونَ فِي عَمَلِ الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ.
*** {رَغَبًا} فِي رحمَةِ اللَّه، {وَرَهَبًا} مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
**** خَاضِعِيْنَ مُتَذَلِّلِينَ، فَدَلَّتِ الآيَةُ عَلَىٰ أَنَّ هٰذِهِ الثَّلاثَةَ الأَنْوَاعَ مِنْ أَجَلِّ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، فَمَنْ صَرَفَ شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ" اﻫ.


[1] - قال العلامة السعدي -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسير هٰذه الآية:
"ولما ذكر هٰؤلاء الأنبياءَ والمرسلين، كُلاًّ على انفرادِه- أثنىٰ عليهم عمومًا فقال:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يُبادِرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويُكمِّلونها على الوجهِ اللائق الذي ينبغي، ولا يَتْركون فضيلةً يَقْدِرون عليها إلا انتَهَزوا الفرصةَ فيها.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} أي:
- يَسألوننا الأمورَ المرغوبَ فيها، مِن مصالحِ الدنيا والآخرة.
- ويَتعوَّذون بنا مِن الأمورِ المرْهوبِ منها، مِن مَضارِّ الدَّارَين.
وهم راغِبون راهِبون، لا غافِلون لاهُون، ولا مُدِلُّون.
{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} أي: خاضِعين متذلِّلين متضرِّعين؛ وهٰذا لِكَمالِ معرفتِهم بربِّهم" اﻫ مِن "تيسير الكريم الرحمٰن" ص 530.
[2] - قال الإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
"وَمِنْ مَنَازِلِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5):
مَنْزِلَةُ الرَّغْبَةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (الأنبياء: 90).
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّغْبَةِ وَالرَّجَاءِ:
أَنَّ الرَّجَاءَ طَمَعٌ.
وَالرَّغْبَةُ طَلَبٌ.
فَهِيَ ثَمَرَةُ الرَّجَاءِ، فَإِنَّهُ إِذَا رَجَا الشَّيْءَ؛ طَلَبَهُ.
وَالرَّغْبَةُ مِنَ الرَّجَاءِ كَالْهَرَبِ مِنَ الْخَوْفِ، فَمَنْ رَجَا شَيْئًا؛ طَلَبَهُ وَرَغِبَ فِيهِ. وَمَنْ خَافَ شَيْئًا؛ هَرَبَ مِنْهُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّاجِيَ طَالِبٌ، وَالْخَائِفَ هَارِبٌ" اﻫ مِن "مدارج السالكين" (2/ 251، ط 2، 1429 ﻫ، دار طيبة).
[3] - قال العلامة ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
"وَأَمَّا الرَّهْبَةُ فَهِيَ الإِمْعَانُ فِي الْهَرَبِ مِنَ الْمَكْرُوهِ.
وَهِيَ ضِدُّ الرَّغْبَةِ الَّتِي هِيَ: سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ.
وَبَيْنَ الرَّهَبِ وَالْهَرَبِ تَنَاسُبٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَىٰ، يَجْمَعُهُمَا الاشْتِقَاقُ الأَوْسَطُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ تَقَالِيبِ الْكَلِمَةِ عَلَىٰ مَعْنًى جَامِعٍ" اﻫ مِن "مدارج السالكين" (2/ 138، مصدر سابق).
[4] - "(تَطَأْمَن يتطأمَن تطأمُنًا) الشيءُ: انخفضَ، أي تطامن، وهو مقلوب (تطَمْأَن) أي سَكن وهَدَأ وشَعَر بالطُّمأنينة" اﻫ مِن "الهادي إلىٰ لغة العرب" (3/ 131، ط1، 1412ﻫ، دار لبنان).