أيُّ البُلْدانِ بَلَدُهُ عليه الصلاة والسلام؟ وأَيُّها مُهَاجَرُهُ؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

88- أيُّ البُلْدانِ بَلَدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ؟ وأَيُّهَا مُهَاجَرُهُ[1]؟

البيان
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتم رسل الله، أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَبَلَدُهُ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] مَكَّةُ*، وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ**).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* وُلِدَ بِهَا فِي شِعْبِ عَلَيٍّ[2]، وَنَشَأَ بِهَا، إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ وَهُوَ مَعَ مُرْضِعَتِهِ السَّعْدِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ[3]، ثَمَّ رَجَعَ إِلَيهَا فِي حَضَانَةِ جَدِّهِ[4]، ثَمَّ عَمِّهِ[5].
وَأُوْحِيَ إِلَيْهِ بِهَا، وَبَقِيَ بِهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ.
** بَعْدَ أَنْ هَمُّوْا بِقَتْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[6]، فَتَغَيَّبَ فِي الْغَارِ[7]، ثُمَّ سَارَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَايَعُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْرَةِ وَالْمُؤَازَرَةِ[8].
وَأَرَّخَتِ الْأُمَّةُ مِنْ مُهَاجَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[9]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 106.

الخميس 6 ذي القعدة 1434


[1] - جاء في حديثِ قصةِ إسلامِ سَلمان الفارسيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- المشهورة قولُ صَاحِبِ عَمُورِيَّةَ له: "... قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ إِلَىٰ أَرْضِ سَبَخَةٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلامَاتٍ لَا تَخْفَىٰ: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَخْلُصَ إِلَىٰ تِلْكَ البِلَادِ فَافْعَلْ .." وصحَّح إسنادَها أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "صحيح السيرة النبوية" (ص 13، ط1، 1421ﻫ، المكتبة الإسلامية - عمّان):
[2] - هٰذا اسمُه المعروف في عصرنا، واسمُه في كُتب السِّير: شِعْبُ بَنِي هَاشِم، يُنظر مثلًا: "إمتاع الأسماع" للعلّامة المقريزي (1/ 3، ط2، الشؤون الدينية بدولة قطر).
[3] - قال العلَّامة المقريزي: "فأقام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند حَلِيمةَ في بَني سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بن خَصَفةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ نحوًا مِن أربعِ سنين" اﻫ من "الإمتاع" (1/ 6، مصدر سابق)، وذكر غيرُه غيرَ ذٰلك مِن الْمُدَد.
[4] - "قَالَ ابْنُ اسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ -يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ-" اﻫ  مِن "البداية والنهاية" (3/ 430، ط دار هجر).
[5] - "قَالَ ابْنُ اسْحَاقَ: ... وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِوَصِيَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَهُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ شَقِيقَ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ، أُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ، قَالَ: فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ هُوَ الَّذِي يَلِي أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ" اﻫ  مِن "البداية والنهاية" (3/ 432، مصدر سابق).
[6] - قال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّٰهُ وَاللّٰهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾ (الأنفال).
[7] - قال تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّٰهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللّٰهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾ (التوبة).
[8] - في بَيعَتي العَقَبةِ، يُنظر "فقه السيرة" بتحقيق أبي رَحِمَهُ اللهُ (ص 146 - 153، ط4، 1409ﻫ، دار القلم - دمشق).
[9] - قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: 
"اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ -وَقِيلَ: سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ- فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ عَلَىٰ جَعْلِ ابْتِدَاءِ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَذٰلِكَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رُفِعَ إِلَيْهِ صَكٌّ، أَيْ حُجَّةٌ، لِرَجُلٍ عَلَىٰ آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ شَعْبَانَ؟ أَشَعْبَانُ هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، أَوِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، أَوِ الْآتِيَةِ؟ ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي وَضْعِ تَأَرِيخٍ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ حُلُولَ الدُّيُونِ، وَغَيْرَ ذٰلِكَ، فَقَالَ قَائِلٌ:
أَرِّخُوا كَتَارِيخِ الْفُرْسِ. فَكَرِهَ ذٰلِكَ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ يُؤَرِّخُونَ بِمُلُوكِهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ. وَقَالَ قَائِلٌ:
أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ. وَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِمُلْكِ إِسْكَنْدَرَ بْنِ فِيلِيبسَ الْمَقْدُونِيِّ، فَكَرِهَ ذٰلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ:
أَرِّخُوا بِمَوْلِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ بِمَبْعَثِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ بِهِجْرَتِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ:
بَلْ بِوَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فَمَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى التَّأْرِيخِ بِالْهِجْرَةِ؛ لِظُهُورِهِ وَاشْتِهَارِهِ، وَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" [3934]: التَّارِيخُ وَمَتَىٰ أَرَّخُوا التَّارِيخَ؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: (مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ)" اﻫ مِن "البداية والنهاية" (4/ 510 و 511، مصدر سابق).
وقال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ: 
"وَقَدْ أَبْدَىٰ بَعْضُهمْ لِلْبَدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَةً فَقَالَ:
كَانَتِ الْقَضَايَا الَّتِي اتَّفَقَتْ لَهُ، وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَةً:
مَوْلِدَهُ، وَمَبْعَثُهَ، وَهِجْرَتَهُ، وَوَفَاتَهُ.
فَرَجَحَ عِنْدَهمْ جَعْلُهَا مِنَ الْهِجْرَة؛ لِأَنَّ:
الْمَوْلِدَ وَالْمَبْعَثَ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنَ النِّزَاعِ فِي تَعْيِينِ السَّنَةِ.
وَأَمَّا وَقْتُ الْوَفَاةِ فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنَ الْأَسَفِ عَلَيْهِ.
فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة.
وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ، وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَىٰ مَا وَفَقْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ" اﻫ مِن "فتح الباري" (6/ 315، ط 3، 1407ﻫ، المطبعة السلفية).