الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين
أما بعد
فهذا البريد له أكثر من عنوان، وكل عناوينه تدور حول مسألة أن عليكم أن (تغيروا قناعاتكم، وتكسروا حديد المستحيل)!، هذه خلاصتها، وفيما يلي سطور سريعة في الردّ:
تأمّلي هذا الذي المرسَل:
هل فيه ذكرٌ لفضل الله تبارك وتعالى وأنه هو الوهاب، المنان، الذي بقدرته:
فتح على تلك فيسّر لها الحفظ
وعلى ذاك ففهم
وقوّى ذاك فسبق
؟!!
هل فيه تجديد عهد بـ
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة : 5]
؟!!
أين ربط القلب بـ:
(لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله)
؟!!
ثم
هذا الذي قطع في أقلّ مِن أربع دقائق، هل يمكن أن يقطع في ثانية؟!
وتلك هل يمكن أن تَحفظ في يوم؟!!
وذاك هل يمكن أن يَحلّ تلك المسألة من أول وهلة؟!!
فهل بعد هذا ننفي وجودَ مستحيل علينا معشر البشر
لابد مِن بقاء المستحيل علينا
وذلك خيرٌ لنا؛ لنعلم ضعفنا بل وعجزنا
ولا نقف عند ذلك بل
نتعبد لله تبارك وتعالى بهذا العلم
ونثني عليه عز وجلّ وتبارك وتقدّس بما هو أهل له من عظيم القوة والهيمنة والجبروت والقدرة المطلقة
فهو
وحده
القادر على كل شيء
وأكرِم بهذا العلم!
إذ لأجله خلق الله عز وجل السموات والأرض
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وأما الحق الذي هو غاية خلقها [أي السموات والأرض وما بينهما] فهو غايةٌ تراد مِن العباد، وغايةٌ تُراد بهم؛ فالتي تراد منهم:
أنْ يَعرفوا اللهَ تعالى وصفاتِ كمالِه عز وجل
وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا
فيكون هو وحده إلٰهَهَم، ومعبودَهم، ومطاعَهم، ومحبوبَهم.
قال تعالى:
{اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]
فأخبر أنه خَلَقَ العالَمَ ليَعْرِفَ عبادُه كمالَ قدرتِه وإحاطةِ عِلمه، وذلك يستلزم معرفتَه، ومعرفةَ أسمائه وصفاته، وتوحيده".
ا.هـ "بدائع الفوائد" (4/ 164).
فالمراد من العبد أن يعرف كمالَ قدرة الخالق سبحانه، لا قدرته هو!
وإذا وقف على ما لديه من قدرة؛ أيقن أنها فضلٌ منه سبحانه وتعالى، فيستعين به ليَبْلغه.
فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ)
ولا نقف
لأن الواقع أننا نعجز عن كثير من الأمور
فيأتي الميزان الشرعي بتتمة الحديث:
(وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ؛ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) "صحيح مسلم" (2664)
والموضوع يطول الرد عليه
لا سيما أنه بمثل هذه الأفكار تُمرر على القرّاء مصيبة البرمجة اللغوية العصبية، نعوذ بالله منها ومما تؤول إليه مِن تأليه ذات العبد!
كما تمرر مصيبة إشغال العقول بالقصص، وما أضعف القلوب شغفًا بها!
ولكن لعل الإشارة تكفي
والله المستعان.
***
ملحوظة: أرسلتُ نحو ذاك الردّ إلى إحدى الأخوات قبل شهور، ثم طلبتْ - مِن قريب- أختٌ أخرى الردّ، فأرسلتْ لي نحوَ هذا البريد، ولكنه معدّل؛ إذ إنه خُتم بإشارةٍ إلى التوكل، وذكروا (المؤمن القوي) الحديث!
فأقول: يبقى المقال غير سالم؛ لأن مقصوده واضح من عنوانه / عناوينه، وأن (العقل) وما فيه من (قناعات) هو الذي (يتحكم) في (نجاح) صاحبه أو (إخفاقه)!
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [يونس : 31]
ولا زال قوامه قصصًا
ولم ينفك عن فكرة إنكار المستحيل والحدود في حق البشر
فليس الشأنُ نصوصًا شريفة تُكتبُ، والعبوديةُ بالانقياد لها لونٌ آخر غير المذكور!
اللهم! اهدِنا وسدِّدْنا
اللهم! إنّا نسألُكَ الهُدى والسَّداد
آمين