بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتمِ رسُلِ الله.
أمّا بعد
قال أبي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ- خلال شرحه ﻟ (25- كتاب الجنائز وما يتقدمها/ 3 - الترغيب في الصبر سيما لمن ابتُليَ في نفسه أو ماله، وفضل البلاء والمرض والحمىٰ وما جاء فيمَن فقد بصره/ 3414) مِن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
"ثم الحديث التالي صحيحٌ أيضًا وهو قوله:
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
«مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ؛ حَتَّىٰ يَلْقَى اللهَ تَعَالَىٰ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»[1].
|
في هٰذا الحديثِ نوعٌ جديدٌ مِن الإخبار ومِن البشائرِ بالنسبة للمسلم الذي لا تزال المصائبُ والبلايا تَنتابُهُ وتُصيبُه، فإذا كان شأنُ المسلم كذٰلك فمعنىٰ ذٰلك أنه بشارة مِن الله عَزَّ وَجَلَّ أنه إذا صَبَر علىٰ ذٰلك وتَلقَّىٰ تلك المصائبَ بالرِّضا، واحتَسَبَها عند اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أن يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وليس عليه خطيئة.
الأحاديث السابقة كلُّها تُدَنْدِنُ حولَ أنَّ المصيبةَ يُقابِلها: تكفيرُ سيّئةٍ ورفْعُ درجة، أمَّا هٰذا الحديثُ فيُعطينا مَعنًى جديدًا، وهو: أنّ المسلمَ إذا استمرَّ البَلاءُ نازلاً فيه على اختلافِ أشكاله وأنواعه:
๑ في ماله: أن يَنقص مالُه، أن يَحترق، أن يُسْرَق.
๑ وأن يُصاب بأولادِه: إمَّا مَوتًا، وإمَّا مرضًا يكلِّفُه التَّعبَ والنَّصَبَ والرَّكض وراءَ مُعالَجتِه.
كلّ ذٰلك يكون سببًا لأنْ تُمْحىٰ عنه خطاياه كلُّها، فيَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وليس في صحيفته خطيئة!
وبهٰذه المناسبة أقول:
لَمَّا ذَكَر في هٰذا الحديث أنه يصاب في ماله؛ فينبغي أن تَعْلموا أنَّ ما يُقال أنَّ (المال الحلال لا يَغرَق ولا يُحْرَق)؛ هٰذا الكلام غيرُ صحيح شرعًا؛ لأنَّ ذَهابَ المال وغَرَقَهُ وسَرِقَتَهُ كلُّ ذٰلك نوعٌ مِن أنواعِ البلاء الذي يُصاب به المسلم، فيُكتب له هٰذا الثواب وهٰذا الأجر، فليس ينبغي أن نقول أن (المال الحلال لا يُغرَق ولا يُسْرَق)، هٰذا كلام جُهَّال بطبيعةِ الحال.
والله عَزَّ وَجَلَّ يقول في الآية المعروفة:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155)، فالصَّابرون يُصابُون في أموالهم أيضًا! وليس معنىٰ أنهم إذا أُصيبوا في أموالهم تكون أموالُهم محرَّمةً مُكتسَبةً بطُرُقٍ غيرِ مشروعة! لا، لا تلازُمَ بين الأمرين أبدًا؛ فقد يُحْرَق المالُ الحلال، وقد يُصَان المالُ الحرام، كلُّ ذٰلك ابتلاءٌ مِن الله عَزَّ وَجَلَّ، كما قال:
{وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء: من الآية 35)، أي امتحانًا مِن الله، يكون بالخير ويكون بالشّر، فإذا فرضنا مثلاً -وهٰذا في الواقع مما يُفْتَتن به كثيرٌ مِن الناس، ثم لا يَنجحون في فِتنتهم وابتلائهم!-: قد يَقَع حريقٌ مثلاً، فتَحترق دُكَّان ولا تحترق التي بجنبها، ثم تُحْرَق التي بجنبِها الآخر، فيظنُّ بعضُ الناس أنّ التي سَلِمَتْ: مالُها حَلال، والتي احترقتْ -يُمنىٰ ويُسرىٰ-: مالُها حرام! هٰذا ليس بصحيح إطلاقًا، قد يكون العكس تمامًا: قد تكون الدُّكان التي احترقت مالُها حلال، وهٰذا ابتلاءٌ مِن الله، وقد تكون الدُّكان التي لم تحترق مالها حرام بالمئة مئة، ولم تحترق؛ فهٰذا مِن جملةِ الابتلاء، بالخير والشرّ، لذٰلك؛ لا يذهب وَهَلُ أحدِكم إلىٰ أنّ احتِراقَ المالِ دليلٌ علىٰ أنه اكتُسب بطريقِ الحرام، أو عدمَ احتراقِه دليلٌ علىٰ أنه اكتُسِب بطريقٍ حلال، لا، كلُّ ذٰلك لا يَطَّرِد، قد يكون هٰكذا وقد يكون هٰكذا" اﻫ مِن "شرح الترغيب والترهيب" (الشريط 80/ ب/ نهاية الدقيقة الأولىٰ)[2].
الإثنين 15 ربيع الآخر 1434ﻫ
