الحمد لله، والصلاة
والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمَّا بعد:
قال الشيخ عبد الرحمن
السعديّ رَحِمَهُ اللهُ:
"ومن ذلك: دعاءُ آدمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حين تاب إلى اللهِ وتلقَّى منه هذه الكلماتِ هو
وزوجُه:
﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (32)﴾
[الأعراف].
فتوسَّلا
بـ:
▪ ربوبيِّةِ اللهِ.
▪ واعترافِهم بالظلم.
▪ وإقرارهم بالذنب.
أن:
▫ يغفر لهما، فيزيل عنهما المكارهَ كلَّها.
▫ وأن يرحمهما فيعطيَهما أنواعَ المطالب.
وأنه
لا وسيلةَ لهما ولا ملجأَ منه إلا إليه، وأنه لئن لم يرحمْهما ويغفرْ لهما؛ خَسِرَا
الدنيا والآخرةَ؛ فقبل اللهُ دعاءهما وغَفر لهما ورحمهما.
ومِثْلُ
قولِ نوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا لامَهُ اللهُ بسؤالِ نجاةِ ابنِه الكافر، الذي
ليس مِن أهله، وأنَّ هذا عملٌ غير صالح، فقال:
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ
أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ
مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)﴾ [هود].
فتوسَّل
بربوبيَّةِ اللهِ، واستعاذ به أن يَسأله سؤالًا ليس له به عِلم، وإنما حَمَلَه عليه
مجردُ مَحبةِ النفْس، لا إرادةُ رضى الله، واعترف بأنَّ هذا الذي جرى منه يوجِب التضرُّعَ
والاستغفار، وأنه إن لم يَغفرْ له ربُّه ويرحمْه؛ كان مِن الخاسرين. فالناس قسمان:
رابحون: وهم
الذين تغمَّدهم اللهُ بمغفرتِه ورحمته.
وخاسرون: وهم
الذين فاتتْهم المغفرةُ والرحمة، ولا يحصل ذلك إلا بالله" اﻫ من
"المواهب الربانية" ص131 و 132، ط 1428ﻫ، دار المعالي).
فائدة
الدعاء يأتي بصيغةِ الطَّلَبِ وبصيغةِ الخَبَر
قال شيخ الإسلام ابن
تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:
".. الطَّالِب السَّائِل:
。 تَارَةً يَسْأَلُ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ.
。 وَتَارَةً يَسْأَلُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ:
- إمَّا بِوَصْفِ حَالِهِ.
- وَإِمَّا بِوَصْفِ حَالِ الْمَسْئُولِ.
- وَإِمَّا بِوَصْفِ الْحَالَيْنِ.
كَقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبِّ
إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ
لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فَهَذَا لَيْسَ صِيغَةَ طَلَبٍ،
وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ وَيَرْحَمْهُ
خَسِرَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْخَبَرَ يَتَضَمَّنُ سُؤَالَ الْمَغْفِرَةِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبَّنَا
ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ﴾، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ" اﻫ من "مجموع الفتاوى" (10/
244).
وَمَقَالُنَا ما قَالَهُ الأَبَوانِ قَبْــلُ
قال الإمام ابن القيم
رَحِمَهُ اللهُ:
يا مَن تَعِزُّ عَلَيْهُمُ أَرْوَاحُهُمْ * وَيَرَوْنَ
غَبْنًا بَيْعَهَا بِهَوَانِ
وَيَروْنَ خُسْرانًا مُبِيْنًا بَيْعَهَا * في إِثرِ
كُلِ قَبِيْحَةٍ وَمُهَانِ
وَيَرَوْنَ مَيْدَانَ التَّسَابُقِ بَارِزًا * فَيُتَارِكُونَ
تَقَحُّمَ المَيْدَانِ
وَيَرَوْنَ أَنْفَاسَ العِبَادِ عَلَيْهِمُ * قَدْ
أُحْصِيَتْ بالعَدِّ والحُسْبَانِ
وَيَرَوْنَ أَنَّ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اللِّقَا *
للهِ مَسْأَلَتَانِ شَامِلَتَانِ
ماذا عَبَدْتُمْ ثُمَّ ماذَا قَدْ أَجبْـ * ـتُمْ
مَن أَتَى بالحَقِ والبُرْهَانِ
هيُّوا جَوابًا لِلسُّؤالِ وَهَيِّئُوا * أَيْضًا
صَوَابًا لِلْجَوابِ يُدَانِي
وَتَيَقَّنُوا أَنْ لَيْسَ يُنْجِيْكُمْ سِوَى *
تَجْرِيْدِكُم بِحَقَائِقِ الإِيْمَانِ
تَجْرِيْدُكُم تَوْحِيْدَهُ سُبْحَانَه * عن شِرْكَةِ
الشَيطانِ والأَوْثَانِ
وَكَذَاكَ تَجْرِيدُ اتِّباعِ رَسُولِهِ * عن هَذِهِ
الآراءِ والهَذَيانِ
واللهِ! مَا يُنْجِي الفَتَى مِنْ رَبِهِ * شَيءٌ
سِوَى هَذَا بلا رَوَغَانِ
يَا رَبِّ! جَرِّدْ عَبْدَكَ المِسْكِيْنَ رَا *
جِي الفَضْلِ مِنْكَ أُضَيعَفَ العُبْدَانِ
لم تَنْسَهُ وَذَكَرْتُه فاجْعَلْهُ لَا * يَنْسَاك
أنْتَ بَدَأْتَ بالإِحْسَانِ
وَبِهِ خَتَمْتَ فَكُنتَ أَوْلَى بالجَمِيْـ * ـلِ
وبالثَّنَاءِ مِنَ الجَهُولِ الجَانِي
فالعَبْدُ لَيْسَ يَضِيْعُ بَيْنَ فَواتِحٍ *
وَخَوَاتِمٍ من فَضْلِ ذِي العِرْفَانِ
أَنْتَ العَلِيْمُ بِهِ وَقَدْ أَنْشَأْتَهُ * مِنْ
تُرْبَةٍ هِيَ أَضْعَفُ الأَرْكَانِ
والضَّعْفُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْنَا مِن جَمِيْـ *
ـع جِهَاتِنا سِيَمَا مِن الإِيمانِ
يا رَبِّ! مَعْذِرةً إِلَيْكَ فَلَمْ يَكُنْ * قَصْدُ
العِبَادِ رُكُوبَ ذَا العِصْيَانِ
لَكِنْ نُفُوسٌ سَوَّلَتْهُ وَغَرَّهَا * هَذَا
العَدُوُّ لَهَا غُرُوْرَ أَمَانِي
فَتَيَقَنْتْ يَا رَبِّ! أَنَّكَ واسِعُ الـ * ـغُفْرانِ
ذُوْ فَضْلٍ وَذُو إحْسَانِ
وَسَعَتْ إلى الأَبَوَيْنِ رَحْمَتُكَ الَّتِي *
وَسِعَتْهُمَا فعَلَا بِكَ الأَبَوَانِ
هَذَا ونَحْنُ بَنُوهُمَا وحَلُوْمُنَا * في جَنْبِ
حِلْمِهمِا لَدَى المِيْزَانِ
جُزْءٌ يَسِيْرٌ والعَدُوُ فَوَاحِدٌ * لَهُمَا
وَأَعْدَانَا بلا حُسْبانِ
وَمَقَالُنَا ما قَالَه الأَبَوانِ قَبْـ * ـلُ
مَقَالَةَ العَبْدِ الظَّلُومِ الجَانِي
نَحْنُ الأُلَى ظَلَمُوا وإنْ لَمْ تغفر الـ * ـذَنْبَ
العَظِيْمَ فَنَحْنُ ذُوْ خُسْرَانِ
يَا رَبِّ! فانْصُرْنَا على الشيطان ليـ * ـسَ لَنَا
بِهِ لَوْلَا حِمَاكَ يَدَانِ
"الكافية الشافية في الانتصار
للفرقة الناجية" الأبيات (4145 – 4162).
الثلاثاء 11 رمضان
1438هـ