حُكم التَّخَتُّم بالحديد
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ للهِ وَحْدَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ مَن لا نبيَّ بَعْدَه
أما بعد
فقد حسّن الوالد رَحِمَهُ اللهُ حديثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَىٰ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ خَاتَمًا (في رواية: أنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ) مِنْ ذَهَبٍ، فَأَعْرَضَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] عَنْهُ، [فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ كَرَاهِيَتَهُ؛ ذَهَبَ] فَأَلْقَاهُ، وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ [فَلَبِسَهُ]، قَالَ: [وَأتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقَالَ:
(هٰذَا أَشَرُّ؛ هٰذَا حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ).
[فَرَجَعَ، فَطَرَحَهُ] فَأَلْقَاهُ، وَاتَّخَذَ (في رواية: وَلَبِسَ) خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَسَكَتَ عَنْهُ [النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ].
رواه الإمام أحمد في "مسنده" (6518 و 6680)، والإمام البخاري في "الأدب المفرد" (1020).
قال أبي رَحِمَهُ اللهُ معلقًا على الحديث:
("تنبيه": أفاد الحديثُ تحريمَ خاتم الحديد؛ لأنه جَعَله شرًّا مِن خاتم الذهب، فلا يُغترّ بإفتاء بعضِ أفاضل المفتين بإباحته اعتمادًا منه علىٰ حديث "الصحيحين" أنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل خطب امرأة ليس عنده مهر لها:
«الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ».
وقد خرجتُه في "الإرواء" (1983)؛ فإنّ هٰذا ليس نصًّا في إباحة الحديد، ولِهٰذا قال الحافظ في "الفتح" (10/266):
"اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَىٰ جَوَاز لُبْس خَاتَم الْحَدِيد، وَلا حُجَّة فِيهِ؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الاتِّخَاذِ جَوَازُ اللُّبْس، فَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ وُجُودَه لِتَنْتَفِعَ الْمَرْأَةُ بِقِيمَتِهِ".
قلت: ولو فرض أنه نص في الإباحة؛ فينبغي أن يُحمَل علىٰ ما قبل التحريم، جمعًا بينه وبين هٰذا الحديث المحرِّم، كما هو الشأنُ في الجمعِ بين الأحاديثِ المبيحةِ لتحلِّي الرجالِ بالذَّهَبِ والأحاديثِ المحرِّمة لها، وهٰذا بيِّنٌ لا يَخفىٰ إن شاء الله تعالىٰ.
وقد ذهب إلىٰ ما أفاده هٰذا الحديثُ: أحمدُ وابن راهويه رحمهما الله، فقال إسحاق بن منصور المروزي لأحمد: الخاتم مِن ذهب أو حديدي يُكره؟ فقال: إي والله! قال إسحاق: كما قال، كما في "مسائل المروزي" ص 224).
ثم قال:
(وبه قال مالك كما رواه ابن وهب في "الجامع" عنه (101)، وهو قول عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كما في "طبقات ابن سعد" (4/114)، و"جامع ابن وهب" (100)، ورواه عبد الرزاق والبيهقي في "الشعب" كما في "الجامع الكبير" (13/191/1).
ولا مخالفة أيضًا بين الحديث وبين ما رواه مُعَيْقِيبٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
"كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيدًا مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ. قَالَ: وَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِي، فَكَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَىٰ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
رواه أبو داود (2/198) والنسائي (2/290)، بسند صحيح، وله شواهد ثلاثة مرسلة في "طبقات ابن سعد" (1/2/163 – 164)، أوردها الحافظ في "الفتح" (10/265)، وشاهد رابع في "الطبراني" (1/206/2).
أقول: لا مخالفة بينها وبين الحديث؛ لأنه يمكن الجمع بِحَمْلِ المنْع علىٰ ما كان صرفًا، كما قال الحافظ، علىٰ أنّ القولَ مقدَّمٌ على الفعل كما سبق، فالأخذ به أَولىٰ مِنَ الأخذ بحديثِ مُعَيْقِيب عند تعذُّرِ الجمع. والله أعلم) اﻫ. مِن "آداب الزفاف" (218-220).
تنبيهان:
1. النهي عامٌّ؛ يَشمل النساءَ والرجال.
2. النهي خاصٌّ بالخاتم، فتباح سائرُ الحلي الحديدية.
الفتوى الصوتية للوالد من هنــــا
فائدة:
قالت الأستاذة الفاضلة أُمُّ سلمة بنت علي العباسي حفظها اللهُ تعالىٰ:
"بالنسبة لِما شهر في أوساط النساء بما يسمىٰ بالمطلي، أو الكرستال، أو غير ذٰلك مِن الحلي مما ليس من الذهب أو الفضة: فمنه ما هو مصنوع من الحديد، ومنه ما هو مصنوع من الرصاص، ومنه ما مصنوع من النحاس، إلىٰ غير ذٰلك مِن أنواع المعادن المختلفة، ولا يَظهر للعامة تمييز شيء منها، وبما أننا قد عرفنا كراهية لبس الحديد، فنفيد من أراد التنزّه عنه بأحسن ما وقفنا عليه من أصحاب المحلات، وهو أن ذٰلك يُعرف بالمغناطيس، بحيث أن المغناطيس لا يجتذب إلا الحديد حتىٰ ولو كان مطليًّا. هٰذا وبالله التوفيق" اﻫ. مِن "الفتوىٰ في زينة بنت حوَّى" ص87 و88.
~~~