نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)
48- ما هو معنىٰ (لا إلٰه إلا الله) الذي تدلُّ عليه بالْمُطابَقة؟
وكيف نَرُدُّ علىٰ مَن يجعلُ المعنىٰ: لا خالق إلا الله؟
|
البيان
قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَمَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"أَيْ: وَمَعْنَىٰ هٰذِهِ الْكَلِمَةِ الْعَظِيْمَةِ شهادةِ أَنْ لا إِلٰهَ إلا اللهُ:
(لا مَعْبُودَ) أَيْ: لا مَأْلُوهَ (بِحَقٍّ إلا اللهُ) وَحْدَهُ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، بَلْ كُلُّ مَأْلُوهٍ سِوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِلَـٰهِيَّتُهُ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ، وَأَضَلُّ الضَّلالِ، فَفِيهَا نَفْيُ الإلَـٰهِيَّةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، وإِثْبَاتُها لِلّهِ وَحْدَهُ.
وَسِيْقَتْ لِتَوْحِيدِ الإلَـٰهِيَّةِ مُطَابَقَةً، لا كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنّ مَعْنَاهَا: لا يَخْلُقُ وَلا يَرْزُقُ إلا اللهُ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إلا اللهُ؛ فَإِنَّهَا وَإِنْ دَلَّتْ عَلَيه بِطْريقِ التَّضَمُّنِ؛ فَهِي مَوْضُوعَةٌ لِتَوْحِيدِ الإلَـٰهِيَّةِ الَّذِي هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَة، الَّذِي أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ فِي تَقْريرِهِ وَإِيْضَاحِهِ.
وَأَمَّا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ كَأَبِي جَهْلٍ وَأَضْرَابِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ:
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (يونس: من الآية 31) أَيْ: أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُ ذٰلِكَ، وَلَمْ يُنَازِعُوا فِيهِ وَلا امْتَنَعُوا مِنَ الإقْرَارِ بِهِ.
بَلِ احْتَجَّ -تَعَالَىٰ- عَلَيهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ عَلَىٰ تَوْحِيدِ الإلَـٰهِيَّةِ، فَقَالَ:
{فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} (يونس: من الآية 31) أي: الشِّرْكَ بِهِ فِي عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مَعْنَاهَا، وَأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَىٰ إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَلِهٰذَا؛ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ, وَقَالُوا: شَتَمَ آلِهَتَنَا, وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص: 5)، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ وَسَائِطَ وَشُرَكَاءَ فِي الْعِبَادَةِ، فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ وإِحْسَاسَهُمْ امْتَزَجَتْ بِالشِّرْكِ، وَنَشَأَتْ عَلَيهِ وَأَلِفَتْهُ، فَصَارُوا كَالْمَرِيضِ الَّذِي فَسَدَ مِزَاجِهُ، فَإذا أُتِيَ بِالطَّعَامِ الْحُلْوِ؛ قَالَ: هٰذَا مُرٌّ, وَهُوَ لَيْسَ بِمُرٍّ، وَلٰكِنَّ الآفَةَ مِنْ مِزَاجِهِ الْفَاسِد، بِالنِّسْبَةِ إِلَىٰ عُقُولِهُمُ الْفَاسِدَةِ، فَكَذٰلِكَ النُّورُ وَالْحَقُّ الْمُبِينُ الَّذِي جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ عِنْدَهُمْ وَأَمْثَالِهِمْ مُرٌّ بِالنِّسَبَةِ إِلَىٰ مِزَاجَاتِهِمْ!
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ مَدْلُولَهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْبُودُ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ، وَبِهٰذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَدْلُولَ (لا إِلٰهَ إلا اللهُ) مُطَابَقَةً: هُوَ إفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص68 و69.