أولئك قَرَؤوا ولَم يَقْرؤوا

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد:
فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" (6/ 92، ونحوه في 119): عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْرَاقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَهَا أَنَّ نَاسًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ فِي اللَّيْلَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ:
"أُولَئِكَ قَرَؤُوا وَلَمْ يَقْرَؤُوا؛ كُنْتُ أَقُومُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ التَّمَامِ، فَكَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا تَخَوُّفٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَعَاذَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا اسْتِبْشَارٌ إِلَّا دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَغِبَ إِلَيْهِ".
ينظر تصحيح أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "أصل صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (2/ 506).
"ليلة التمام":
"هِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَتِمُّ فِيهَا نورُه. وَتُفْتَحُ تَاؤُهُ وَتُكْسَرُ.
وَقِيلَ: لَيْلُ التِّمَام- بِالْكَسْرِ- أطْولُ لَيْلَةٍ فِي السَّنَة" اﻫ من "النهاية في غريب الحديث" (1/ 197). والمعنى الثاني أنسب لسياقِ ردِّ أمِّ المؤمنين، والله أعلم.
فاحذر أن لا تقرأ وأنت تظن أنك تقرأ! جهدٌ مبذول على غير هدي الرسول؛ مأسوفٌ عليه غير معوَّلٍ عليه. احرص على هذه السُّنَّةِ الشريفة، فادعُ واستعذ عند كلِّ آيةِ تخوفٍ، وادعُ وارغَبْ عند كلِّ آيةِ استبشار، ثم خبِّرْ كيف ستختم في ليلةٍ أو ليلتين، بله في ليلة مرة أو مرتين! وإن شئت فسجِّل صوتَ قراءتك ثم أسْمِعْه سامعًا؛ هل سيفهم الكلام؟! هيهات! «لَا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» رواه الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وصححه الوالد في "الصحيحة" (1513).
وعلى الهِمم الواهية أن لا تتخذ مثل هذا التحذير تُكأةً لِمزيدٍ مِن التقاعس والرضا بالقليل من التلاوة، بل خبر أمِّ المؤمنين -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تنبيهٌ وتحفيز، والناصحُ لنفسه يتفطن للإفراط كما يتفطن للتفريط!

للمزيد:


الجمعة 7 رمضان 1438هـ