دعاءُ أولي الألبابِ وخواصِّ الخلق

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه.
أمَّا بعد:
قال العلَّامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
"ومما أتى فيه الدعاءُ بجميع المطالِب على وجهِ المطابَقة: دعاءُ أولي الألبابِ وخواصِّ الخلق حيث قالوا -بعدما تفكَّروا بما في ملكوت الله-:
﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)﴾ [آل عمران][1].
فتوسّلوا بـ:
ربوبيةِ الله، وكرَّروا هذا التوسل.
وإقرارِهم بحكمة الله وصدق وعده ووعيده.
وإيمانِهم برسل الله حين دعوهم إلى الإيمان.
ومِنّةِ الله عليهم بالمبادرة بذلك.
أن يَقِيَهم عذابَ النار.
وأن يغفرَ ذنوبهم الكبار.
ويُكفّرَ عنهم سيئاتهم الصغار.
فيدفع عنهم أعظمَ العقوبات -وهو عذاب النار-.
ويزيل عنهم أسبابَ الشرور كلَّها، وهي الذنوب والسيئات.
وأن يرزقهم اللهُ ويوفِّقهم لِأعمال البِر كلِّها؛ فيصيروا بذلك مِن عباد الله الأبرار.
وأن يثبَّتهم عليها حتى يموتوا عليها؛ فيدخلوا في معيَّةِ الأبرار.
وأن يؤتيَهم ما وَعَدَهم على ألْسِنة رُسله، وذلك شامل لعطايا الدنيا وخيراتها، وعطايا الآخرة وكراماتها.
وأن يُكرمهم في يوم القيامة ولا يخزهم.
وحقيقٌ بقومٍ دَعَوا بهذه الأدعية الجليلة -بحيث ما بقي خيرٌ إلا سألوه، ولا شرٌّ إلا استدفعوه- أن يُسمِّيَهم اللهُ أُولي الألباب؛ فهذا مِن لُبِّهم وعقلِهم وتمامِ فِطنتِهم.
نسأله تعالى أن يوفِّقَنا لِمَا وفَّقهم له، إنه جوادٌ كريم" اﻫ من "المواهب الربانية" ص128 و129، ط 1428ﻫ، دار المعالي).
آمين


فائدة:
سماعُ نِداءِ الإيمان يقع على وجهين
قال العلامة العثيمين رَحِمَهُ اللهُ:
"وقولهم: ﴿سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ﴾: المنادي أصلُه: "المصوِّت"؛ لأن النداء هو رفعُ الصوت، ولكنّ المرادَ به محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسماعُهم له يقع على وجهين:
أحدهما: أن يَسمعوا صوتَه مباشرةً بدون واسطة.
والثاني: أن يَسمعوا مِن وَرَثَتِهِ ما جاء به، وهُم العلماء.
وكلُّ هذا داخلٌ في الآية؛ يعني السماع المباشر الذي سمعوه مِن صوته، والسماع غير المباشر الذي سمعوه بالواسطة مِن وَرَثَتِهِ، وهم العلماء" اﻫ من "تفسير القرآن الكريم"/ سورة آل عمران (2/ 553، ط1، 1426هـ، دار ابن الجوزي).
وقال في فوائد الآية:
"بيان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذل الجهد في دعوة الخلق إلى الحق؛ لأن النداءَ يكون برفع الصوت، فكأنَّ الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يدعو الناسَ بأعلى صوتِه يناديهم للإيمان" اﻫ من "تفسير القرآن الكريم"/ سورة آل عمران (2/ 557، ط1، 1426هـ، دار ابن الجوزي).

السبت 9 رمضان 1438هـ



[1] - سياق الآيات: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)﴾.