دعاءُ عِبادِ الرحمن

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على نبيه الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن أثره اقتفى.
أمّا بعد:
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
"ومِن ذلك: دعاءُ عبادِ الرحمٰن، الذين وصفهم اللهُ بكلِّ خُلقٍ جميل، وأعدَّ لهم المنازلَ العالية؛ فدعوا بدعوتين:
دعوةٍ استُجيبت لجميعِهم -كاملَ الدرجة ومَن دونه-.
ودعوةٍ استُجيبت لخواصِّهم وأئمَّتِهم وقُدْوتهم.
قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ -إلى أن قال عنهم-:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان: الآيات 63 - 65]
فتوسَّلوا بربوبيَّةِ اللهِ لهم، وإيمانِهم وخوفِهم مِن عذابه؛ أن يقيَهم عذابَ النار، وإذا وقاهم اللهُ عذابَ النار؛ كان مِن لازم ذلك مغفرةُ ذنوبهم، وتكفيرُ سيئاتهم، ودخولُهم الجنة.
وقال تعالى عنهم:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)﴾ [الفرقان]
فتوسَّلوا بربوبيَّةِ اللهِ أن يَهَبَ لهم مِن أزواجهم وقرنائهم وذريَّاتهم ما تَقَرُّ أعيُنُهم به، وهو: أن يكونوا مطيعين لله، عاملين بمرضاته، وذلك دليل على أنَّ طاعةَ اللهِ قُرَّةُ أعينِهم ومَحبَّتَه نعيمُ قلوبِهم.
فقَويتْ هذه الحالةُ إلى أنْ سألوا اللهَ تعالى أن يجعل قُرناءهم بهذه الحالة الكاملة، وذلك مِن فضل الله عليهم؛ فإنَّ الله إذا أصلح قرناءَهم عاد مِن هذا الخير عليهم شيءٌ كثير، ولهذا؛ جعلوا هذا مِن مواهب ربهم فقالوا: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا﴾ إلخ.
ولَمَّا كان غايةُ كمالِ الإنسان: أن يكون مطيعًا لله، وأن يكون قرينًا لِلمُطيعين؛ سألوا ربهم أعلى المراتب وأجَلَّها، وهي الإمامةُ في الدِّين، وأن يكونوا قدوةً للمتقين، وذلك:
أن يجعلهم:
- علماءَ ربَّانيين.
- راسخين في العلم.
- مجتهدينَ في تعلُّمِه وتعليمِه والدعوةِ إليه.
وأن يكون علمُهم صحيحًا؛ بحيث أنَّ مَن اقتدى بهم فهو مِن المتقين.
وأن يرزقهم مِن الأعمال الظاهرة والباطنة ما يصيرون به أئمَّةً للمتقين.
وجماع ذلك:
الصبرُ على محبوبات الله.
وثباتُ النفس على ذلك.
والإيقانُ بآيات الله، وتمامُ العلم بها.
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾ [السجدة].
فالحاصل أنهم سألوا ربهم أن يكونوا كامِلين مكمِّلين لغيرهم، هادين مهتدين، وهذه أعلى الحالات، فلذلك أعدَّ الله لهم أعلى غُرف الجنان:
﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)﴾ [الفرقان]" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص130 و131، ط 1428ﻫ، دار المعالي).



الإثنين 10 رمضان 1438هـ