دعاءُ إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
"ومن ذلك: دعاءُ إبراهيمَ خليلِ الرحمنِ، وابنِه إسماعيل، وهما يرفعان قواعد البيت:
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  [البقرة: من الآيتين 127، 128].
فتضرَّعا إلى ربِّهم[1] في قبولِ اللهِ عَمَلَهُما، وأن يكون كاملًا مِن كلِّ وجه، وتحصُل منه الثمرات النافعة.
وتوسَّلا إليه بأنه السميعُ لِأقوالهما، العليمُ بجميع أحوالهما.
ولَمَّا دعَوَا بهذا الدعاء الخاصِّ في قبول عملِهما؛ سَأَلا اللهَ أجَلَّ الأمورِ وأعلاها، وهو أن يمنَّ اللهُ عليهما وعلى مَن شاء مِن ذريَّتِهما بالإسلامِ للهِ ظاهرًا وباطنًا، والعملِ بما يحبه ويرضاه، وأن يعلِّمَهما العملَ الذي شَرَعَا فيه، ويكمِّل لهما مناسِكَهما؛ عِلمًا ومعرفةً وعملًا، وأن يتوب عليهما؛ لِتتمَّ أمورُهما مِن كلِّ وجه.
فاستجاب اللهُ هذا الدعاءَ كلَّه، وبارك فيه، وحَقَّقَ رجاءهما، واللهُ ذو الفضل العظيم" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص132 و133، ط 1428ﻫ، دار المعالي).



فائدة:
(السميع) في مقام الدعاء بمعنى (المُستجيب)
وقال رَحِمَهُ اللهُ:
"وأما قول الخليل وإسماعيل -عليهما السَّلام- وهما يرفعان القواعد من البيت: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؛ فإنه توسُّلٌ إلى الله بهذين الاسمين إلى قَبول هذا العمل الجليل، حيث كان اللهُ يعلم نيَّاتِهما ومقاصدَهما، ويَسمع كلامَهما، ويُجيب دعاءهما؛ فإنه يراد بالسميع في مقام الدعاء -دعاءِ العبادة ودعاءِ المسألة- معنى المستجيب، كما قال الخليل في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [ابراهيم من الآية: 39]" اﻫ من "القواعد الحسان" (القاعدة التاسعة عشرة المتعلقة بخواتم الآيات من الأسماء الحسنى).


قال الإمام محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ- في فوائد مِن هاتين الآيتين الكريمتين:
" جلالُ الله وعظمتُه في قلوبِ الذين يعرفونه؛ لدعوتِهما بالقبول. وكان بعضُ السلفِ لَمَّا قرأها جعل يبكي ويقول: "ما بال خليل الله يرفع قواعد بيت الله ويخاف أن لا يقبله؟!".
توسُّلهما بالصفات.
طلبهما أن يرزقهما اللهُ الإسلامَ وهُما هُما! والغفلةُ عن هذه الكلمةِ مِن العجائب!
إشراكهما في الدعوة بعضَ الذرية، ففيها رغوبُ المؤمن وحِرصُه على صلاحِ ذريته.
طلبهما أن يعلِّمَهما المناسكَ، ففيه حِرصُهما على العملِ بالنصِّ مع عِصمتهما!
طلبهما أن يتوبَ عليهما وهما هما! [ففيه] خوفُهما مِن الذنوب" اﻫ من "مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهّاب" (2/ 44و45، ط1، 1421ه، دار القاسم).

السبت 15 رمضان 1438هـ




[1] - كذا في الكتاب.