حكم عرض صور لبيان جراحات المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

سئل سماحة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي:
"بعض المعارض التي تقام لبيان جراحات المسلمين في فلسطين وغيرها، يكون فيها بعض صور القتلى والجرحى، وأحيانًا تعرض عن طريق الفيديو، والقصدُ مِن ذلك حثّ المسلمين على التبرُّع لإخوانهم؛ فهل هذا العمل جائز؟"
فأجاب أحسن الله إليه:
"هذا العمل غير مناسب، لا يجوز إقامة الصور للجرحى، لكن يُدعى المسلمون للتصدّق على إخوانهم، ويُبَلَّغون بأنّ إخوانَهم مضايقون، وأنهم يجري عليهم ما يجري مِن فعل اليهود، بدون أنهم يَعرضون صورًا ويَعرضون جرحى؛ لأن هذا:
فيه استعمالاً للتصوير.
وأيضًا في هذا تكلّف ما أَمر اللهُ تعالى به.
وفيه أيضًا تفتيتٌ لعضد المسلمين؛ لأنكَ لَمّا تَعرض أمام الناس صورةَ مسلمٍ ممثَّل به أو مقطَّع الأعضاء؛ فهذا مما يُرعب المسلمين، ويرهب المسلمين مِن فعل الأعداء، والواجب أن المسلمين لا يُظهرون الضعف، ولا يُظهرون الإصابات، ولا يظهرون هذه الأمور، بل يكتمونها حتى لا يفتّوا في عضد المسلمين".
المصدر: "الإجابات المهمة في المشاكل الملمة" (2/ 105)

ملحوظاتٌ حولَ عَرْض (هل ترغب بشراء منزل؟)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فهذه ملحوظات على أحد الملفات المنتشرة في الشبكة، وهو عبارة عن عَرض شرائح (بوربوينت) بعنوان: (هل ترغب بشراء منزل؟) ، يعني في الجنة.
أولاً: اتخذ للملف خلفية – بجميع شرائحه - صورة بستان ذي أشجار على حافة نهر أو بحيرة.
وهذا ذريعة لتصوير أمور الآخرة، وهي مِن الغيب الذي لا يَعلمه إلا الله جل جلاله.
وقد سئل فضيلة العلامة صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي:
"نرى على بعض الإعلانات التي تكون على بعض الأشرطة لبعض الدعاة رسومًا كالأنهار والزروع إذا كان الحديث عن الجنة، ويرسمون ظلاً يزعمون به محاكاة ظل الشيطان إذا كان الكلام عن شر، فهل هذه الأفعال جائزة؟
فأجاب جزاه الله خيرًا:
هذه الرسومات فيها ادعاء علم الغيب الذي ما يعلمه إلا الله، الجنة ما يعلمها إلا الله، والنار لا يعلمها إلا الله، ولا يجوز إنها تُصور النار أو الجنة أو الصراط على ورق، مثل ما يوزع الآن وتوضع في المساجد فيها صورة الجنة وصورة النار وصورة الصراط، هذا لا يجوز أبدًا. وهذا من الجهل".
"الإجابات المهمة في المشاكل الملمة" (2/ 106 و107).

ثانيًا: حوى العَرْضُ أحاديثَ ضعيفة، بينما صحيح السُّنة السَّنية فيه الكثير والكثير جدًا من النصوص المرغبة في الجنة ونعيمها، فالعجب مِن هجرِ ضياء الشمس الساطعة، إلى غرفةٍ في سردابٍ قابعة، ثم نبحث فيها عن فتيل قنديل!
فمما جاء في الملف من أحاديث:
حديث: ( ألا هل مشمر للجنة ! فإن الجنة لا خطر لها ، هي - ورب الكعبة ! - نور تتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة خضيرة ، وحبرة ونعمة في محلة عالة بهية، قالوا : نعم يا رسول الله! نحن المشمرون لها . قال : قولوا : إن شاء الله ) .
ضعفه الوالد رحمه الله "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3358)

ومثله حديث: ( إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى ) .
"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3146).

ومثله حديث: (أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء) .
"سلسلة الأحاديث الضعيفة" 632، و"ضعيف الترغيب والترهيب" (956).

ومثله حديث: ( إن في الجنة غرفًا من أصناف الجوهر كله، يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، فيها من النعيم واللذات والشرف ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) .
"ضعيف الترغيب والترهيب" (2190)
وقد صح الحديث الأخير بلفظ: (إن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرُها مِن باطنها، وباطنُها مِن ظاهرها، أعدّها الله لمن أطعم الطعامْ، وأفشى السلامْ، وصلى بالليل والناسُ نيامْ )، وهو في "صحيح الترغيب والترهيب" (618).
وأما كون الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؛ فثابتٌ بالكتاب والسُّنة الصحيحة، كما في الحديث المتفق عليه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة:َ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17].

ثالثًا: حوى الملف -فيما بين تلك الأحاديث تقديمًا لها وتعليقًا عليها- عباراتٍ ليس عليها وقارُ التعامل مع النصوص الشرعية والمطالب العلية، فمِن ذلك:
"بيت فخم للبيع" ثم تعداد صفات الجنة بالطريقة التالية: "الموقع"، "مقاسات الغرف"، "السعر"، "سعر النخلة الواحدة: جملة واحدة: سبحان الله وبحمده... شوف عايز كام نخلة"، "هناك بعض المنازل في موقع متميز .... أو يكون بمنطقة رومانسية بجوار نهر البيدخ حيث الحور العين".

ومن المناسب هنا الإحالة إلى فتوى للعلامة العثيمين رحمه الله حول نشرة بعنوان "رحلة إلى الدار الآخرة"، نجدها على الرابط التالي:
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_7842.shtml

رابعًا وأخيرًا: وهذه الملحوظة تخص كلمة (السعر)، وقد وردت في أكثر من موضع في الملف، فاعتبر صلاة اثنتي عشر ركعة من السنن الرواتب هي (سعر) بيت في الجنة، وقول "سبحان الله وبحمده" هو (سعر) نخلة في الجنة.
والتعبير بهذه الطريقة فيه إشكال من جهة أنه جعل هذه الأعمال المجردة هي ثمن دخول الجنة والتنعم بما فيها، والصحيح أن الأعمال سببٌ لدخول الجنة، وأن العبد لا يدخل الجنة إلا برحمة الله، كما في الحديث المعروف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:
(لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ).
قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!
قَالَ:
(وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ).
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد يقول البعض هنا: ولكن جاء في كتاب ربنا قوله تبارك وتعالى:
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل : 32]، وغيرها من آيات في هذا المعنى.

وهذا الاستشكال له أكثر من جواب عند أهل العلم، من ذلك:
أن الباء التي في الحديث هي الباء الثَّمَنِيَّة
والباء التي في الآية هي الباء السَّبَبِيَّة
ذكر ذلك الوالد رحمه الله في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ( 6 / 195/ 2602)، ونقل ثمة كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إذ قال في "مجموع الفتاوى" (8/ 70 و71):
".... وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْآخِرَةِ؛ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ يَنَالُ الْإِنْسَانُ السَّعَادَةَ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ. قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ : وَلَا أَنَا، إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ).
وَقَدْ قَالَ: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
فَهَذِهِ: بَاءُ السَّبَبِ، أَيْ : بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمْ
وَاَلَّذِي نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَاءُ الْمُقَابَلَةِ
كَمَا يُقَالُ: اشْتَرَيْت هَذَا بِهَذَا، أَيْ: لَيْسَ الْعَمَلُ عِوَضًا وَثَمَنًا كَافِيًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَبِعَفْوِهِ يَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَبِرَحْمَتِهِ يَأْتِي بِالْخَيْرَاتِ، وَبِفَضْلِهِ يُضَاعِفُ الْبَرَكَاتِ.
وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ:
فَرِيقٌ : آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَهَؤُلَاءِ يَؤولُ بِهِمُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ.
وَفَرِيقٌ : أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ! مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ، وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ : (يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي)، فَالْمَلِكُ إذَا أَمَرَ مَمْلُوكِيهِ بِأَمْرِ أَمَرَهُمْ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِمْ، وَهُمْ فَعَلُوهُ بِقُوَّتِهِم الَّتِي لَمْ يَخْلُقْهَا لَهُمْ، فَيُطَالِبُونَ بِجَزَاءِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، فَإِنْ أَحْسَنُوا؛ أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا؛ فَلَهَا، لَهُمْ مَا كَسَبُوا وَعَلَيْهِمْ مَا اكْتَسَبُوا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}". انتهى.

وقال القرطبي رحمه الله :
"وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته، فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم". ا.هـ "الجامع لأحكام القرآن" (4/ 137) ط المكتبة العصرية.