مِن أسباب سوء الخاتمة: التخلُّفُ عن صلاة الجماعة في المسجد

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عَنِ ابن مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
"مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا؛ فَلْيُحَافِظْ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَىٰ بِهِنَّ؛ فَإِنَّ اللهَ تعالىٰ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَىٰ، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنَ الْهُدَىٰ.
وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَٰذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ؛ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ؛ لَضَلَلْتُمْ.
وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَىٰ مَسْجِدٍ مِنْ هَٰذِهِ الْمَسَاجِدِ؛ إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً.
وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ.
وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَىٰ بِهِ يُهَادَىٰ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّىٰ يُقَامَ فِي الصَّفِّ!".
(وفي رواية) :
"لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ.
إِنْ كَانَ الرَّجُلُ(1) لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّىٰ يَأْتِيَ الصَّلَاةَ"، وَقَالَ:
"إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَىٰ، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ".
رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
قوله: "يُهَادَىٰ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ" يعني يُرْفَد مِن جانبيه، ويؤخَذ بِعَضُدِه يُمشَىٰ به إلى المسجد.
__________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1)  كذا الأصل والمخطوطة، وفي مسلم -والرواية له كالأُولىٰ-: "الْمَرِيضُ"، ولعل المثبت رواية عنه، وهي أرجح في نظري، وهي رواية لأحمد (1/ 382) من طريق أخرىٰ.

"صحيح الترغيب والترهيب" (5-  كتاب الصلاة/ 16- الترغيب في صلاة الجماعة/ 1/ 288و289/ ح 404 (صحيح)). ومختصرًا في (20- الترهيب مِن ترْكِ حضورِ الجماعة لغير عُذر/ 1/301/ ح 427).


موعظة
قال الإمام ابن باز -رَحِمَهُ اللهُ- ضمن موعظةٍ للتحذير من التخلُّفِ عن صلاة الجماعة في المسجد:
"وقد بَلَغني أن كثيرًا من المساجد في الفجر لا يصلِّي فيها أحد! والعياذ بالله! يَسهرون على التلفاز وعلىٰ غيرِ التلفاز، فإذا جاء الفجرُ  فإذا هم أموات!  لا حول ولا قوة إلا بالله! وهٰذه مِن المصائب الكبيرة، فيجب التواصي بالحذر مِن هٰذا البلاء، والحذر من أسباب العقوبات العامة.
يقول عبدُ الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو مِن كبار الصحابة ومن علمائهم: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا؛ فَلْيُحَافِظْ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَىٰ بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ سُنَنَ الْهُدَىٰ، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَىٰ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَٰذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ؛ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ (وفي لفظ: لكفرتم)[1]. وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ أَوْ مَرِيضٌ".
فهٰذا يبيِّن لنا أنّ المحافظة على الصلاة في الجماعة مِن أسباب الموت على الإسلام، ومِن أسباب أنه يَلْقَى اللهَ مسلمًا.
ومقتضىٰ هٰذا: أنَّ التخلُّفَ عن هٰذه الجماعةِ والتساهُلَ مِن أسباب ضدِّ ذٰلك؛ مِن أسباب الوفاة علىٰ غيرِ الإسلام! نعوذ بالله! فالمصيبة كبيرة وخطرٌ عظيم.
فالمحافَظة علىٰ صلاة الجماعة مِن أسباب السعادةِ، وحُسْنِ الختام، ومِن أسباب التوفيقِ لكلِّ خير.
والتخلُّفُ عنها والتشبُّهُ بأهلِ النفاق بأدائها في البيوت- فيه خطر عظيم؛ فيه:
أولًا: أنه معصية لله.
ثانيًا: أنه مُشابَهةٌ لأهل النفاق.
ثالثًا: أنه مِن أسباب سوء الخاتمة، والعياذ بالله!
رَزَقَ اللهُ الجميعَ العافية، وصلَّى اللهُ وسلَّم علىٰ نبيِّنا محمَّد وعلىٰ آله" اهـ.

مِن شريط "مواعظ بعد صلاة العصر" الدقيقة 41:45 .
والتقييد الكتابيّ مِن المكتبة الشاملة، بعنوان:
دروس للشيخ عبد العزيز بن باز.

الثلاثاء 20 جمادى الآخرة 1437



[1] - تفَرَّد بها الحافظ أبو داود رَحِمَهُ اللهُ، وهي ضعيفة منكَرة؛ لمخالفتها لسائر الرواة؛ ينظر "إرواء الغليل" (2/ 247)، و"صحيح سنن أبي داود" (559).