ليس للتعزيةِ مكانٌ

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه
أمّا بعد
سئل أبي رَحِمَهُ اللهُ:
ما الصحيحُ في مكانِ التَّعزية؟ أين يَتلقَّى المصابُ التعزيةَ في الميت؟ هل عند القبر؟ أم في البيت..؟
فأجاب:
ليس للتعزيةِ مكانٌ، ولا يجوز الجلوسُ لِتلقِّي التعازي، ولا القيامُ لِتلقِّي التعازي، كلُّ ذٰلك مِن محدَثات الأمور، التعزية مِثل التهنئة؛ ليس لها مكان، وليس لها زمان، إنما كلُّ هٰذا وهٰذا ينبغي أن يقع دون أيِّ تكلُّفٍ أو تَصنُّع.
وأعتقد أنَّ مبدأَ الخروجِ عن السُّنّةِ في مسألةِ التعزيةِ هو جلوسُ المصابِ في بيته وتعطيلُه لمصالِحِه، فقد يكون صاحبَ عملٍ، صاحبَ مصنع، صاحبَ دُكَّان، صاحبَ وظيفة، فبمجرد أن يُتوفَّى المتوفَّىٰ؛ فهو يَقبع في بيته ويجلس لِتلقِّي التعازي مِن الْمُعَزِّين! مِن هنا يبدأ الخطأ.
فنحن نعتقد أنَّ مَن أُصيب بِعَزيزٍ لديه: فدَفَن الميتَ مِن هنا؛ يعود إلىٰ وضْعه الذي كان فيه مِن قبل، أي إلىٰ عمله، إلىٰ مصنعه، إلىٰ داره، إلىٰ مكتبه، إلىٰ مكتبته.. إلخ، فإذا ما هو بدأ هٰذه السُّنَّةَ الطبيعية؛ حينئذ سوف لا يبقىٰ هناك جلوس، وحينئذ ستأتي التعازي عَفْوَ الخاطر، أي: هٰذا الرجل في مكتبه تأتيه أنتَ تَلقاه وقد عَلمتَ أنه قد أُصيب بعزيزٍ لديه؛ فتُعزِّيه، تراه في المسجد؛ تُعزِّيه، تراه في الطريق؛ تُعزِّيه، إذا لم يتيسَّر لكَ لا هٰذا ولا هٰذا؛ ذهبتَ إليه في وقتٍ يَجلس هو في بيته عادةً ونِظامًا، ليس لِنظامٍ خاصٍّ اتخَذَه بسبب التعزية.
إذًا؛ ليس لِلتعزية أيُّ شيء مِن هٰذه المواصفات.
فهٰذا هو جواب ذاك السؤال.
السائل: ولٰكن عند المقبرة: الناس كلٌّ يريد أن [يأتي] لِيعزِّيه، فكيف العمل؟ يعني يَهرب منهم أو يقف في الوسط أو كيف..؟
أبي: لا يقف ولا يَهرب! (ضحك رَحِمَهُ اللهُ)، لا يقف ولا يَهرب، وإنما يمشي [إنسانًا] أُصيب بمصيبةٍ [فقط]، ففي هٰذه المشية التي يمشيها -مشية طبيعية- لابد أن يَلقاه زيد وبكر وعمرو فيُعزُّونه، لٰكنْ هٰذا لا يستلزم أيَّ قيامٍ وأيَّ تَلَقٍّ مُنظَّم ورتيب و و إلخ، أما ما يَفعله الناس؛ فهنا المصيبة!
ولذٰلك؛ فالحقيقة إحياء السُّنَن مِن الأعمال الفاضلة جدًّا جدًّا، وجاء الحديث بلفظ: (مَن أحيىٰ سُنَّةً أُميتت مِن بعدي)، لٰكنْ هو مِن حيث الإسناد ضعيف[1]، لٰكنْ معناه صحيح؛ لأنه مِن معاني قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ في الحديث الصحيح: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً»[2]، فإذا أصيب المصابُ بمصيبةٍ ودَفَن هٰذا الميتَ وانطلق يمشي؛ فمَن لَقيه في الطريق أو مِن الذين شَيَّعوا معه الجنازة؛ يُعَزُّونه، يعني المسألة أسهل بكثير مما يتوهَّم الناسُ: كيف نحقِّق التعزيةَ؟! هُم عقَّدوا القضية!
انتهىٰ جوابُ أبي رَحِمَهُ اللهُ
"المتفرقات" (الشريط 170/ الدقيقة 36:46).
وأيضًا: "فتاوىٰ سوريا" (الشريط 6/ الدقيقة 46:10)

للفائدة؛ يُنظَر هنا أيضًا:



السبت 19 ربيع الأول 1436

[1] - ينظر "ضعيف سنن الترمذي" (500).
[2] - "صحيح مسلم" (1017).