صلاةٌ هي أحَبُّ إلى المسلمين الأوائل مِن آبائهم وأبنائهم

نصّ رسالة الجوّال:

صلاةٌ هي أحَبُّ إلى المسلمين الأوائل مِن آبائهم وأبنائهم.

ما هي؟

ينظر "سنن الترمذي" (3035)

~~~{~~~

البيان:

قال الإمام الترمذي رَحِمَهُ اللهُ :

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهُنَائِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ؛ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بَيْنَ ضُجْنَانَ وَعُسْفَانَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:

إِنَّ لِهؤُلاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، هِيَ الْعَصْرُ ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً.

وَأَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ شَطْرَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ وَرَاءَهُمْ، وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي الْآخَرُونَ وَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَأْخُذُ هٰؤُلَاءِ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، فَتَكُونُ لَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ".

صححه الوالد رَحِمَهُ اللهُ، "هداية الرواة" (2/ 116)، ويُنظَر نحو هٰذا في "صحيح مسلم" (840).

^^^
تدوينةٌ ذاتُ صلة

مَن حافَظ عليها كان له أَجْرُه مرَّتين

ما هو الفزع الأكبر؟

نص رسالة الجوّال:



{لا يحزنهم الفزع الأكبر} الأنبياء 103


ما هو الفزع الأكبر؟


تفسير ابن كثير


~~~~~~


قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ :


"وقوله:


]لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [


قيل: المراد بذلك:


· الموت. رواه عبد الرزاق، عن يحيى بن ربيعة عن عطاء. وقيل المراد بالفزع الأكبر:


· النَّفْخة في الصُّوْر. قاله العَوْفي عن ابن عباس، وأبو سِنَان سعيد بن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره. وقيل:


· حين يُؤْمَر بالعبد إلى النار. قاله الحسن البصري. وقيل:


· حين تُطبق النارُ علىٰ أهلها. قاله سعيد بن جُبَيْر، وابن جُرَيج. وقيل:


· حين يُذبَح الموتُ بين الجنةِ والنار. قاله أبو بكر الهذلي، فيما رواه ابن أبي حاتم عنه" اﻫ.

مَفازة المُتَّقين

بسم الله الرحمٰن الرحيم


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ.


فقد قال ربُّنا جَلَّ جَلالُهُ في سورةٍ كريمةٍ جليلة خُتِمتْ بتقسيم العباد في مآلِهم إلىٰ فريقين:


· زُمَرٍ إلى الجحيم؛ وهم الذين كفروا.


· وزُمَرٍ إلى النعيم؛ وهم الذين آمنوا.


-قال سبحانه-:


]وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَٰبُ وَجِاْيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَـٰفِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلـٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَـٰمِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلـٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَـٰلَمِينَ (75)[ ([1])


إنها...


سُورةُ الزُّمَر


للهِ ما أعظمَ وقعَ تلكم الآيات على القلب الحيّ، ذي الإيمان الفتيّ، بين خوفٍ ورجاء؛ فإذا مُوْقُ عَينه نَدِيّ!


وقُبَيل هاته الآيات، أتىٰ تمهيدٌ لهٰذا التقسيم، كان فيه وصايا مِن الربِّ الرحيم، مَن عَمِلَ بها فهو إلىٰ نجاة وخيرٍ عميم، ومَن فَرَّط فيها فهو إلىٰ حسرة وعذابٍ مقيم.


فقال عَزَّ وَجَلَّ:


]وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَـٰحَسْرَتَىٰ علَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّـٰخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَىٰ قَدْ جَاءتْكَ ءايَـٰتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَـٰفِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)[


ومعنى (المفازة): "المنجاة، مَفْعلة مِن فاز يفوز إذا نجا" كما في "تفسير القرطبي".


فعلىٰ ذٰلك؛ يكون المعنى: (يُنَجِّي اللهُ الذين اتَّقوا بنجاتهم)، فكيف هٰذا؟!


سيتجلَّى الجوابُ مِن خلال كلامِ الأعلام إن شاء اللهُ تعالىٰ:


] بِمَفَازَتِهِمْ [:


· بفضائلهم (الطبري)


· بأعمالهم (الطبري)


· بما سبق لهم مِن السعادةِ والفوز عِند الله. (ابن كثير)


· بالطُّرق التي تؤدِّيهم إلى الفوز والنجاة. (السمعاني)


· المعنى: ينجيهم الله بفوزهم، أي: بنجاتهم من النار، وفوزهم بالجنة. (الشوكاني).


· بنجاتهم، وذٰلك لأنّ معهم آلةَ النجاة، وهي تقوى اللهِ تعالىٰ، التي هي العُدّة عند كلِّ هَول وشِدّة. (السعدي)


· بفوزهم وفلاحهم؛ لإتيانهم بأسباب الفوز، مِنَ الاعتقاداتِ الْمَبْنِيّة على الدلائل، والأعمالِ الصالحة. (القاسمي)


· أي بسبب أنهم عَدُّوا أنفسَهم في مفازةٍ بعيدة مَخُوفة، فوقفوا فيها عن كلِّ عَمَلٍ إلا بدليل؛ لئلا يَمْشُوا بغير دليلٍ فيهلكوا, فأَدَّتْهم تَقْواهُم إلى الفوز, وهو الظَّفْرُ بالمرادِ وزمانِه ومكانِه الذي سُمّيت المفازةُ به تفاؤلاً, ولذٰلك فسَّر ابنُ عبّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما المفازةَ بالأعمالِ الحسَنةِ؛ لأنها سببُ الفوزِ. وقُرئ بالجمع باعتبار أنواع المصدر([2]), وذٰلك كلُّه بعنايةِ الله بهم في الدَّارَين.


فمفازةُ كُلِّ أَحَدٍ في الأُخْرىٰ عَلىٰ قَدْرِ مَفازَتِهِ بالطاعات في الدُّنيا. (البقاعي)


· تفسيرُ المفازةِ قولُه: ] لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [، كأنه قيل: وما مفازتهم؟ قيل: لا يمسهم السوء. ويجوز أن يسمى العمل الصالح بنفسه مفازة؛ لأنه سَبَبُها. (ابن سيده)


· قيل: ثَمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي: بدواعي مَفازتِهم أو بأسبابِها. والمَفازَةُ: الْمَنْجاة. وقيل: لا حاجةَ لذلك؛ إذ المرادُ بالمَفازةِ الفلاحُ. (السمين الحلبي).



فالخلاصة:


أنّ الذي ينجو به العبادُ يوم القيامة أسبابٌ يُوفِّقُهم اللهُ جَلَّ جَلالُه لها في الدُّنيا، هي أعمالُهم الحسَنة وفضائلُهم، مِن تقوى اللهِ بقلوبهم وبجوارحهم، فأفلحوا في دُنياهم لَمّا اعتبروها –مع حُلوِها وخَضرها!- صحراءَ مُهلكة، لا ينجو منها سالكُها إلا بدليل، ولا دليلَ إلا مَن أُمِر بأن يقول:


]فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ[ [آل عمران: 31].


وقد قال الشاعر:


"إنّ للهِ عِبــادًا فُطَنَا ** طَلَّقـوا الدُّنيا وخَافوا الفِتَنا


نَظَـروا فيـها فَلمّا عَلِموا ** أنها ليســـت لِحَيٍّ وَطَنا


جَعَلـوها لُجَّةً واتَّخَـذوا ** صـالِحَ الأعمالِ فيها سُفُنا"([3])


فهٰذا شبيهٌ بالمعنى الذي لَمحه البقاعي رَحِمَهُ اللهُ مِن الآية، ولعلّ مِن هٰذا الباب قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


(تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ)


في حديث الصِّراط:


«فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ». قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟! قَالَ: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ! سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّىٰ تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّىٰ يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا». "صحيح مسلم" (195).


اللّهمّ! اهدِنا وسَدِّدْنا، اللّهمّ! إنّا نَسألُكَ الْهُدىٰ والسَّداد، وحَسْبنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل.


~^~






([1]) أرجو أن نكون حين الوصول إلىٰ هٰذا السطر قد تَلَونا الآيات! فواللهِ! إنّ آياتِ ربِّنا هي لُبُّ المسألة، ولا حديثَ أنفعُ ولا أمتعُ مِن أحسنِ الحديث؛ كلامِ رَبِّ العالمين، ومِنَ الرَّزايا أن يَفتح أحدُنا مقالاً لكاتبٍ أو فتوى لشيخ أو أو، ويكون قد صَدَّر ما دَوَّنَ بآياتٍ مِن كتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فإذا بالبَصَرِ يَتْرُكُ رِفْقَةَ الصَّبر؛ فيَقفِز إلى السُّطورِ التالية، مُوليًّا ظهْرَه تلك الخيراتِ والبركاتِ الضَّافية! وأكثرُ ما يكون ذا مع أكثرِ ما نقرأ مِن بدايات كتابات الأثَرِيِّين، مُستفْتِحين بخطبة الحاجة، وفي بعض رواياتِها البدءُ ببضع آياتٍ كريمات، وعلىٰ كثرة الوقوف عليها؛ صارتْ مِنَ المحفوظات، فصار للقارئ شُبهةُ حُجّةٍ في تجاوزها: أعرفها! فالله المستعان، كم يَغْبن أحدُنا نفْسَه فيَحْرمَها مواهِبَ وخيرات!

([2]) "قرأ شعبةُ والأخَوان [حمزة والكِسائي] وخَلَفٌ بألفٍ بعد الزاي على الجمع، والباقون بحذفها على الإفراد" اﻫ "البدور الزهرة" ص275.

"بالجمع؛ لاختلاف أنواع ما ينجو المؤمن منه يوم القيامة، ولأنه ينجو بفضل الله وبرحمته من شدائد وأهوال مختلفة... [بالإفراد]؛ لأن المفازة والفوز واحد، فوحَّد المصدر؛ لأنه يدل على القليل والكثير بلفظه". باختصار من "الكشف عن وجوه القراءات العشر" (2/ 240).

([3]) ذكرها النووي رَحِمَهُ اللهُ في مقدمة "رياض الصالحين".

لماذا وُصف القرآن بأنه {تَذكرة}؟ ولماذا خصَّ بها {مَن يخشى}؟

نص الرسالة:

لماذا وُصف القرآن بأنه {تَذكرة}؟ ولماذا خصَّ بها {مَن يخشى}؟

ينظر تفسير السعدي

طه:3

~~~~~~~

البيان:

افتُتحت سورةُ طه بالآيات:

]طه * مَا أَنْزَلنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقىٰ * إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يخْشىٰ[

قال العلامةُ السّعديّ -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسيرها:

"{طه} مِن جملة الحروف المقطَّعة، المفتتَح بها كثيرٌ مِنَ السور، وليست اسمًا للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

{مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أي: ليس المقصود بالوحيِ وإنزالِ القرآن عليك وشرْعِ الشريعة- لِتشْقىٰ بذٰلك، ويكونَ في الشريعة تكليفٌ يشقُّ على المكلفين، وتعجز عنه قُوى العاملين. وإنما الوحيُ والقرآنُ والشرعُ، شَرَعَهُ الرحيمُ الرحمٰن، وجعله موصِلاً للسعادة والفلاح والفوز، وسهَّله غايةَ التسهيل، ويَسَّر كلَّ طُرقِه وأبوابِه، وجَعَلَه غذاءً للقلوبِ والأرواحِ، وراحةً للأبدان، فتلقَّتْه الفِطَرُ السَّليمةُ والعقولُ المستقيمةُ بالقبولِ والإذعان، لِعِلمها بما احتوىٰ عليه مِنَ الخير في الدنيا والآخرة، ولِهٰذا قال:

{إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} إلا ليتذكَّر به مَن يَخشى اللهَ تعالىٰ، فيتذكَّرَ ما فيه:

· مِنَ الترغيبِ إلىٰ أجَلِّ المطالِب؛ فيَعمل بذٰلك.

· ومِنَ الترهيب عنِ الشقاء والخسران؛ فيَرهب منه.

· ويَتَذَكَّر به الأحكامَ الحسَنةَ الشرعيةَ المفصَّلة، التي كان مُستقِرًّا في عَقْلِه حُسْنُها مُجمَلاً، فوافَقَ التفصيلُ ما يَجِدُه في فِطْرَتِه وعَقْلِه، ولِهٰذا سَمَّاه اللهُ {تَذْكِرَةً}، والتذكرةُ لِشيءٍ كان موجودًا، إلا أنّ صاحبَه غافلٌ عنه، أو غيرُ مستحضِرٍ لتَفصيلِه.

وَخَصَّ بالتذكرة {مَن يَخْشَى}؛ لأنّ غَيرَه لا ينتفِعُ به، وكيف ينتفع به مَن لم يؤمِنْ بِجَنَّةٍ ولا نار، ولا في قلبِه مِن خشيةِ اللهِ مثقالُ ذَرَّة؟! هٰذا ما لا يكون، {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}[1]" اﻫ . "تيسير الكريم الرحمٰن" ص502







[1] [سورة الأعلىٰ: 10-12]

الاتّباع في الإفطار

بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتمِ رُسُلِ الله

أما بعد

فقد كتبتْ شقيقتي حَسّانة -وفّقها الله- في مدوّنتها (الأمر العتيق):

بسم الله الرّحمن الرّحيم...

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره...

ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا...

من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له...

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله.

أمّا بعد:

فإنّ في غروب الشّمس، والانتقال من: (عبادة الصّيام) إلى: (عبادة الإفطار) إلى: (عبادة إقامة صلاة المغرب)؛ لحظات ثمينة سريعًا ما تمرّ؛ ينهمك خلالها الصّائم بتناول إفطاره، وإرواء عطشه، وسدّ جوعه.

وهذا لا شكّ أنّه داخل في دائرة (العبادة)؛ إلاّ أنّ هناك أمرًا قد يغفل (الصّائم) عنه خلال أدائه لما سبق؛ ألا وهو:

(متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم)

والّذي هو سبب من أسباب محبّة اللهِ للعبد.

ولذا؛ سأورد بعض النّقاط الّتي تتعلّق بمتابعته عليه الصّلاة والسّلام في لحظات الإفطار؛ راجية من الله الكريم القبول منّي، ومن جميع الصّائمين.



النّقطة الأولى:

متابعة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في (تحرّي) وقت الإفطار:

فعن سهل بن سعد رضي الله عنه؛ أنّه قال:

((كَانَ إِذَا كَانَ صَائمًا أَمَرَ رَجُلاً فَأَوْفَى عَلَى نشز؛ فَإِذَا قَالَ: قَدْ غَابَتْ الشَّمْسُ أَفْطَرَ))

فيا أيّها الصّائم وأنت تتحرّى غروب الشّمس؛ وبالتّالي موعد الإفطار؛ احتسب في ذلك متابعته صلّى الله عليه وسلّم.

مُتابعة النقاط هنـــــا

حُكم طلب العلم في رمضان

بسم الله الرحمٰن الرحيم

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام عَلىٰ مَن لا نبيَّ بَعْدَه.
أمّا بعد
______________________
سألتُ أبي -رَحِمَهُ اللهُ- ما ملخَّصُه:

قرأتُ أنّ بعضَ الأئمةِ كانوا إذا دَخَلَ رمضان انقطعوا للقرآن فقط، رغم أنهم مِن أهلِ العلم الذين يُفتون الناس، فينقطعون حتىٰ عن فتوى الناس، فهل هٰذا صحيح؟ هل أخصِّص هٰذا الشهر بالقرآن؟ فأترك قراءةَ الأحاديثِ وشرحِها ودروسَ القراءات وغير ذٰلك؟
_________
فقال في جوابِهِ:

هٰذا التَّخصيصُ ليس له أصْلٌ في السُّنَّة، ولٰكن الذي هو في السُّنَّة ومعلومٌ في "الصحيحين"([1]):

الإكثار مِن تلاوة القرآن في شهرِ رمضان.

أما تخصيصُ شهرِ رمضان لتلاوة القرآن فقط، دون أيِّ عِبادةٍ أُخرىٰ كطلبِ العلمِ وتدريسِ الحديث وبيانِه وشرحِه؛ فهذا ليس له أصْل، وكذٰلك يَدْخُل موضوعُ الْمَبَرَّات والصَّدَقات والإحسان إلى الناس، و و إلخ، الانقطاعُ للتلاوة ليس له أَصْل، الذي له أَصْلٌ هو الإكثارُ مِنها فَحَسْب.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. قال النووي رَحِمَهُ اللهُ:" قَالَ أَصْحَابُنَا: السُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَىٰ غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ" اﻫ. "المجموع شرح المهذب" (6/ 274). وقال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ عن الحديث: "وفيه دليلٌ على استحبابِ الإكثارِ مِن تلاوةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ" اﻫ "لطائف المعارف" ص169.