تفسيرٌ موجَزٌ لقوله تعالىٰ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-



نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

103- فسِّري آيةَ ﴿لا إكراه في الدِّين﴾ بإيجاز، مع بيانِ دلالتها علىٰ:
(لا إلٰه إلا الله).

البيان
الحمدُ للهِ وَحْده، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ مَن لا نبيَّ بَعْدَه.
أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب -رَحِمَهُ اللهُ- بعد بيانه فريضةَ الكُفرِ بالطاغوت:
(وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ(1) قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(2) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّٰهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ(3) لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) (البقرة).
وَهَٰذَا هُوَ مَعْنَىٰ (لَا إلٰهَ إِلَّا اللهُ)(4) ).
_____________
قال الشيخُ العلَّامةُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
 "(1) "أَي: لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّه بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ دَلائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ، لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ، فَمَنْ هَدَاهُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ وَشَرَحَ صَدْرَهُ وَنَوَّرَ بَصِيرَتَهُ؛ دَخَلَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ، وَمَنْ أَعْمى اللهُ قَلْبَهُ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الدُّخُولُ فِي الدِّينِ مُكْرَهًا مَقْسُورًا"[1].
قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عَدَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ أَرَادُوا اسْتِرْدَادَهُمْ لَمَّا أُجْلِيْتْ بَنَوْ النَّضِيرِ[2].
وَقِيلَ: كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ[3].
قَالَ الشَّيْخُ[4]:
"شُرِعَ الْجِهَادُ عَلَىٰ مَرَاتِبَ:
فَأَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ الْإِذْنَ فِيهِ بِقَولِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (الحج: مِن الآية 39).
ثُمَّ نَزَلَ وُجُوبُهُ بِقَولِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ الآية (البقرة: من الآية 216)، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ مَنْ سَالَمَهُمْ، وَكَذَا مَنْ هَادَنَهُمْ.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ فِي (بَراءَةٌ) الْأَمْرَ بِنَبْذِ الْعَهْدِ وَقِتَالِ الْمُشْرِكِيْنَ كَافَّةً، وَبِقِتالِ أَهْل الْكِتَابِ[5] إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَلَمْ يُبِحْ تَرْكَ قِتَالِهِمْ وَإِنْ سَالَمُوهُمْ وَهَادَنُوهُمْ هُدْنَةً مُطْلَقَةً مَعَ إِمْكَانِ جِهَادِهِمْ"[6].
وَقَالَ ابْنُ الْقِيِّمِ:
"كَانَ مُحَرَّمًا.
ثُمَّ مَأْذُونًا فِيهِ.
ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِمَنْ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ.
ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِجَمِيع الْمُشْرِكِيْنَ"[7].
قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ (التَّوْبة: مِن الآية 5)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ»[8].
(2) أَي: ظَهَرَ وَتَمَيَّزَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْإِيْمَانُ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْهُدَىٰ مِنَ الضَّلَالِ؛ بِالْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَىٰ ذَٰلِكَ.
(3) أَي: تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَهُوَ (الْعُرْوَةُ الْوُثْقَىٰ)، وَاسْتَمْسَكَ بِالشَّيْءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ وَأَمْسَكَ: أَخَذَ بِهِ، وَتَعَلَّقَ وَاسْتَعْصَمَ.
وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقَى: الْقَوِيَّةُ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ وَلَا تَنْفَصِمُ.
فَمَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ -دِيْنِ اللهِ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ، الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ دِيْنًا سِوَاهُ-؛ وَصَلَ الْجَنَّةَ بِكُلِّ حالٍ.
(4) فَإِنَّ مَعْنىٰ (لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ): كُفْرٌ بِالطَّاغُوتِ، وَإِيْمَانٌ بِاللهِ؛ كَمَا تَقَدَّمَ[9]" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 133 – 136.

في مطابَقةِ (لا إلٰه إلا الله) لِآيةِ الترجمة
قال العلامة الشيخ محمد أمان الجامي رَحِمَهُ اللهُ:
"(﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّٰهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا﴾) هٰذه الآيةُ العظيمةُ حتىٰ في وَضْعِها موضوعةٌ علىٰ ترتيبِ (لا إلٰه إلَّا اللهُ) تمامًا:
لأن قولَه تعالىٰ: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ يقابِل: (لا إلٰه).
وقوله تعالىٰ: ﴿وَيُؤْمِن بِاللّٰهِ يقابِل: (إلَّا الله).
مِن أَدَقِّ الآياتِ في تفسيرِ (لا إلٰه إلَّا اللهُ)؛ هٰذه الآية" اﻫ
مِن "شرح ثلاثة الأصول" له -رَحِمَهُ اللهُ- (الشريط 5، الدقيقة 1:15:13).


الجمعة 18 المحرم 1435ﻫ


[1] - قاله الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ؛ "تفسير القرآن العظيم" (1/ 682، ط2، 1420ﻫ، دار طيبة). وقال العلَّامة العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسير الآية: "هٰذه الجملة نَفْي، لٰكنْ هل هي بمعنى النهْيِ؛ أي: لا تُكرِهوا أحدًا على الدِّين. أو بمعنى النفْيِ؛ أي أنه لن يَدخل أحدٌ دِينَ الإسلام مُكرَهًا بل عنِ اختيار؛ لقولِه تعالىٰ بَعْدَ ذٰلك: ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾؟ الجواب: تحتمل وَجهين" اﻫ. ثم قال في الفوائد: "مِن فوائد الآية: أنه لا يُكرَه أحدٌ على الدِّين؛ لوضوح الرُّشدِ مِن الغَيِّ؛ لقوله تعالىٰ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ؛ هٰذا على القول بأنها خبرية، أمَّا على القول بأنها إنشائية؛ فإنه يُستفاد منها أنه لا يجوز أن يُكرَه أحدٌ على الدِّين، وبَيَّنتِ السُّنَّةُ كيف نُعامِل الكُفَّار؛ وذٰلك بأنْ ندعوهم إلى الإسلام، فإنْ أبَوا فإلىٰ بَذل الجزية؛ فإنْ أبَوا قاتلناهم" اﻫ مِن "تفسير القرآن الكريم"/ سورة البقرة (3/ 264 و267، ط1، 1423ﻫ، دار ابن الجوزي)، ولأبي -رَحِمَهُ اللهُ- نحوُ هٰذا البيان في "سلسلة الهدىٰ والنُّور" (الشريط 442، الدقيقة 29:20).
[2] - روىٰ أبو داود (2682) وصحَّحه أبي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
«كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا فَتَجْعَلُ عَلَىٰ نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ﴾». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْمِقْلَاتُ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ.
[3] - تُنظر هٰذه الأقوال وغيرها في "فتح القدير" للعلامة الشوكاني رَحِمَهُ اللهُ.
[4] - هو شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ.
[5] - وثمة قول آخر لِأهل العلم واختاره هو رَحِمَهُ اللهُ -أعني شيخَ الإسلام- والوالدُ رَحِمَهُ اللهُ؛ أنَّ الجزية تُقبل مِن جميع الكفار دون فرقٍ بين أهلِ الكتاب وغيرِهم، ينظر "منهاج السُّنَّة النبوية" للإمام ابن تيمية (5/ 179، ط1، 1406ﻫ، جامعة الإمام سعود)، و"الإرواء" (5/ 85 و86، ط1، 1399ﻫ، المكتب الإسلامي).
[6] - "الجواب الصحيح لمن بدَّل دِينَ المسيح" (1/ 233 و234، ط2، 1419ﻫ، دار العاصمة - الرياض)، وقد نقله المؤلف باختصارٍ وتصرُّف يسير.
[7] - في "زاد المعاد" (3/ 64، ط 3، 1418ﻫ، مؤسسة الرسالة).
[8] - مِن حديث بُرَيدة بن الحُصَيب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ "صحيح مسلم" (1731).

معنى الطاغوت وحُكمُ الكفر به ورؤوسُه -ِمن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

102- ما معنى الطاغوت؟
وما حُكم الكُفرِ به؟
ومَن هم رؤوس الطواغيت؟

البيان
الحمدُ للهِ الواحد الأحد، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وأصْحابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ فوحَّد وسَدَّد. أمّا بعد:
قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَافْتَرَضَ اللهُ عَلَىٰ جَمِيعِ الْعِبَادِ الْكُفْرَ بِالطَّاغُوتِ، وَالإِيمَانَ بِاللهِ(1).
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ(2):
مَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ:
- مَعْبُودٍ
- أَوْ مَتْبُوعٍ
- أَوْ مُطَاعٍ(3).
وَالطَّوَاغِيتُ كَثِيرَةٌ(4)، وَرُؤُوسُهُمْ خَمْسَةٌ(5):
1. إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللهُ(6).
2. وَمَنْ عُبِدَ وَهُوَ رَاضٍ(7).
3. وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَىٰ عِبَادَةِ نَفْسِهِ(8).
4. وَمَنْ ادَّعَىٰ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ(9).
5. وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ(10).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّٰهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) (البقرة).
وَهَٰذَا هُوَ مَعْنَىٰ (لَا إلٰهَ إِلَّا اللهُ) ).
_______________
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
" (1) وَلِأَجْلِ ذَٰلِكَ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ، بَلِ الدِّينُ أَمْرَانِ:
كُفْرٌ بِالطَّاغُوتِ.         وَإِيْمَانٌ بِاللهِ.
وَمَنْ كَفَرَ بِالطَّاغُوتِ وَآمَنَ بِاللهِ؛ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصامَ لَهَا.
(2) هُوَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْمَقْبُولَةِ، الْمُتَوَفَّىٰ سَنَةَ سَبِعِمِئَةٍ وَإِحْدَىٰ وَخَمْسِيْنَ.
(3) يَعْنِي: كُلُّ شَيْءٍ يَتَعَدَّىٰ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ، أَي: قَدْرَهُ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ يَصِيرُ بِهِ طَاغُوتًا، سَواءً تَعَدَّىٰ حَدَّهُ مِنْ:
- مَعْبُودٍ مَعَ اللهِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ.
- أَوْ مَتْبُوعٍ فِي مَعَاصِي اللهِ.
- أَوْ مُطَاعٍ مِنْ دُونِ اللهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.
ثَمَّ قَالُ ابْنُ الْقَيِّمِ:
"فَإِذَا تَأَمَّلْتَ طَوَاغِيتَ الْعَالَمِ؛ فَإِذَا هِي لَا تَخْرُجُ عَنْ هَٰذِهِ الثَّلَاثَةِ"[1].
(4) أَي: إِذَا عَرَفْتَ مَا حَدَّهُ ابْنُ الْقَيِّمِ بِتَحَقُّقٍ؛ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّوَاغِيتَ كَثِيرَةٌ جَدًّا مِنْ بَنِي آدَمَ بِلَا حَصْرٍ؛ وَذَٰلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ فِي الشَّرْعِ؛ صَارَ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ وَتَجَاوُزِهِ طَاغُوتًا.
(5) أَي: أكْبَرُ الطَّوَاغِيتِ -بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّأَمُّلِ- خَمْسَةٌ.
(6) هُوَ رَأْسُهُمُ الْأَكْبَرُ، وَاللَّعْنُ فِي الْأَصْلِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَتَقَدَّمَ[2]، وَإِبْلِيسُ مَطْرُودٌ مُبْعَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ.
(7) بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْعَابِدِ بِأَيِّ نَوعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا، فَهُوَ طَاغُوتٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الطَّوَاغِيتِ وَكُبَرَائِهِمْ.
(8) مِمَّنْ يُقِرُّ الْغُلُوَّ وَالتَّعْظِيْمَ بِغَيْرِ حَقٍّ -كَفِرْعَوْنَ وَمشَائِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمُ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ- وَاتِّخَاذَهُمْ أَرَبَابًا، وَالْإِشْرَاكَ بِهِمْ، مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيْبِهِمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَأْتِ إِلَىٰ قَبْرِي وَلْيَسْتَغِثْ بِي!
(9) كَالْمُنَجِّمِينَ وَالرَّمَّالِينَ وَنَحْوِهِمْ.
(10) كَمَنْ يَحْكُمُ بِقَوَانِينِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْقَوَانِينِ الدَّوْلِيَّةِ، بَلْ جَمِيعُ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ[3]، سَواءً كَانَ بِالْقَوَانِينِ، أَوْ بِشَيْءٍ مُخْتَرَعٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ، أَوْ بِالْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ؛ فَهُوَ طَاغُوتٌ مِنْ أكْبَرِ الطَّوَاغِيتِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 133 - 135.

~~~فائدةٌ لُغَويّةٌ في وزنِ كلمةِ (طاغوت)~~~
قال في "لسان العرب" (15/ 9، ط1، 1410، دار صادر):
" وأَصلُ وَزْنِ (طاغُوتٍ):
(طَغَيُوت) علىٰ (فَعَلُوتٍ).
ثم قُدِّمَتِ الياءُ قبل الغَينِ؛ مُحافَظَةً علىٰ بَقائِها، فَصار:
(طَيَغُوت) ووَزْنُهُ (فَلَعُوت).
ثم قُلِبَتِ الياءُ أَلِفًا؛ لتَحَرُّكِها وانفتاحِ ما قَبْلَها، فصار:
(طاغُوت)" اﻫ.

الثلاثاء 15 المحرم 1435



[1] - نصُّ عبارتِه في "إعلام الموقعين" (2/ 92 و93، ط):
"وَالطَّاغُوتُ: كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ، أَوْ مَتْبُوعٍ، أَوْ مُطَاعٍ؛ فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ:
مَنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ.
أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَىٰ غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنَ اللهِ.
أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلّٰهِ.
فَهَٰذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ، إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا؛ رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ مِمَّنْ أَعْرَضَ عَن عِبَادَةِ اللهِ إلَىٰ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ، وَعَنِ التَّحَاكُمِ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ، وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ إلَىٰ طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ" اﻫ المراد.
[3] - تفصيلٌ في مسألة الحكم بغير ما أنزل اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ:
سئل الإمامُ العلَمُ ابنُ باز رَحِمَهُ اللهُ:
كثيرٌ مِن المسلمين يتساهلون في الحكم بغير شريعة الله، والبعض يعتقد أنّ ذٰلك التساهل لا يؤثر في تمسُّكه بالإسلام، والبعض الآخر يستحلُّ الحُكمَ بغير ما أنزل الله، ولا يبالي بما يترتَّب علىٰ ذٰلك، فما هو الحق في ذٰلك؟
فأجاب:
"هٰذا فيه تفصيلٌ، وهو أن يقال:
مَن حَكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل اللهُ، وأنه خالَف الشرعَ ولٰكنِ استباح هٰذا الأمرَ، ورأىٰ أنه لا حرج عليه في ذٰلك، وأنه يجوز له أن يَحكم بغير شريعةِ الله؛ فهو كافرٌ كفرًا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحُكم بالقوانين الوضْعية التي وضعها الرجالُ مِن النصارىٰ أو اليهود أو غيرِهم ممن زعم أنه يجوز الحكمُ بها، أو زعم أنها أفضلُ مِن حُكم الله، أو زعم أنها تساوي حُكمَ الله، وأنّ الإنسانَ مُخيَّرٌ إنْ شاء حَكم بالقرآن والسُّنَّة، وإنْ شاء حَكم بالقوانين الوضعية- مَن اعتقد هٰذا؛ كَفَرَ بإجماعِ العلماء، كما تقدَّم.
أمَّا مَن حَكم بغير ما أنزل اللهُ لِهَوًى، أو لِحَظٍّ عاجِلٍ وهو يَعلم أنه عاصٍ لِلّٰهِ ولِرسوله، وأنه فَعَل منكرًا عظيمًا، وأنّ الواجبَ عليه الحُكمُ بِشرعِ الله؛ فإنه لا يَكفر بذٰلك الكفرَ الأكبرَ، لٰكنه قد أتىٰ منكرًا عظيمًا، ومعصيةً كبيرةً، وكفرًا أصغرَ، كما قال ذٰلك ابنُ عباس ومجاهدٌ وغيرُهما مِن أهل العلم*، وقد ارتكب بذٰلك كُفرًا دون كُفْرٍ، وظُلْمًا دون ظُلْمٍ، وفِسقًا دون فسقٍ، وليس هو الكفرَ الأكبرَ.
وهٰذا قولُ أهل السُّنَّةِ والجماعة.
وقد قال اللهُ سبحانه:
﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ (المائدة: من الآية 49). وقال تَعَالَىٰ:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة: مِن الآية 44).
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة: مِن الآية 45).
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة: مِن الآية 47). وقال عَزَّ وَجَلَّ:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) (النساء). وقال عَزَّ وَجَلَّ:
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) (المائدة).

فحُكْمُ اللهِ:
- هو أَحْسَنُ الأحكامِ.
- وهو الواجبُ الاتِّباعِ.
- وبه صلاحُ الأُمَّةِ وسعادتُها في العاجِل والآجلِ، وصلاحُ العالَمِ كلِّه.
ولٰكنَّ أكثرَ الخَلقِ في غفلٍة عن هٰذا! واللهُ المستعان، ولا حول ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم" اﻫ مِن "مجموع فتاوىٰ ومقالات متنوعة" للإمام ابن باز رَحِمَهُ اللهُ  (5/ 355 و 356، ط1، 1420، دار القاسم).
* تنظر في "صحيحة" أبي (6/ 113 و114، تحت 2552).