مِن صِيَغِ التكبير أيّامَ التشريق

بسمِ اللهِ الرحمٰنِ الرحيم
مِن صِيَغِ التكبيرِ الثابتة عنِ ابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أيَّامَ التشريق:
(اللهُ أكبَرُ كَبيرًا
اللهُ أكبَرُ كَبيرًا
اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمْدُ
اللهُ أكبَرُ وأَجَلُّ
اللهُ أكبَرُ عَلَىٰ مَا هَدَانا)
يُنظر "الإرواء" (3/ 126)

فَضْلُ مَن جهّز حاجًّا

بسم الله الرحمٰن الرحيم
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ :
 قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا،
أَوْ جَهَّزَ حَاجًّا،
أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ،
أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا؛
كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ،
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ».
رواه الإمام ابن خزيمة في "صحيحه" (2064)
وصححه الوالد
-رَحِمَهُما اللهُ-
"صحيح الترغيب والترهيب" (1078).

أوّلُ ما يُقال للعبد يومَ القيامة

بسم الله الرحمٰن الرحيم
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىٰ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« أَوَّلُ مَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
أَلَمْ أُصَحِّحْ جِسْمَكَ، ونُرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟!».
رواه ابن حبان وصححه أبي رَحِمَهُمَا اللهُ
"التعليقات الحسان" (7320)، و"صحيح موارد الظمآن" (2192)

خيرُ ما يُعطى المرءُ بعد التوحيد

بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتَمِ رُسُلِ اللهِ.
أمّا بعدُ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ رِضْوانُ اللهِ عليهِ- عَلَىٰ هَـٰذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَـٰذَا الْيَوْمِ -عَامَ أَوَّل- يَقُولُ، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ أَبُو بَكْرٍ رِضْوانُ اللهِ عليهِ- فَبَكَىٰ، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَنْ تُؤْتَوْا شَيْئًا بَعْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلاَصِ مِثْلَ الْعَافِيَةِ؛ فَسلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ».
رواه ابن حبان في "صحيحه"، ونحوَه الإمام أحمد، وبوّب له ابن حبان بقوله:
(ذِكرُ الأمرِ بِسؤالِ اللهِ -جَلَّ وَعَلا- العافيةَ؛ إذْ هيَ خيرُ ما يُعطَى المرءُ بَعْدَ التوحيدِ).

والحديثُ قال فيه أبي رَحِمَهُ اللهُ: "صحيح لغيره"، كما في "التعليقات الحِسان" (946).

قال الإمامُ الشوكانيّ في شرح نحو هٰذا الحديث مُبيّنًا معنى العافية:
"قال في "الصحاح": (وعافَاهُ اللهُ وأعْفَاهُ بمعنًى واحد، والاسمُ: العَافِيةُ، وهي دِفَاعُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عنِ العَبْد. وتُوضَع مَوْضِعَ المَصْدَر يُقال عَافَاهُ الله عافِيَةً). فقوله: (دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد) يفيد أنّ العافيةَ جميعُ ما يَدْفَعُهُ اللهُ عنِ العَبْدِ مِنَ البلايا كائنةً ما كانت.
وقال في "النهاية": (والعافيةُ: أنْ يَسْلَمَ مِنَ الأسْقَامِ والبَلاَيا)، وهٰذا يفيد العمومَ، كما أفاده كلامُ صاحب "الصحاح".
وقال في "القاموس": (والعافِيةُ: دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد. عافاهُ اللهُ مِنَ المَكْرُوهِ [عِفاءً و] معافاةً وعافِيةً: وَهَبَ له العافِيَةَ مِنَ العِلَلِ [والبَلاءِ]، كأَعْفَاهُ). انتهىٰ. وهٰكذا كلامُ سائرِ أئمةِ اللغة.
وبهٰذا تَعرف أنّ العافية هي:
دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد، وهٰذا الدِّفاعُ الْمُضافُ إلى الاسمِ الشريفِ يَشمل كلَّ نوعٍ مِن أنواع البَلايا والْمِحَنِ، فكلُّ ما دَفَعَهُ اللهُ عنِ العبْدِ منها فهو عافيةٌ، ولِهٰذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هٰذا الحديث:
« فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ»".
إلىٰ أن قال رَحِمَهُ اللهُ:
"فعلى العبْدِ أن يَستكثرَ مِنَ الدعاء بالعافية، وقد أَغْنَىٰ عنِ التطويل في ذِكرِ فوائدِها ومنافعها ما ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هٰذا الحديث؛ فإنها إذا كانت بحيث إنه لم يُعْطَ أَحَدٌ بعْدَ اليقين خيرًا منها؛ فقد فاقت كُلَّ الخصال، وارتفعتْ دَرَجتُها علىٰ كلِّ خير. وسيأتي في حديث العبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ[1] ما يدلُّ علىٰ أنّ العافيةَ تَشمل أمورَ الدُّنيا والآخرة، وهو الظاهرُ مِن كلام أهل اللغة؛ لأن قولَهم: (دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد) غيرُ مُقَيَّدٍ بدِفاعِه عنه لأمورِ الدُّنيا فقط، بل يَعُمُّ كلَّ دِفاعٍ يَتَعَلَّق بالدُّنيا والآخرة" اﻫ "تحفة الذاكرين" ص456 و457.


๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑๑



[1] - يعني قوله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ:
«سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ». فَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ ؟ فَقَالَ لِي:
«يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ! سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
رواه الترمذي وغيره، وصححه أبي رَحِمَهُ اللهُ، "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1523).

المناسبة بين الآيات 36 - 38 من سورة الأنبياء


      لِحُفّاظِ القرآنِ الكريم ومُتَحَفِّظِيه      

بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتم رُسلِ الله
أما بعد
قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في سورة الأنبياء:
]وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَـٰفِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَـٰنُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَـٰتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)[
ما المناسَبةُ (الرابطُ) بين الآيتينِ يا تُرىٰ؟
يُجيبنا الحافظُ ابنُ كثير رَحِمَهُ اللهُ في "تفسيره":
"والحكمةُ في ذِكرِ عَجَلَةِ الإنسانِ هٰهنا: أنه لَمَّا ذَكَرَ الْمُستهزئين بالرسول صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه؛ وَقَع في النُّفوسِ سُرعةُ الانتقامِ منهم واستعجلت ذلك، فقال اللهُ تعالىٰ: ]خُلِقَ الْإِنْسَـٰنُ مِنْ عَجَلٍ[؛ لأنه تعالىٰ يُملي للظالم حتىٰ إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، ويُنْظِر ثم لا يؤخِّر؛ ولِهٰذا قال: ]سَأُوْرِيكُمْ ءَايَـٰتِي [ أي: نِقَمي وحكمي واقتداري علىٰ مَن عصاني؛ ]فَلا تَسْتَعْجِلُونِ[" اﻫ.
وكذٰلك فالآيةُ الأخيرة مرتبطةٌ مع ما بعدها:
]وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ (38) [.
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ:
"يخبر تعالىٰ عن المشركين أنهم يستعجلون أيضًا بوقوع العذاب بهم؛ تكذيبًا وجحودًا وكفرًا وعنادًا واستبعادًا، فقال: ]وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ[" اﻫ .

{يُحْمَىٰ عَلَيْهَا} وليس: تُحمى

مِن بلاغةِ القرآنِ العظيم

بسم الله الرحمٰن الرحيم

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتَمِ رُسُلِ اللهِ.
أما بعدُ....

قال اللهُ في الذين يَكنِزُون الذَّهَبَ والفِضَّةَ، ولا يُخرِجون حُقوقَه -عَزَّ وَجَلَّ- منها:
]يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ[ [التوبة: 35]
قال العلامة السّعديّ رَحِمَهُ اللهُ تعالىٰ:
"قال: ]يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا[، ولم يقُل: "يوم تُحمىٰ في نار جهنم"؛ ليدلَّ ذٰلك علىٰ أنها مع حرارةِ نارِ جهنم تُستعمَل لها الآلاتُ المحمية كالمنافيخ ونحوِها، فيُضاعَف حرُّها، ويَشتدّ عذابُها". اﻫ "المواهب الربّانيّة" ص 43.
اللّهمَّ! أجِرْنا مِن النار.

مِنَ الفُرُوقِ بين (إنْ) و (إذا)

مِن بلاغةِ القرآنِ العظيم




بسم الله الرحمٰن الرحيم

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتَمِ رُسُلِ اللهِ.

قال العلامةُ ابنُ قيّم الجوزية رَحِمَهُ اللهُ:

"المشهورُ عند النُّحاة والأصوليين والفقهاء أنّ أداة (إنْ) لا يُعلَّق عليها إلا محتمل الوجود والعدم، كقولك:

"إنْ تأتني؛ أُكرمْك".

ولا يُعَلَّق عليها محقَّقُ الوجود، فلا تقول:

"إنْ طَلعتِ الشمسُ أتيتُك"، بل تقول:

"إذا طَلَعتِ الشمسُ أتيتُك".

و(إذا) يُعَلَّق عليها النوعان.

واستشكل هٰذا بعضُ الأصوليين، فقال:

قد وَرَدَتْ (إنْ) في القرآن في معلومِ الوقوع قطعًا، كقوله:

]وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا[ [البقرة: 23] وهو سبحانه يَعلم أنّ الكفارَ في ريبٍ منه. وقوله:

]فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ[ [البقرة: 24] ومعلومٌ قَطْعًا انتفاءُ فِعْلِهم.

وأجاب عن هٰذا بأنْ قال:

إنَّ الخصائصَ الإلٰهيّة لا تَدخُل في الأوضاعِ العربيّة، بل الأوضاعُ العربيةُ مَبنيّةٌ علىٰ خصائصِ الخلق، واللهُ تعالىٰ أَنزلَ القرآنَ بِلُغةِ العربِ وعلىٰ مِنوالهم، فكلُّ ما كان في عادةِ العربِ حَسَنًا؛ أُنزل القرآنُ علىٰ ذٰلك الوجه، أو قبيحًا؛ لم يَنْزِل في القرآن، فكلُّ ما كان شأنُه أن يكون في العادةِ مَشكوكًا فيه بين الناس؛ حَسُنَ تَعليقُه ﺑ (إن) مِن قِبَلِ اللهِ ومِن قِبَلِ غيرِه، سواء كان معلومًا للمتكلم أو للسامع أم لا.

وكذٰلك يَحْسُنُ مِنَ الواحد منا أن يقول:

"إنْ كان زيدٌ في الدارِ؛ فأكرمْه"، مع عِلْمِه بأنه في الدار؛ لأنّ حُصولَ زيدٍ في الدار شأنُه أن يكون في العادة مشكوكًا فيه، فهٰذا هو الضابط لِمَا تَعَلَّقَ علىٰ (إنْ)، فاندَفَعَ الإشكالُ.

قلتُ: هٰذا السؤالُ لا يَرِدُ، فإنّ الذي قاله القومُ أنّ الواقعَ ولا بُدَّ لا يُعَلَّق ﺑ (إنْ)، وأما ما يجوز أن يَقَعَ ويجوز أن لا يقع؛ فهو الذي يُعلَّق بها، وإن كان بَعد وقوعِه متعيِّنَ الوقوع.

وإذا عَرَفْتَ هٰذا؛ فتدبَّرْ قولَه تعالىٰ:

]وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَـٰنَ كَفُورٌ[ [الشورى: 48]

o كيف أتىٰ في تعليقِ الرحمةِ المحَقَّقة إصابتُها مِن اللهِ تعالىٰ ﺑ (إذا)، وأتىٰ في إصابة السيئة ﺑ (إنْ)؛ فإنَّ ما يعفو اللهُ تعالىٰ عنه أكثرُ.

o وأتىٰ في الرحمة بالفعل الماضي الدالِّ علىٰ تحقيقِ الوقوعِ، وفي حصولِ السيئة بالمستقبل الدالِّ علىٰ أنه غيرُ مُحَقَّقٍ ولا بد.

o وكيف أتىٰ في وصول الرحمةِ بفِعلِ الإذاقة الدالِّ علىٰ مباشرةِ الرحمةِ لهم، وأنها مَذُوقةٌ لهم، والذَّوقُ هو أَخَصُّ أنواعِ الملابَسةِ وأشدُّها.

o وكيف أتىٰ في الرحمة بحرفِ ابتداءِ الغايةِ مضافةً إليه، فقال: ]مِنَّا رَحْمَةً[، وأتىٰ في السيئة بباء السببية مضافةً إلىٰ كسْبِ أيديهم.

o وكيف أكَّدَ الجملةَ الأُولىٰ التي تضمَّنتْ إذاقةَ الرحمةِ بحرفِ "إنَّ" دون الجملة الثانية.

وأسرارُ القرآن الكريم أكثرُ وأعظمُ مِن أنْ يُحيط بها عقولُ البشر.

وتأمَّلْ قولَه تعالىٰ:

]وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ[ [الإسراء: 67]

كيف أتىٰ ﺑ (إذا) هٰهنا لَمَّا كان مسُّ الضُّرِّ لهم في البحر محَقَّقًا، بخلاف قولِه:


]لا يَسْأَمُ الْإِنسَـٰنُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ[ [فصلت: 49]

فإنه لم يقيِّد مسَّ الشَّرِّ هنا، بل أَطْلَقَهُ، ولَمَّا قَيَّدَهُ بالبحر الذي هو متحَقِّقٌ فيه ذٰلك؛ أتىٰ بأداة (إذا).


وتأمَّلْ قولَه تعالىٰ:

]وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا[ [الإسراء: 83]

كيف أتىٰ هنا ﺑ (إذا) المشْعِرةِ بتحقيق الوقوعِ المستلزِمِ لليأس، فإنَّ اليأسَ إنما حَصَل عند تحقُّقِ مَسِّ الشَّرِّ له، فكان الإتيان ﺑ (إذا) هٰهنا أدلَّ على المعنى المقصودِ مِن (إن)، بخلاف قوله:

]وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ[ [فصلت: 49]؛ فإنه بِقِلَّةِ صبْرِه وضعْفِ احتمالِه متىٰ توقَّع الشَّرَّ؛ أَعرض وأطال في الدعاء، فإذا تَحقَّقَ وقوعَه؛ كان يؤوسًا.

ومِثْلُ هٰذه الأسرار في القرآن لا يُرقىٰ إليها إلا بموهبةٍ مِنَ اللهِ وفَهْمٍ يؤتيه عبْدًا في كتابه.


فإنْ قلتَ:

فما تَصنع بقولِه تعالىٰ:

]إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ[ [النساء: 176] والهلاكُ محقَّقٌ؟

قلتُ:

التعليقُ ليس علىٰ مُطلَقِ الهلاك، بل علىٰ هلاكٍ مخصوصٍ، وهو هلاكٌ لا عن وَلَدٍ.


فإنْ قلتَ:

فما تصنع بقولِه:

]يَـٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[ [البقرة: 172]، وقولِه:

]فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ[ [الأنعام: 118].

وتقول العرب: إنْ كنتَ ابني؛ فأطِعْني.

وفي الحديثِ في السَّلام على الموتىٰ:

«وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»([1])، واللَّحاق محَقَّق.

وفي قولة الموصِي: "إْن متُّ؛ فثُلُثُ مالي صدقة".

قلتُ:

- أمّا قولُه: ]إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ[ الذي حَسَّنَ مجيءَ (إن) هٰهنا: الاحتجاجُ والإلزامُ؛ فإنّ المعنىٰ: إنّ عبادتَكم للهِ تَستلزم شُكرَكم له، بل هي الشكرُ نفسُه، فإنْ كنتم ملتزمين لعبادته داخلين في جُملتها؛ فكلوا مِن رِزقه واشكروه علىٰ نِعَمه، وهٰذا كثيرًا ما يُورَد في الحِجاج، كما تقول للرجل: "إنْ كان اللهُ ربَّكَ وخالقَك؛ فلا تَعصِه، وإنْ كان لقاءُ اللهِ حقًّا؛ فتأهَّبْ له، وإنْ كانتِ الجنةُ حقًّا؛ فتَزَوَّدْ إليها". وهٰذا أَحْسَنُ مِن جوابِ مَن أجابَ بأنَّ (إنْ) هنا قامت مقامَ (إذا).

- وكذا قوله: ]إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ[ [الأنعام: 118].

- وكذا قولهم: "إنْ كنتَ ابني؛ فأطِعْني". ونظائر ذٰلك.

- وأما قوله: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» فالتعليقُ هنا ليس لِمُطلَقِ الموت؛ وإنما هو لِلَحاقِهم بالمؤمنين ومصيرِهم إلىٰ حيث صاروا.

- وأما قولُ الموصي: "إْن متُّ؛ فثُلُثُ مالي صدقة"، فلأنَّ الموتَ وإنْ كان محقَّقًا لٰكن لَمَّا لم يُعرَف تعيُّنُ وقتِه وطال الأمدُ وانفردتْ مسافةُ أُمنيةِ الحياة؛ نُزِّل منزلةَ المشكوكِ، كما هو الواقع الذي يدلُّ عليه أحوالُ العباد، فإنَّ عاقِلاً لا يَتيقَّنُ الموتَ ويَرضىٰ بإقامتِه علىٰ حالٍ لا يحِبُّ الموتَ عليها أبدًا، كما قال بعضُ السلف:

"ما رأيتُ يقينًا لا شكَّ فيه أَشْبَهَ بِشَكٍّ لا يقينَ فيه مِنَ الموت!".

وعلىٰ هٰذا حَمَلَ بعضُ أهلِ المعاني([2]):

]ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ~ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[ [المؤمنون: 15 و16] فأكَّدَ الموتَ باللامِ وأتىٰ فيه باسمِ الفاعلِ الدالِّ على الثُّبوت، وأتىٰ في البعث بالفعل ولم يؤكِّدْه" اﻫ. "بدائع الفوائد"(1/ 46 – 49).








([1]) "صحيح مسلم" (249).
([2]) قال السيوطي رَحِمَهُ اللهُ: "وقد يؤكَّد بها –أي:حروف التأكيد- والمخاطَب به غير منكِر؛ لعدم جريه علىٰ مقتضىٰ إقراره، فيُنَزَّل منزلةَ الْمُنكِر، وقد يُتْرَك التأكيدُ وهو معه منكِر؛ لأنّ معه أدلةً ظاهرةً لو تأمّلها لَرَجع عن إنكاره، ولذٰلك يخرج قوله: ]ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ~ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[:
أَكَّدَ الموتَ تأكيدَين وإنْ لم يُنكَر؛ لِتَنْزِيل المخاطَبين -لِتمادِيهم في الغفلة- تَنْزيلَ مَن يُنكِر الموتَ.
وأَكَّدَ إثباتَ البعثِ تأكيدًا واحدًا وإنْ كان أشدَّ نكيرًا؛ لأنه لَمّا كانت أدلتُه ظاهرةً؛ كان جديرًا بأنْ لا يُنكَر، فنُزِّل المخاطَبون منزلةَ غيرِ المنكِر؛ حَثًّا لهم على النظَر في أدلتِه الواضحة" اﻫ مِن "الإتقان" (2/ 102) ونحوه للزركشي رَحِمَهُ اللهُ في "البرهان" (2/ 391).