فإنّ مقالتهم كـ (الظلال) يوشك أفياؤها أن تزولا


بسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحِيم
الحمد لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ علىٰ خاتم رسلِ الله
أمّا بعد
قال عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَب[1] (ت184ﻫ) رَحِمَهُ اللهُ:
"وَلَا تَصْحَبَنَّ أَخَــا بِدْعَـــةٍ * وَلَا تَسْــــمَعَنَّ  لَهُ الدَّهْرَ قِيلًا
فَإِنَّ مَقَالَـــــتَهُمْ كَـ (الظِّلَا * لِ) يُوشِكُ أَفْيَاؤُهَا أَنْ تَزُولَا
وَقَدْ أَحْــكَمَ اللَّهُ آيَـــــــاتِهِ * وَكَانَ  الرَّسُـــولُ  عَلَيْهَا دَلِيلًا
وَأَوْضَحَ لِلْمُسْلِمِينَ السَّبِيل * فَلَا تَتْبَعَنَّ سِــوَاهَا  سَبِيلًا"
"تأويل مختلف الحديث" -ط: دار الكتاب العربي- ص 43
قال الحافظ الذهبيّ في ترجمة الحارث المحاسبيّ:
"وقال سَعِيد بْن عمرو البَرْدعيّ: شهدتُ أَبَا زُرْعَة -وَقد سُئِلَ عن الحارث المُحَاسبيّ وكُتُبِه- فقال للسّائل:
(إيّاك وهٰذه الكُتُب، هٰذه كُتُب بِدَعٍ وضَلالات.
عليك بالأثر، فإنّك تجد فِيهِ ما يُغْنيك).
قيل له:
في هٰذه الكُتْب عِبْرة.
قال:
(مَن لم يكن له فِي كتابِ اللَّه عِبْرة، فليس له فِي هٰذه الكُتُب عِبْرة.
بَلَغَكم أنّ سُفيانَ ومالكًا والأوزاعيّ صنَّفوا هٰذه الكُتُب فِي الخطرات والوساوس؟! ما أسرع النّاس إلى البِدَع!)
مات الحارث سنة ثلاث وأربعين ومئتين.
وأين مثل الحارث! فكيف لو رأىٰ أبو زرعةَ تصانيفَ المتأخِّرين كـ"القُوت" لأبي طالب، وأين مثل "القوت"؟!
 كيف لو رأىٰ "بهجة الأسرار" لابن جَهْضَم، و"حَقَائِق التَّفْسِيْر" لِلسُّلَمِيّ؟!
لَطَار لُبُّهُ!
كيف لو رأىٰ تصانيف أبي حامد الطُّوْسِيُّ في ذٰلك على كثرة ما في "الإِحيَاء" مِن الموضوعات.
كيف لو رأى "الغُنْيَة" للشيخ عبد القادر؟!
 كيف لو رأىٰ "فُصُوص الحِكَم" و"الفتوحات المكية"؟!
بلىٰ لَمّا كان الحارثُ لسانَ القوم في ذاك العصر؛ كان معاصرُه ألفَ إمامٍ في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ولَمّا صار أئمةُ الحديث مثل ابن الدُّخميسِيّ، وابن شُحَانَة؛ كان قطبَ العارفين كصاحب "الفُصُوص"، وابن سفيان[2].
نسأل اللهَ العفْوَ والمسامَحَة، آمين" اﻫ مِن "ميزان الاعتدال" (1/ 431).
"فكيف لو رأوا هُمْ [أي أبو زرعة وأئمةُ الحديث في عصره] وابنُ تيمية كتابَ "الظلال"، تُحَرَّف فيه كلمة (لا إلٰه إلا الله)، وتُحَرَّف فيه دَعواتُ الرُّسُلِ إلى التوحيد، وتُقَرَّر فيه وحدة الوجود؟!" قاله العلامة ربيع المدخليّ -حَفِظَهُ اللهُ- عقب كلامِ الحافظ الذهبيّ السابق؛ يُنظَر "بيان فساد المعيار" ضمن: "مجموع كُتُب فضيلته" (10/ 519 و520).




[1] - عَبْدُ اللهِ بنُ مُصْعَبِ بنِ ثَابِتٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
[2] - في نسخة: (ابن سبعين)، وصوّبه العلامة ربيع في المصدر المذكور لاحقًا.

أمثلةٌ لآياتِ اللهِ ومخلوقاتِه الدالّةِ على وحدانيّتِه عزّ وجلّ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال



22- اذكري أمثلةً لآياتِ الله ومخلوقاتِه، مع الأدلةِ مِن القرآن الكريم وبيانِ دلالتها علىٰ وَحْدانيّةِ الله



البيان
قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ.
وَمِنْ آيَاتِهِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ(1)، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(2).
وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ: السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا(3).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ(4) لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ(5) وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(6)} (فصلت: 37).
وَقَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ(7) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ(8) يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا(9) وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ(10) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ(11) تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(12)} (الأعراف: 54) ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"(1) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ آياتِه الْمُشَاهَدَةِ بالأبْصارِ: اللَّيْلُ وَالنّهارُ، وَكَونُ اللَّيْلِ يَأْتِي عَلَى النّهارِ، فَيُغَطِّيهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ! ثَمَّ يَأْتِي النَّهارُ وَيَذْهَبُ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، حَتَّىٰ كَأَنَّ اللَّيْلَ لَمْ يَكُنْ! فَمَجِيءُ هٰذَا وَذَهَابُ هٰذَا بِهٰذِهِ الصِّفَةِ وَهٰذِهِ الصُّورَةِ الْمُشَاهَدَةِ؛ دَالٌّ أَعْظَمَ دلالَةٍ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهِ وَمُوجِدِهِ.
(2) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ آياتِه الْمُشَاهَدَةِ بالأبْصارِ: الشَّمسُ وَالْقَمَرُ، وَكَوْنُهُمَا يَجْرِيَانِ هٰذَا الْجَرَيَانِ الْمُتْقَنِ؛ {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقمرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: 40)؛ دَالٌّ أَعْظَمَ دلالَةٍ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ مُوجِدِهِمَا، تَعَالَىٰ وَتَقَدَّسَ.
(3) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى:
السَّمَاواتُ السَّبْعُ وسَعَتُهَا وَارْتِفَاعُهَا.
والأَرضُونَ السَّبْعُ وَامْتِدَادُهَا وَسَعَةُ أَرْجَائِها.
وَمَا فِي السَّمَاواتِ السَّبْعِ مِنَ الْكَوَاكِبِ الزّاهِرَةِ، والآياتِ الْباهِرَةِ.
وَمَا فِي الأَرضين السَّبْعِ مِنَ الْجِبَالِ وَالْبِحارِ، وأَصْنافِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّباتَاتِ وَسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ.
وَمَا بَيْنَ السَّمَاواتِ والأَرْضِ مِنَ الأَهْوِيَةِ وَالسَّحَابِ، وَغَيْرِ ذٰلِكَ؛ دَالٌّ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّةِ الْبَارِي جَلَّ جَلالُهُ، وَعَلَىٰ تَفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِير.
(4) أََيْ: وَمِنْ حُجَجِ وَحْدَانِيَّتِهِ -تَعَالَىٰ- وَبَراهينِ فَرْدَانِيَّتِهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: مَا تَعَرَّفَ بِهِ -تَعَالَىٰ- إِلَينَا بِمَا نَرَاهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْهَا: اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، فَمَجِيءُ هٰذَا وَذَهَابَ هٰذَا مِنْ دَلائِلِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ الدَّالَةِ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَالشّمسُ وَالْقَمَرُ مَخْلُوقَانِ مُسَخِّرَانِ دَائِبَانِ يَجْرِيَانِ دَالانِ عَلَىٰ تَفَرُّدِهِ -تَعَالَىٰ- بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ.
وَهٰذَا وَجْهُ اسْتِدْلالِ الْمُصَنِّفِ بِالآية هُنَا.
(5) لأَنَّ السُّجُودَ عِبَارَةٌ عَنْ نِهَاِيَةِ التَّعْظِيم، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مَخْلُوقَانِ مُتَصَرَّفٌ فِيهِمَا، يَعْتَرِيهِمَا التَّغَيُّرُ، فَلا يَسْتَحِقَّانِ أَنْ يُسْجَدَ لَهُمَا.
(6) أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، فَكَمَا أَنَّهُ المتَفَرِّدُ بِخَلْقِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
(7) أََي: وَمِنْ أَعْظَمِ الدَّلائِلِ وَالْمُعَرِّفَاتِ الَّتِي تَعَرَّفَ بِهَا -سُبْحَانَهُ- عَلَىٰ عِبَادِهِ: خَلْقُ السَّمَاواتِ والأَرْضِ مِنْ غَيْرَ مِثَالٍ سَبَقَ، وَتَقْديرُ أَوقَاتِهَا فِيهَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ.
وَأَصْلُ الْخُلُقِ: إيجادُ الْمَعْلُومِ عَلَىٰ تَقْديرٍ وَاسْتِواءٍ، وإبْداعُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ سَابِقٍ، وَلا ابْتِداءٍ مُتَقَدِّمٍِ، قَالَ تَعَالَىٰ:
{بَدِيعُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ} (الأنعام: 101). وَقَالَ:
{فَاطِرِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ} (فَاطِر: 1).
(8) اسْتِواءً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: (الاسْتِواءُ مَعْلُومٌ، والْكَيْفُ مَجْهُولٌ، والإيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ).
وَبِهٰذَا قَالَ السَّلَفُ، وأَدِلَّةُ عُلُوِّهِ عَلَىٰ خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَىٰ عَرْشِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَىٰ ذٰلِكَ.
(9) أََيْ: يَأْتِي بِاللَّيْلِ فَيُغَطِّي النّهارَ، وَيُلْبِسُهُ إِيَّاهُ حَتَّىٰ يَذْهَبَ بِنُورِهِ، وَيُغْشِي النّهارَ بِاللَّيْلِ {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} طَلَبًا سَرِيعًا، لا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَلا يُدْرِكُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ.
(10) مُذَلَّلاتٍ جَارِيَةً فِي مَجَارِيهَا بِأَمْرِ اللهِ، لا تَتَقَدَّمُ وَلا تَتَأَخَّرُ، وَإذا تَأَمَّلْتَ هٰذَا الْعَالَمَ وَجَدتَّهُ عَلَىٰ أَحْسنِ نِظَامٍ وَأَتَمِّهِ، وَأَدَلِّهِ عَلَىٰ وُجُودِ خَالِقِهِ جَلَّ وَعَلا، وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكَمَالِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
(11) فَهُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ، كَمَا أنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالأَمْرِ، فَلا شَرِيكَ لَهُ فِي الْخَلْقِ، كَمَا أنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي الأَمْرِ، لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَلَهُ الأَمْرُ كُلُّهُ، وَبِيدِهِ الْخَيرُ كُلُّه، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82).
(12) أََي: بَلَغَ فِي الْبَرَكَةِ نِهَايَتَهَا، إِلٰهُ الْخَلْقِ وَمَلِيكُهُمْ، وَمُوْصِلُ الْخَيْرَاتِ إِلَيهِمْ، وَدَافِعُ الْمَكَارِهِ عَنْهُمْ، والْمُتَفَرِّدُ بِإيجَادِهِمْ وَتَدْبِيرِهِمْ، لا إِلٰهَ إلا هُوَ، وَلا رَبَّ سِوَاهُ"  اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص 38 – 42.

بِمَ نَعْرِفُ ربَّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ؟ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال


21 - بِمَ نَعْرِفُ ربَّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ؟


البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ).
قال الشيخ عبد الرَّحمٰن بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"أَيْ: فَقُلْ: عَرَفْتُهُ بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي نَصبَهَا دلالَةً عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلٰهِيَّةِ.
والآياتُ: جَمْعُ آيَةٍ، والآيةُ: الْعَلامَةُ وَالدّلالَةُ وَالْبُرْهَانُ وَالْحُجَّةُ.
وَالْمَخْلُوقَاتُ: جَمْعُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ مَا أُوْجِدَ بَعْدَ الْعَدَمِ.
وآيَاتُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ هِي: دلالاتُهُ وَبَراهينَهُ الَّتِي بِهَا يَعْرِفُهُ الْعِبَادُ، وَيَعْرِفُونَ أَسَمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدَهُ وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
وآيَاتُهُ الْعِيَانِيَّةُ الْخَلْقِيَّة، وَالنَّظَرُ فِيهَا والاسْتِدْلالُ بِهَا؛ يَدُلُّ عَلَىٰ مَا تَدُلُّ عَلَيهِ آياتُه الْقَوْلِيَّةُ وَالسَّمْعِيَّةُ.
وَالرُّسُلُ تُخْبِرُ عَنْه بِكَلامِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَهُوَ: آياتُهُ الْقَوْلِيَّةُ.
وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَىٰ ذٰلِكَ بِمَفْعُولاتِهِ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَىٰ صِحَّةِ ذٰلِكَ، وَهِي: آيَاتُهُ الْعِيَانِيَّةُ.
وَالْعَقْلُ يَجْمَعُ بَيْنَ هَـٰذِهِ وَهَـٰذِهِ؛ فَيَجْزِمُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ فَتَتَّفِقُ شَهَادَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ آياتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهُ دَالٌّ عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرِ:
فَوا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإلٰهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلّهِ فِي كُــلَّ تَحْرِيكَةٍ ... وتَسْكِينَةٍ أَبَدًا  شَـاهِدُ
وَفِي كُلَّ شَـيْءٍ لَهُ آيَـةٌ ... تَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّه  وَاحِـدُ
وقَالَ آخَرُ:
تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ  وَاُنْظُرْ ... إِلَىٰ آثَـارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لُجَينٍ شَـاخِصَاتٌ ... بِأَبْصَارٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيْكُ
عَلَىٰ قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شاهِدَاتٌ ... بِأَنّ اللهَ لَيْسَ  لَهُ  شَـرِيكُ
وقَالَ آخَرُ:
تَأَمَّلْ سُـطُورَ الْكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا ... مِنَ الْمَلِكِ الأَعْلَىٰ إِلَيكَ رَسَـائِلُ
وَقَدْ خَطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا ... أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ[1]
فَإيجادُ هَـٰذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ أَوَضَحُ دَليلٍ عَلَىٰ وُجُودِ الْبَارِي تَعَالَىٰ وَتَفَرُّدِهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإِلٰهِيَّةِ.
وَنَعْرِفُ رَبَّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- أَيْضًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَىٰ ذٰلِكَ، وَهِي كَثِيرَةٌ، فَالْكِتَابٌ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَةٌ بِذٰلِكَ" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص37 و38.


[1] - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ». متفق عليه.

تفسيرٌ مختصَرٌ لأولِ آيةٍ في المصحفِ بعد البسملة - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال


20- فسِّري -باختصار- أولَ آيةٍ في المصحفِ (بَعْدَ البسملة) 


البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّىٰ جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وَهُوَ مَعْبُودِي، لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}* (الفاتحة: 2).
وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ عَالَمٌ**، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذٰلِكَ الْعَالَمِ***).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* الْحَمْدُ: هُوَ الثَّناءُ عَلَى الْمَحْمُودِ مَعَ حُبِّهِ وإِجْلالِهِ وَتَعْظِيمِهِ.
وَالاسْمُ الشَّرِيفُ [لله]: عَلَمٌ عَلَىٰ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ- لا يُسَمَّىٰ بِهِ سِواه.
وَالرَّبُّ: الْمَلِيكُ وَالسَّيِّدُ، وَلا يُطْلَقُ إلا عَلَى اللهِ تَعَالَىٰ.
وَ{رَبِّ} مُضَافٌ.
وَ{الْعَالَمَيْنِ} مُضَافٌ إِلَيه، وَالْمُرَادُ: جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَهٰذِهِ الآيةُ هِي أَوَّلُ آيةٍ فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ سُوْرَةٍ، وآخِرُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ[1].
وَفِيهَا: تَفَرُّدُهُ بِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَرُبُوبِيَّتِهِمْ وَمُلْكِهُمْ، وَتَصَرُّفُهُ فِيهِمْ بِمَا يَشَاءُ، وَهُوَ مَعْبُودُهُمْ، لَيْسَ لَهُمْ مَعْبُودٌ سِوَاهُ؛ فَإِنَّ (الرَّبَّ) إذا أُفْرِدَ دَخَلَ فِيهِ الْمَعْبُودُ، فَهُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ دُونَ كُلَّ مَنْ سِواهُ.
** وَجَمْعُهُ: عَوَالِم، وَعَالِمُون، فَالْوُجُودُ قِسْمَانِ:
رَبٌّ، ومَرْبُوبٌ.
فَالرَّبُّ: هُوَ الْمَالِكُ -سُبْحَانَهُ- المتفرد بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلَـٰهِيَّة.
والْمَرْبُوبُ: هُوَ الْعَلَمُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ سِوَى اللهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلائقِ.
*** أََيْ: وَأَنَا -أَيُّهَا الإنْسَانُ!- واحِدٌ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْبُوبَةِ الْمُتَعَبَّدَةِ بِأَنْ يَكُونَ اللهُ وَحْدَهُ هُوَ مَعْبُودُهَا وَحْدَهُ" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص36 و37.


[1] - قال جَلَّ جَلالُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} (سورة يونس).

ما هو مَدْلولُ كلمةِ الإخلاصِ (لا إلٰهَ إلا الله)؟ - مِن "حاشية ثلاثة الأصول" -

نصّ رسالة الجوال


19- ما هو مَدْلولُ كلمةِ الإخلاصِ (لا إلٰهَ إلا الله)؟


البيان

قال الإمام محمَّدُ بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّى جَمِيعَ الْعَالَمِينَ بِنِعَمِهِ، وهُوَ مَعْبُودِي، لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ. وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}).
قال الشيخ ابنُ قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"أََيْ: هُوَ وَحْدَهُ مَأْلُوهِي لا غَيْرُه، كَمَا أَنّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ- الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالرَّزْقِ والتَّدْبِير؛ فَهُوَ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِأَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ دُونَ مَن سِوَاهُ، وَهَـٰذَا مَدْلُولُ كَلِمَةِ الإِخْلاصِ (لا إلٰهَ إلا اللهُ)" اﻫ من "حاشية ثلاثة الأصول" ص36.

ما هي الأصولُ الثلاثة التي يجب علىٰ كلِّ إنسانٍ مَعرفتُها؟

نصّ رسالة الجوال

18- ما هي الأصولُ الثلاثة التي يجب علىٰ كلِّ إنسانٍ مَعرفتُها؟
-باختصار-
وما فائدة الإجمال قبل التفصيل في التعليم؟

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(فَإِذَا قِيلَ لَكَ:
مَا الأُصُولُ الثَّلاثَةُ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟
فَقُلْ:
1. مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ.
2. وَدِينَهُ.
3. وَنَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- هٰذِهِ الأُصُولَ الثَّلاثَةَ مُجْمَلَةً، ثَمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذٰلِكَ مُفَصَّلَةً أَصْلاً أَصْلاً؛ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَتَنْشِيطًا لِلْقَارِئِ؛ فَإِنَّهُ إذا عَرَفَهَا مُجْمَلَةً، وَعَرَفَ أَلْفَاظَهَا، وَضَبْطَهَا؛ بَقِيَ مُتَشَوِّقًا إِلَىٰ مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص34 و35
~~~~~~~~
أَصْلُ هٰذه الأصولِ
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَىٰ رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:
«اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ:
«إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ؛ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ[1] مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ[2]، حَتَّىٰ يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ». قَالَ:
«فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيِ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّىٰ يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذٰلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذٰلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ» قَالَ:
«فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلاَ يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا:
مَا هَـٰذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ:
فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا.
حَتَّىٰ يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّىٰ يُنْتَهَىٰ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى».
قَالَ:
«فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ:
رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ:
دِينِيَ الإِِسْلاَمُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَا هَـٰذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ:
هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ:
قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ؛ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ:
أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ».
قَالَ:
«فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ». قَالَ:
«وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ:
أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَـٰذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ:
مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ:
أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ:
رَبِّ! أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّىٰ أَرْجِعَ إِلَىٰ أَهْلِي، وَمَالِي».
قَالَ:
«وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ؛ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ[3]، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّىٰ يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ! اخْرُجِي إِلَىٰ سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ.
قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّىٰ يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَىٰ وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَىٰ مَلَأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا:
مَا هَـٰذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟! فَيَقُولُونَ:
فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّىٰ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّىٰ يُنْتَهَىٰ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
{لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}[4] (الأعراف: 40).
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَىٰ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا.
ثُمَّ قَرَأَ:
{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (الحج: 31).
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ:
هَاهْ هَاهْ[5]، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ:
هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ:
مَا هَـٰذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ:
هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِي.
فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ؛ فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ.
فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّىٰ تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ:
أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَـٰذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ:
مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ:
أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ:
رَبِّ! لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ».
رواه الإمام أحمد وغيرُه رَحِمَهُم اللهُ، وصحَّحه أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في غير ما كتاب مِن كتبه؛ يُنظر: "أحكام الجنائز" -ط الأولىٰ للطبعة الجديدة، 1412 ﻫ، مكتبة المعارف-  ص (198 – 202). ومنه نَقَلْتُ معاني الكلماتِ في الهامش الآتي.


[1] - بفتح المهمَلة: ما يُخلط مِن الطِّيب لأكفان الموتىٰ وأجسامهم خاصة.
[2] - قلتُ [القائل الوالد رَحِمَهُ اللهُ]: هٰذا هو اسْمُه في الكتاب والسُّنَّةِ (مَلَك الموت)، وأما تَسْميتُه (بعزرائيل) فمِمَّا لا أصلَ له، خِلافًا لِمَا هو المشهورُ عند الناس، ولعلّه مِن الإسرائيليات!
[3] - جمع المِسْح، بكسر الميم، وهو ما يُلْبَسُ مِن نسيجِ الشَّعْرِ على البَدَنِ تَقَشُّفًا وقَهْرًا لِلْبَدَنِ.
[4] - أي ثقب الإبرة، والجمَل هو الحيوانُ المعروفُ، وهو ما أتىٰ عليه تِسْع سنوات.
[5] - هي كلمةٌ تُقال في الضَّحك وفي الإيعاد، وقد تقال للتوجُّع، وهو أليق بمعنى الحديث. والله أعلم.  كذا في "الترغيب".