دعاءُ أصحابِ الكهف

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه>
أمّا بعد:
قال العلّامة السعديّ رَحِمَهُ اللهُ:
"ومِن ذلك: دعاءُ أصحابِ الكهف إذْ فرُّوا إلى الله بِدِينِهم، فقالوا مُلْتَجِئين إليه:
﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 10][1].
فتضرَّعوا إليه في:
أن يؤتيَهم مِن لدنه رحمةً بحيث إذا حَلَّتْ عليهم سَلَّمَ لهم دِينَهم، وحَفِظَهم مِن الفتن، وأَنالهم بها الخير.
وأن يهيِّئَ لهم مِن أمرِهم رَشَدًا، أي: يُيَسِّرهم لليُسرى، ويسهِّل لهم الأمور، ويُرشدهم إلى أرفق الأحوال.
فاستجاب لهم هذا الدعاءَ، ونَشَرَ عليهم رحمتَه، وحَفِظَ أديانَهم وأبدانَهم، وجَعَل فيهم بركةً على أنفسِهم وعلى غيرِهم" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص 137، ط3، 1428، دار المعالي).


قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللهُ:
"فيه مسائل:
الأولى: كونهم فعلوا ذلك عند الفتنة، وهذا هو الصوابُ عند وقوع الفتن؛ الفرارُ منها.
الثانية: قولهم: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾؛ لا نحصِّلها بأعمالنا ولا بحيلتنا.
الثالثة: قولهم: ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ طلبوا مِن الله أن يجعل لهم مِن ذلك العمل رَشَدًا مع كونه عملًا صالحًا؛ فما أكثرَ ما يقصِّر الإنسانُ فيه، أو يرجع على عقبيه، أو يُثمر له العُجبَ والكِبر! وفي الحديث: «وما قَضَيْتَ لنا مِن قضاءٍ؛ فاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا»[2]" اﻫ من "مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهّاب" (2/ 184، ط1، 1421ه، دار القاسم).

الجمعة 5 ذو القعدة 1438هـ



[1] - مطلع الآية: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا﴾.
[2] - رواه الإمام أحمد وغيرُه عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، يُنظَر تحقيق أبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "أصل صفة الصلاة" (3/ 1012).

تنبيهٌ على حجاب الأخوات المسلمات العاملات في خدمة البيوت

الحمد لله والصلاة والسلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أمَّا بعد
فقد سئل أبي رَحِمَهُ اللهُ:
فتاة عُمرها أربع عشرة سنة تَعمل خادمةً أو نحو ذٰلك عند بعض الإخوان، فهو يقول أنها بحُكم عملها في البيت وكذا فيظهر بعضُ شَعرِها وبعضُ اليد ونحو ذٰلك، فهل هٰذا مِن المباح، أم..؟
فقال جزاه الله خيرًا:
لا يجوز.
السائل: لا يجوز؟
أبي: أبدًا.
السائل: في أثناء العمل هي لا تستطيع..
أبي: بل لا يجوز لها أن تعمل هناك.
السائل: لا يجوز حتىٰ مع وجود زوجتَيه؟! هو متزوِّج باثنتين.
أبي رَحِمَهُ اللهُ: ما دام أنها تَعمل عَمَلًا تَتَعَرَّض فيه لأَنْ يَبدوَ منها شيءٌ ممّا لا يَحِلُّ مِن بَدَنِها؛ فهٰذا هو معناه: «إنّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ؛ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»[1]، فلا بد لها مِن أن تَبتعِدَ عن هٰذا العمل الذي يُعَرِّضُها لِمِثلِ هٰذه المعصية، أمّا أن يقال بأنه يجوز لها ذٰلك؛ فهٰذا أَبْعَدُ ما يَكون عنِ الصواب.
"سلسلة الهدىٰ والنور" (ش 43/ د 33:11).

وقرأ أبي –رَحِمَهُ اللهُ- هذا السؤالَ الموجَّه إليه وأجاب خلال فقراته:
ما حُكم استقدام الخادمة المسلمة مِن بلدٍ أجنبيٍّ مع مَحْرَم؟ علمًا بأننا نجعلها تتحجَّب الحجابَ الشرعيَّ، وإن كان قد يبدو ذراعُها أحيانًا مع العمل في البيت، فما الحكم؟
الجواب: أنّ استقدام الخادمة المسلمة ولو مع فرْض الحجابِ الشرعيِّ كما جاء في السؤال، فينبغي أن يُحال بينها وبين دخولِ الرجالِ الأجانبِ عليها، ولو كان رَبَّ البيت، أي زوج الزوجةِ المسلمة، التي هي استخدمت الخادمة المسلمة، فلا يجوز لها أن يبدوَ شيءٌ مِن عورتِها التي هي كلُّ بدنها ما عدا الوجه والكفَّين، فكونها خادمًا فهي حُرّة ولا يجوز أن يبدو منها سوى الوجه والكفين، فإذا اضطرت امرأة أو اضطر رجلٌ أن يجلب خادمة مسلمة، فعليه أن يدقِّق في موضوع ستْرِها بحيث أن لا تتعرض للكشف عن شيء أمام الزوج، أمَّا الزوجة فلا بأس أن تكشف مِن بدنها ما تكشف أمام كلِّ بناتِ جنسِها المسلمات.
تمام السؤال:
"وهل يجب عليَّ أن أُلبسها الجواربَ وإذا أبتْ ذلك فما عليَّ؟"
أظن جوابَ هذا السؤال سَبق في عموم الجواب الأول، وبصراحة نقول: -"وإذا أبتْ ذلك فما عليَّ؟"- عليك إذا كنتِ أنتِ ربةَ البيت أن لا تفسحي المجالَ لِمِثل هذه الخادم أن تكون في بيتك؛ لأن في ذلك فتنة، ربما للزوج، ربما لأخ الزوج، ربما لابن الزوج، إلى آخر ما هنالك مما قد يقع.
ثم تمام السؤال:
"وهل عليَّ إثم إذا لم تتحجب الحجاب الشرعي في الشارع وليس أمام زوجي؟"
الجواب: نعم؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: «كلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فالرَّجُلُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ وَهِي مَسْؤولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا»[2]، فهذه الخادمة، المرأة سيدةُ الدار هي مسؤولةٌ عنها، فلا يجوز لها..[3] أن تقضي بعضَ مصالح البيت، أو مصالح السيد، أو السيدة مِن السوق، ثم لتعود إلى الدار، فلا يجوز استقدام مثل هذه المرأة، لما في ذلك من الإعانة على معصية الله تبارك وتعالى، والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: من الآية 2].
"فتاوى المرأة المسلمة" (ش12/ د 18، ثم أول ش 13).

وبعد، فالمراد التنبيهُ والتحذير مِن تهاون البعض بمسألة حجاب الخادمات مع العناية بحجاب الأهل! فالحال أنَّ الخادمةَ مسلمةٌ حُرَّة، كما أنَّ أهلَه مسلماتٌ حرائر! وهو مسؤول عن رعيته، والخادمة -إذِ استقدمها وصارت مِن سُكَّان بيته- مِن رعيته، لكنها أيضًا أجيرة عنده وليست ملك يمينه! فهي أجنبيةٌ عنه، ولذا؛ فمَن كان يذهب إلى وجوبِ ستر الوجه؛ أوجبه على الخادمةِ عن مُستخدمِها، أو محارِم مستخدمتِها، وفي ذلك فتاوى عديدة للشيخ العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ- فليرجع إليها مَن لم يعلمها، خاصة في لقاءات "الباب المفتوح".
وأخيرًا؛ فإن من الصور المشرقة ما رأيتُه من أختٍ تعمل في هذا المجال، محتشمة محافظة، تستر وجهها فلا يكاد يظهر إلا عيناها، مثل هذه الأخت تُحترَم وتحَبُّ في الله؛ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: من الآية 13].
قال أبو العتاهية:
ألا إنما  التَّقْوى  هي  العِزُّ  والكَرَمْ * وحُبُّكَ    لِلدُّنيا   هو   الذُّلُّ   والنَّدمْ
وليس  على  عَبْدٍ   تَقِيٍّ   نَقِيصَةٌ * إذا صَحَّحَ التقْوى وإنْ حَاكَ  أَو حَجَمْ

الأحد 22 شوال 1438هـ



[1] - متفق عليه.
[2] - متفق عليه من حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ينظر بألفاظه في "مختصر صحيح البخاري" للوالد (2/ 132/ 1107).
[3] - نهاية الشريط.