مَا يَقُولُ الْمَرْءُ عِنْدَ دُخُولِهِ بَيْتَهُ إِذَا رَجَعَ قَافِلاً مِنْ سَفَرِهِ

ذِكْرُ مَا يَقُولُ الْمَرْءُ عِنْدَ دُخُولِهِ بَيْتَهُ إِذَا رَجَعَ قَافِلاً مِنْ سَفَرِهِ*

بسم الله الرحمٰن الرحيم
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِهِ؛ قَالَ:
«اللَّهُمَّ! أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ
اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الضِّبْنَةِ** فِي السَّفَرِ، وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ
اللَّهُمَّ! اقْبِضْ لَنَا الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ».
فَإِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ؛ قَالَ:
«آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ».
فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؛ قَالَ:
«تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لاَ يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا***».
رواه الحافظ ابن حبان وغيرُه، وهذا اللفظ لابن حبان، وحسّنه الوالد رَحِمَهُ اللهُ؛ "التعليقات الحِسان" (2699).
~~~~~~
* هٰذا تبويب "صحيح ابن حبان".
وفي "الدعاء" للحافظ الطَّبَراني: باب ما يقول المسافرُ إذا رَجَعَ مِن سَفَرهِ ودَخَلَ بيتَهُ.
وفي "عمل اليوم والسنة" للحافظ ابن السُّنِّي: باب ما يقول إذا قَدِمَ مِن سَفَرِهِ فَدَخَل على أَهْلِه.

** قال الإمام ابن الأثير رَحِمَهُ اللهُ:
"الضُّبْنَة والضِّبنة: ما تحت يَدِكَ مِن مالٍ وعيالٍ، ومَن تَلزمُك نَفَقتُه. سُمُّوا ضُِبْنةً؛ لأنَّهم في ضِبْنِ مَن يَعُولُهم.... تَعوَّذَ باللّهِ مِن كَثْرةِ العِيال في مَظِنَّة الحاجةِ وهو السَّفر. وقيل: تَعَوَّذَ مِن صُحْبَةِ مَن لا عَنَاءَ فيه ولا كِفَايةَ مِنَ الرِّفاق، إنما هو كَلٌّ وعِيالٌ على مَن يُرَافِقُه" اﻫ "النهاية" (3/ 73).
وجاء في "تاج العروس" وغيرِه أنها مثلثة.

***قال الإمام محمد بن جرير الطبري رَحِمَهُ اللهُ:
"يعني بالأَوب: الرُّجوع.
وأما قوله «لا يُغادر حوبًا»، فإنه يعني به: لا يَدَع ذَنْبًا، يقال منه: غادَرَ فلانٌ فلانًا بموضعِ كذا: إذا تَرَكه.
والحَوب: مصدرٌ مِن قول القائلِ: حَابَ فلانٌ فهو يَحُوب حَوبًا وحُوبًا" اﻫ باختصار من "تهذيب الآثار" (مسند عليّ بن أبي طالب/ 102 و103).

وقال الحافظ النووي رَحِمَهُ اللهُ:
"فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ قَالَ: تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لَا يُغَادِرُ حَوْبًا"
قَوْلُهُ (تَوْبًا) سُؤَالٌ لِلتَّوْبَةِ، أَيْ أَسْأَلُك تَوْبًا، أَوْ تُبْ عَلَيَّ تَوْبًا.
وَ(أَوْبًا) بِمَعْنَاهُ مِنْ آبَ إذَا رَجَعَ.
وَقَوْلُهُ: (لَا يُغَادِرُ حَوْبًا) أَيْ لَا يَتْرُكُ إثْمًا" اﻫ من "المجموع" (1/ 197).
~~~~~~   ~~~   ~~~~~~


تنبيهٌ يتعلّق بكلمة (الاحتفال) الواردة في مناظرةٍ للوالد الألباني رحمه الله

بسم الله الرحمٰن الرحيم
سألتني أختٌ فاضلةٌ هٰذا السؤالَ اليومَ (9 ربيع الأول 1433 ﻫ):
أُرسِلَتْ لي مناظرة الشيخ الألباني رحمة الله عليه وحفظ ذريته ومن ضمن الكلام الذي فيها ذكر الشيخ قضية الإحتفال المشروع  بدلا من الإحتفال الغير مشروع فقد أشكلت هذه اللفظة على الكثير فهل وردت لفظة الإحتفال المشروع في السنة أم كانت كلمة الشيخ في مجرد رد على كلام من أمامه فقط فخاطبهم بقولهم  وألفاظهم .
الرجاء الرد عاجلا للأهمية حفظنا الله وإياكم من كل فتنة

فكتبتُ في الجواب:
أوّلاً: صرّح الوالد رَحِمَهُ اللهُ في فتوى له أنّ كلمة (الاحتفال) "تعبيرٌ ليس إسلاميًّا"، قال هذا في حقِّ العِيدِ الْمَشروع، فما بالُك بالعيد المبتدَع!
تجدين الفتوى التي أعني على هٰذا الرابـــط


وأمامي فتوى مُفرَّغة للوالد رَحِمَهُ اللهُ، نَصُّها:
هل جاء في الشرع ما يمنع الاحتفال بالمولود؟
فأجاب:
"لم يأتِ في الإسلام الاحتفالُ بالمولود، سِوى ذبح العقيقة، وما سِوى ذٰلك فيدخل في المواسم والأعياد، والمواسم والأعياد محدَّدة في الشرع، وما جرى عملُ السَّلَف الصالح على الاحتفال بغير الأعيادِ الإسلاميّةِ المعروفة: الأضحى، والفطر. ولفظُ (الاحتفال) مِن المصطلحات العصريّة التي لم نقرأها في كُتُبِ السَّلَف، وأخشى أن تحمل في طيّاتها مَعاني غير شرعية، لذلك؛ ينبغي الابتعاد عن مثل هٰذه المصطلحات"  اﻫ.

ثانيًا: إنما استعملها الوالدُ رَحِمَهُ اللهُ في بابِ المناظرةِ والنَّقْض، لا في باب التقريرِ والتأسيس، وهذا واردٌ عن بعض العلماء، يستعملون في المناظرات والردود مصطلحاتٍ لم ترد عن السلف ولكنْ على سبيل مُحاجّة الخصم، وواردٌ أيضًا في سياق ردّ دلالةِ مَن استدلَّ بحديث ضعيف، فيقال: على فرض صحة الحديث؛ فمعناه كذا، فلا دلالة فيه على المسألة بل....-مثلاً-.
فالأمرُ كما ذكرتِ آخِرًا -أختي الكريمة!- وهو أنه قال ذلك على سبيلِ المقابَلةِ والمُشاكَلةِ لِما يَذْكُره هٰؤلاء، أي: إنْ كان ثمةَ احتفالٌ بمولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، وعلى فرض صحّة التعبير بذلك؛ فليس هو ما تَفعلون، بل كذا كذا، مما سمعتِه أو قرأتِه مِن كلامِه رَحِمَهُ اللهُ.
والله أعلم.
~~~~~*~~~~~ 

حُكم المظاهَرات -فتاوى للوالد الألبانيّ رحمه الله-

بسم الله الرحمٰن الرحيم
فيما يلي تلخيصٌ مختصرٌ لِبَعض فتاوى الوالد رَحِمَهُ اللهُ في حُكم الْمُظاهَرات:
فتاوى جدة/ الشريط 12/ الدقيقة (3 – 22:30)
أجاب فيه عن حُكم المظاهَرات.
خلاصة الجواب:
(1) المظاهرات تَشَبُّهٌ بِالكُفّارِ في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تُفرَض عليهم مِن حُكَّامهم أو إظهارًا منهم لِرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات.
مع تنبيهه رَحِمَهُ اللهُ إلى درجة أعلى مِن عدم التشبُّه، وهي: تَقَصُّدُ المخالَفة.
(2) المظاهَرات خُرُوجٌ عن سبيلِ المسلمين.
(3) المظاهرات ليست وَسيلةً شرعيّةً لإصلاحِ الحُكم، وبالتالي إصلاح المجتمع، ومِن هنا يخطئ كلُّ الجَماعات وكلُّ الأحزاب الإسلاميّة الذين لا يَسْلُكونَ مَسْلَكَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تغيير المجتمع، لا يكون تغييرُ المجتمع في النِّظامِ الإسلاميّ بالهتافات وبالصَّيحات وبالتظاهُرات، وإنما يكون ذلك على الصَّمت، وعلى بثِّ العِلم بين المسلمين وتربيتِهم على هذا الإسلام، حتى تؤتيَ هذه التربيةُ أُكُلَها ولو بعد زَمَنٍ بعيد، فالوسائلُ التربويّةُ في الشريعةِ الإسلامية تختلف كلَّ الاختلافِ عن الوسائلِ التربويّة في الدُّوَلِ الكافِرة.

وفي الشريط نفسه/ الدقيقة (30:32- 35:03):
ردٌّ على شبهة استدلال ناصري المظاهرات بما رُوِيَ في قصةِ إسلام عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِن خروج المسلمين في صَفَّين؛ صَفّ فيه حمزة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصَفّ فيه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
خلاصة الردّ:
(1) على افتراض صِحَّةِ القصة؛ كم مَرَّةً وَقَعَتْ مِثلُ هٰذه الظاهرة في المجتمع الإسلامي؟ مرة واحدة؛ تَصير سُنَّةً مُتَّبَعة؟!
علماء الفقه يقولون: لو ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبادةٌ مَشروعة يُثاب فاعلُها؛ فلا ينبغي المواظَبةُ عليها دائمًا أبدًا؛ خَشيةَ أن تُصبِحَ تقليدًا مُتَّبَعًا، بحيث مع الزمن يصبح ذٰلك الأمر -الذي كان أصلُه مستحبًّا- مَفروضًا في أفكارِ الناس وعاداتهم، بحيث إنَّ أحدًا مِن المسلمين لو تَرَك هٰذا المستحب لقام النكير الشديد عليه، قالوا هٰذا، وهذا مِن فِقْههم، فما بالُكم إذا جَاشت العاطفةُ بمناسبةٍ ما، فخرجتْ مِثلُ هٰذه الجماعة التي جاء ذِكرُها في السّيرة، فتُتَّخذ سُنَّةً مُتَّبَعَةً، بل تُتَّخذ حجَّةً لِما يَفعله الكفّار دائمًا وأبدًا على المسلمين الذين لم يَفعلوا ذٰلك بَعْدَ هٰذه الحادثة مُطلقًا، مع شدةِ وقوعِ ما يَستلزم ذٰلك، فنحن نعلم –مع الأسف الشديد- أنّ كثيرًا مِن الحُكّام السَّابقين كانت تَصْدر منهم أحكامٌ مخالِفة للإسلام، وكان كثيرٌ مِن الناس يُسجَنون ظُلمًا وبَغيًا، وربما يُقْتَلون، فماذا يكون موقفُ المسلمين؟
أَمَرَ الرسولُ عَلَيْهِ السَّلامُ في بعضِ الأحاديث الصحيحة بوجوبِ إطاعةِ الحاكم ولو أَخَذَ مَالَكَ، وجَلَدَ ظَهْرَك [1]، أَعني بهٰذا أنه وَقَعَ في القُرون التي مَضَتْ أشياءُ مما ينبغي استِنكارُها جماهيريًا، ولٰكنّ شيئًا مِن ذٰلك لم يقع.
ومِن هنا نحن نَخشىٰ مِن هٰذه التي تُسمَّى بالصَّحوة، نخشىٰ منها حقيقةً كما نَرضىٰ بها؛ نخشىٰ منها؛ لأنها صحوةٌ عاطفيّة، وليست صحوةً عِلمية بالمقدار الذي يُحَصِّن هٰذه الصحوة مِن أن تَميد يمينًا ويسارًا.
ولا شك أن في الجزائر وفي كل بلادِ الإسلام مثل هٰذه الصحوة التي تَتجلىٰ بانطلاقِ الشبابِ المسلم بعد أن كانوا نِيامًا غيرَ أيقاظ، ولٰكن تَراهم قد سَاروا مسيرةً تدلّ علىٰ أنهم لم يتفقهوا في دِين الله عَزَّ وَجَلَّ، والأمثلةُ على ذٰلك كثيرة جدًا، فلا نخرج عمّا نحن في صدده، فحَسْبُنا الآن هٰذا الاستدلال!
هٰذا الاستدلال يدلُّ على الجهلِ بالفِقهِ الإسلاميّ، ذٰلك لما أَشرتُ إليه آنفًا.
وأَستدرك على نفسي: إني أذكر أنّ هٰذه الحادثة قد وَردتْ في السِّيرة، ولٰكني لا أستحضر الآن إنْ كانت صحيحةَ الإسناد.
على افتراض ثبوتِ هٰذه التظاهُرة حينما أسلمَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ هٰذه وقعت مرةً، فإذا وقع مرة لا يُصبح ذٰلك سُنَّة، بحيث نؤيِّد ما يفعله الكفار، ثم نجعل المسلمين تحت المخالَفة لِهذه السُنّة؛ لأنها لم تتكرر، وإن تكرَّرتْ؛ فعلى مَدى العصورِ كلِّها هٰذه والسَّنوات الطويلة، فهي نُقطةٌ في بحر، ما يَصحّ أن تُتَّخذَ دليلاً لِمثل هٰذا الواقع الذي يفعله الكفار ثم نحن نتّبعهم في ذٰلك.
هٰذا الاستدلالُ معناه تَسليكُ وتمريرُ وتَسويغ هٰذا الواقع مهما كان شأنه!
(2) إسناد القصة ضعيف[2].

سلسلة الهدى والنور/ الشريط 210/ الدقيقة (33:39 - 42:36):
ردَّ فيه الوالدُ رَحِمَهُ اللهُ على شُبهة: أنّ المظاهَرات وسيلةٌ مِن باب المصالح المرسلة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة.
خلاصة الرد:
(1) أنَّ الوسائل إذا كانت عبارةً عن تَقْليدٍ لِمَناهج غيرِ إسلاميّة؛ تصبح وسائلَ غيرَ شرعيّة.
(2) يجب أن نفرِّق في التقليد بين ما يَنْسِجِم مع الإسلام ومبادئه وقواعده، وبين ما ينبو وينفر عنه.


~~~~~~~~



[1] - يُنظر "صحيح مسلم" (1847)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1791).
[2] - يُنظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (6531)، وختَم بيانَ نكارةِ القِصَّةِ بقوله رَحِمَهُ اللهُ:
"(تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزّار، وسكت عنهما في "الفتح" (7/48) فما أَحسن؛ لأنه يوهم -حسب اصطلاحه- أنَّ كلاً منهما حسن، وليس كذلك -كما رأيت-، ولعل ذلك كان السببَ أو من أسبابِ استدلالِ بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة! ولا تزال بعضُ الجماعات الإسلامية تتظاهَرُ بها، غافِلين عن كونِها مِن عادات الكفار وأساليبهم" اﻫ .