الشيطانَ تَرْجُمُون


الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا رَفَعَهُ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَمَّا أَتَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ الْمَنَاسِكَ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدِ الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الْأَرْضِ».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ، وَمِلَّةَ أَبِيكُمْ إبرَاهِيمَ تَتَّبِعُونَ».
رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم واللفظ له، وقال:
صحيح على شرطهما.

"صحيح الترغيب والترهيب" (11- كتاب الحج/  10- الترغيب في رمي الجمار / 2/ 37/ ح 1156 (صحيح)).


فوائد
سئل أبي رَحِمَهُ اللهُ:
 هل رمي الجمرات يشترط فيه إصابة العمود أم اتجاه العمود؟
فأجاب:
لا ، هو المقصود الحوض، أن تقع الحصى فى الحوض، وليس المقصود إصابة العمود. وكثير من الناس يتوهمون -بهذه المناسَبة- أنَّ هناك شيطانًا ينتظر مِن الحُجاج أن يرموه بالحصوات! وهذا وهْمٌ [سائد] عند عامة الناس، هذه عبادةٌ وناحية تعبُّديَّة مَحْضة، لا يجوز لنا أن نُفَلْسِفَها، وإنْ كان أصلُها أنَّ الشيطان ظَهَر لإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ هناك وأراد أن يَصرفه عن القيام بما أوحى اللهُ إليه مِن أن يَذبح ابنَه إسماعيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فظهر الشيطانُ هناك، فرماه أول مرة وفي المرة الثانية والثالثة ، لكن ليس هناك شيطان قابِع ينتظر هناك الحُجاجَ أن يرموه! فهي -إذًا- عمليَّة تعبُّديَّة فيها تذكيرٌ بتلك الحادثة الجليلة العظيمة، التي فدى اللهُ عَّزَّ وجَلَّ إسماعيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بذلك الكبش العظيم. فالمقصود بأن تُرمى الجمرات فى مكان الحوض، وليس المقصود إصابة مثل هذا العمود؛ لأنه في اعتقادي -هذا العمود- لم يكن منصوبًا فى عهد النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم" اﻫ تقييدًا من "سلسلة الهدى والنور" (الشريط 377/ الدقيقة 32) .
وقال -رَحِمَهُ اللهُ- في سياق كلامٍ له في التحذير من الغلوِّ عمومًا، ومُعلِّقًا على حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: «هَاتِ الْقُطْ لِي». فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: «بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» رواه النسائي وغيره، وهو في "الصحيحة" (1283):
"فماذا يفعل الناس اليومَ حينما يرمون الجمرات؟ نرى العجب العجاب! الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجَّه المسلمَ أن يلتقط حصيات صغار؛ لأن المقصود ليس هناك محاربة مادية، وإنما هي محاربة معنوية روحية، فلذلك أوصى بعدم تكبير الحصاة، ثم لعلها تصيب رؤوسَ كثيرٍ مِن الذين اجتمعوا حول الجمرة، وهذا يقع كثيرًا، فإذا كانت الحصاة كبيرة فقد تؤذي مَن أصابته، اليوم نرى حول الجمرة النِّعالَ متراكمة بعضُها فوق بعض! لأن الجهال من المسلمين لم يتأدَّبوا بأدب الدِّين، فهم يتصوَّرون أن هناك شيطانًا فعلًا واقفًا ينتظرهم ليرجموه! والحقيقة ليس كذلك، وإنما هناك مكان خرج فيه الشيطان لأبينا إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فرماه في الجمرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة" اﻫ المراد من كلام أبي رَحِمَهُ اللهُ، تقييدًا من "شرح صحيح الترغيب والترهيب" (الشريط 59/ الدقيقة 10:45).

وقال العلامة العثيمين رَحِمَهُ اللهُ:
"ورمي الجمرات الحكمةُ منه: إقامةُ ذِكر الله عَزَّ وَجَلَّ كما في حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنما جُعِلَ الطوافُ بالبيتِ وبِالصَّفا والمروةِ ورَمْيُ الجمارِ لِإقامةِ ذِكرِ اللهِ»([1])، ولهذا يشرع أن يكبِّر عند رمي كل حصاة من أجل أن يعظِّم اللهَ تعالى بلسانه كما هو معظِّمٌ له بقلبه؛ لأن رمي الجمرات على هذا المكان أظهرُ ما فيه من المعنى المعقول هو التعبُّد لله، وهذا كمال الانقياد؛ إذ إنَّ الإنسان لا يعرف معنى معقولًا واضحًا في رمي هذه الحصى في هذا المكان سوى أنه يتعبد لله عَزَّ وَجَلَّ بأمرٍ وإن كان لا يعقل معناه على وجه التمام تعبُّدًا لله تعالى وتذللًا له، وهذا هو كمال الخضوع لله عَزَّ وَجَلَّ، ولهذا كان في رمي الجمار تعظيمٌ لله باللسان وبالقلب. أما ما اشتهر عند الناس مِن أنهم يَرمون الشياطين في هذه الجمرات فهذا لا أصل له، وإن كان قد رُوي عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بسندٍ ضعيفٍ أنه قال: (الشَّيطانَ تَرمون)، فإنما يَقصِد بذلك إنْ صحَّ عنه هذا الخبر أو هذا الأثر فالمراد: أنكم تغيضون([2]) الشيطان برميكم هذه الجمرات، حيث تعبَّدتم لله عَزَّ وَجَلَّ بمجرد أنْ أمَركم به، من غير أمرٍ معقولٍ لكم على وجه التمام.
وما قيل أيضًا إن صح- من أن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان الشيطان يعرض له في هذه المواقف ليحول بينه وبين تنفيذ أمر الله تعالى بذبح ولده فكان إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يرميه بهذه الجمرات؛ فإنه لا يستلزم أن يكون رمينا رميًا لإبليس؛ لأن إبليس لم يتعرَّض لنا في هذه الأماكن، ونظير هذا: أن السعي إنما شرع من أجل ما جرى لأم إسماعيل رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ومعلوم أنَّ تردُّد أمِّ إسماعيل بين الصفا والمروة سببُه طلبُ الغوث لعلَّها تجد من يكون حولها ويسقيها ويطعمها، ونحن في سعينا لا نسعى لهذا الغرض. فكذلك رمي الجمرات، حتى لو صحَّ أن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان يرمي الشيطان بهذه الجمرات مع أنه بعيد؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ جَعَل لنا دواءً نرمي به الشيطان إذا عرض لنا، وهو: أن نستعيذ بالله منه ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200، وفصِّلت: 36]. إذًا؛ الحكمة مَن رمي الجمرات هو كمالُ التعبُّدِ لله تعالى والتعظيم لأمره، ولهذا يحصل ذكر الله بالقلب واللسان" اﻫ من "شرح حديث جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في صفة حجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (ص 79 و80، ط 2، 1427ه، دار المحدِّث).

الإثنين 10 ذي القعدة 1439 هـ


([1]) رواه أبو داود وضعفه الوالد رَحِمَهُ اللهُ؛ "ضعيف سنن أبي داود" الأمّ (328).
([2]) كذا في الكتاب بالضاد، وكذلك هي في "مجموع فتاوى العلامة العثيمين" (24/ 500)، ولم أصل إلى الأصل الصوتيّ لأتأكّد، وقد تصح لغةً بمعنى: تتنقصون. والله أعلم.

مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!


الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن اتبع هُداه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْيدًا(1) مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو(2)، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!».
رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.
__________
[تعليقات الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) كذا وقع في الكتاب. والصواب "عَبْدًا" بالإفراد، كما عند مُخرِّجيه جميعًا، وكذلك ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 373 - مجموع الفتاوى)، والناجي في "العجالة".
(2) الأصل والمخطوطة: "لَيَدْنُو يَتَجَلَّى"، والصوابُ ما أثبتناه، وزيادةُ "يَتَجَلَّى" زيادة منكَرة لا أصل لها في شيءٍ مِن روايات الحديث، كما حققتُه في "الصحيحة" (2551). ومِن الظاهر أنَّ مقصود مَن أَدرجَها في الحديث تفسيرُه بها، وهذا خلاف ما عليه السلف أنَّ الدنوَّ صفةٌ حقيقيةٌ لله تعالى كالنزول، فهو يَنزل كما يشاء، ويَدنو مِن خلقه كما يشاء، لا يُشبه نزولَه ودنوَّه نزولُ المخلوقات ودنوُّهم، كما حققه شيخُ الإسلام ابن تيمية في كتابه "شرح حديث النزول" وغيره. وخفي هذا التصويبُ والذي قبله على المحققين الثلاثة للكتاب -زعموا- فطبعوا الحديثَ بالزيادتَين المنكرتين! فهذا مثالٌ مِن عشراتٍ بل مئات الأمثلة مِن تحقيقهم!
"صحيح الترغيب والترهيب" (11- كتاب الحج/ 9- الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة/ 2/ 34/ ح 1154 (صحيح)).

فوائد
"(وَيَقُولُ) سبحانه وتعالى (مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) "ما" استفهامية، والاستفهامُ هنا للتعجّب، كما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾.
قال القرطبيّ: أي إنما حَمَلَهم على ذلك حَتَّى خَرَجوا مِن أوطانِهم، وفارَقوا أهاليهم، ولذّاتِهم: ابتغاءُ مَرضاتي، وامتثالُ أمْري. انتهى" اﻫ من "ذخيرة العقبى" (25/ 336، ط1، 1424ه، دار آل بروم – مكة المكرمة).

قال الشيخ الجامي رَحِمَهُ اللهُ:
"... ولاحظتم -كلُّ من حج منكم- ما يفعله الحُجَّاج في عرفة، في تلك الأمسية العظيمة التي يدنو فيها ربُّ العالمين إلى حُجَّاج بيتِه الواقفين في عرفة، الواقفين بعرفة فقط، كما يليق به، دون أن يشمل ذلك الدُّنوُّ الناسَ الموجودين بمزدلفة مثلًا وفي مكة وما حول منًى وما حول عرفة، يدنو ربُّ العالمين كما يليق به إلى حُجَّاج بيته الحرام عشيةَ يومِ عرفة، فيباهي بهم ملائكته ، في هذه الأمسية أنتم تلاحظونَ جمهور الحُجَّاج ماذا يفعلون ؟
ينشطون في صعودِ الجبل والنزول من الجبل، حتى تغرب الشمس! قبل أن يقف الإنسان وقفةً يَستغفر فيها ويراجِع فيها صفحاتِ أعماله ويبكي على ذنوبَه ويتضرّع إلى الله، فإذا هو يقضي أو كثيرٌ منهم يقضون تلك الأمسيةَ في صعودِ الجبل الذي سُمِّي أخيرًا: (جبل الرحمة)، وهو اسمه (جبل إلال)، على وزن: (هلال)، وهذا الاسم (جبل الرحمة) هو الذي خَدع الناسَ، والناسُ تحسب أن تلك الرحمة في تلك اللحظة وفي ذلك اليوم تَنصَبُّ على ذلك الجبل فقط! والجبلُ جزءٌ من عرفة، ليس له مزيةٌ على سائر البقاع، ولكن أصبح اليومَ صعودُ ذلك الجبل محنةً للحُجاج ومَفسدة لحجِّهم في الغالب الكثير، حيث يصعدون ويجدون هناك آثارًا قديمة للمحراب القديم والأعمدة القديمة، يتمسَّحون بهذه الأعمدة ويصلُّون في تلك المحاريب، ويَقضون تلك الأمسية في أعمالٍ مبتدَعة، وفي أعمال ما أنزل اللهُ بها من سلطان، ثم بعد ذلك ينزل، فيبحث بعضُهم عن الجمل وعن المصوِّر، فيركب الجملَ وهو واقفٌ تحت جبل الرحمة فيسلِّط المصورَ على نفسه، فيصوِّره وهو راكب فوق الجمل، فيأخذ صورةً مكبَّرة فيَحملها إلى بلده، فيعلِّقها في المجلس مكتوبٌ تحته: الحاجّ غضنفر! هذا الحج! وهل هذا هو الحج؟! هل هذا هو الحج المشروع؟!
إذن فنحن بحاجة إلى أن ننصح إخوانَنا المسلمين ليتعلَّموا دينهم، تعلُّمُ الدّين يتوقف على ذلك الاستسلامُ لدِين الله ولشرعِ اللهِ والعملُ بشريعة الله تعالى. هذا هو الإسلام" اﻫ المراد مِن كلام الشيخ محمد أمان الجامي رَحِمَهُ اللهُ تعالى، مِن "شرح التدمرية" الشريط 26، أواخر الدقيقة 29.


الثلاثاء 4 ذي القعدة 1439هـ

تفاصيل فضائل أعمال الحج


الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
رُوي(1) عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال:
كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ مِنى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأنصار، وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، فَسَلَّمَا ثم قَالا :
يَا رَسُولَ اللَّهِ! جِئْنَا نَسْأَلُكَ، فقَالَ:
«إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئتُما تَسْأَلانِي عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإِنْ شِئْتُمَا أَنْ أُمسِكَ وَتَسْأَلانِي فَعَلْتُ».
فقَالا : أَخْبِرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلثَّقَفِيِّ : سَلْ، فقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! فقَالَ:
«جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ رَكْعَتَيْكَ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَمَا لَكَ فِيهَا، وَعَنْ طَوَافِكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ وُقُوفِكَ عشيةَ عَرَفَةَ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ رَمْيِكَ الْجِمَارَ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ نَحْرِكَ وَمَا لَكَ فِيهِ، [وَعَنْ حَلقِكَ رَأْسَكَ، وَمَا لَكَ فِيهِ، وَعَنْ طَوَافِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا لَكَ فِيهِ] مع الإفاضة).
فقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَعَنْ هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ، قَالَ :
«فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ؛ لَا تَضَعْ نَاقَتُكَ خُفًّا، وَلَا تَرْفَعْهُ، إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً، وَمَحَا عَنْكَ بِهِ خَطِيئَةً.
وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ؛ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ.
وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً.
وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى يَهْبِطُ إِلَى سمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِيَ بِكُمُ الْمَلائِكَةَ، يَقُولُ: عِبَادِي جَاؤُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كعَدَدِ الرَّمْلِ، أو كَقَطْرِ المطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ؛ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا -عِبَادِي !- مَغْفُورًا لَكُمْ، وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ.
وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ؛ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا تكفيرُ كَبِيرَةٍ مِنَ الْمُويِقَاتِ،
وَأَمَّا نَحْرُكَ؛ فَمَدْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ.
وَأَمَّا حِلاقُكَ رَأْسَكَ؛ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ، وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ.
وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّكَ تَطُوفُ وَلا ذَنْبَ لَكَ، يَأْتِي مَلَكٌ، حَتَّى يَضَعَ يَدَيهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ، فيَقُولُ: اعْمَلْ فيما تَسْتَقْبِلُ؛ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى».
رواه الطبراني في "الكبير" والبزار، واللفظ له، وقال:
"وقد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق".
(قال المملي) رضي الله عنه: "وهي طريق لا بأس بها، رواتها كلهم موثقون".
ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ويأتي لفظه في "الوقوف" إن شاء الله تعالى [آخر 9 - الترغيب في الوقوف. .].
ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عُبادة بن الصامت، وقال فيه:
«فَإِنَّ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ إِذَا أَمَّمْتَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ: أَنْ لَا تَرْفَعَ قَدَمًا أَوْ تَضَعَهَا أَنْتَ وَدَابَّتُكَ إِلَّا كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةٌ وَرُفِعَتْ لَكَ دَرَجَةٌ.
وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ: يَا مَلَائِكَتِي مَا جَاءَ بِعِبَادِي؟
قَالُوا: جَاءُوا يَلْتَمِسُونَ رِضْوَانَكَ وَالْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنِّي أُشْهِدُ نَفْسِي وَخَلْقِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ عَدَدَ أَيَّامِ الدَّهْرِ، وَعَدَدَ الْقَطْرِ، وَعَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ.
وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَعْرِكَ مِنْ شَعْرَةٍ تَقَعُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا كَانَتْ لَكَ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَأَمَّا الْبَيْتُ إِذَا وَدَّعْتَ؛ فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ».
__________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) كذا الأصل، وفي بعض النسخ "وعن" بحذف "روي"، ولعله الصواب؛ فإنه سيأتي هكذا في آخر (9- الترغيب في الوقوف بعرفة. .)، ويؤيده أن المؤلف قد صرّح بصحته تحت الحديث الآتي (11- باب في حلق الرأس في منى)، مع ذلك ضعّفه المعلِّقون الثلاثة بجهل بالغ. هداهم الله.

"صحيح الترغيب والترهيب" (11- كتاب الحج/ 1- الترغيب في الحج والعمرة/ 2/ 9-12/ ح 1112 (حسن لغيره)).

الخميس 28 شوال 1439هـ

تَفضُل سائرَ الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه.
أمَّا بعد
قال الحافظ المنذري رَحِمَهُ اللهُ:
عن أبي سعيد الخدريّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
عَنْ مَاعِزٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ:
أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
«إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَحْدَهُ
ثُمَّ الْجِهَادُ
ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ؛ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا».
رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد إلى ماعز رواة "الصحيح".
وماعز هذا صحابي مشهور غير منسوب(1).
__________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) قلت: وليس هو ماعز بن مالك الذي رُجم في زمانه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما نبَّه عليه الناجي.

"صحيح الترغيب والترهيب" (11- كتاب الحج/ 1- الترغيب في الحج والعمرة/ 2/ 6/ ح 1103 (صحيح)).

السبت 23 شوال 1439هـ