مقياسٌ لكلِّ كلامٍ عند الشحيحِ بدِينِه



الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله
أمّا بعد
قال رئيس الحنبلية في زمانه الإمام البربهاري (ت 329ﻫ) رَحِمَهُ اللهُ:
(فانظُر -رحمَكَ اللهُ- كلَّ مَن سمعتَ كلامَه مِن أهْلِ زمانِك خاصة؛ فلا تَعْجَلَنْ، ولا تَدْخُلَنْ في شيءٍ منه حتىٰ تَسألَ وتنظُرَ:
هل تكلَّم فيه أحدٌ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
أو أحدٌ مِن العلماء؟
فإن أَصَبْتَ فيه أثرًا عنهم:
فتمسَّكْ به.
ولا تجاوِزْه لِشيءٍ.
ولا تَخْتَرْ عليه شيئًا؛ فتسقُط في النّار).
قال العلامة ربيع المدخليّ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ:
"يُرشِد المؤلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- مَن يَقرأ كلامَه أو يَبْلُغه إلى التَّروِّي والِابتعادِ عن العجلة في تلقُّفِ الكلامِ دون التفاتٍ إلىٰ كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه وما كان عليه الصحابةُ مِن رُشدٍ وهدًى واعتصامٍ بالكتاب والسُّنَّةِ، وما كانوا عليه مِن نُفورٍ مِن الباطلِ والبِدع، حتىٰ إنَّ المتتبِّعَ لِسِيَرِهم لا يجد أحدًا منهم وقع في بدعة.
ومِن معرفةِ السَّلفِ الصالح وأئمةِ الهدىٰ لِمكانةِ الصحابةِ وأنهم على الحقِّ، والحقُّ يَدور معهم حيث داروا، ومِن معرفةِ المؤلِّفِ لِواقِعهم الْمُشْرِق؛ حَذَّر مِن دخولِ المسلمِ السُّنِّيِّ في شيءٍ مما يَسمعه مِن أهلِ زمانِه حتىٰ يَسألَ أهلَ العلم، ويتأمَّل ويَبحث، فإذا تبيَّن له أنّ هٰذا القول قد قال به الصحابةُ أو يدلُّ عليه نصٌّ مِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه؛ أَخَذ به.
وإن لم يجدْ شيئًا مِن ذٰلك؛ فلْيأخذْ حِذْرَه مِن هٰذا الكلامِ الغريبِ الذي لا دليلَ عليه لا مِن كتابٍ، ولا مِن سُنَّةٍ، ولا مِن فِقْهِ الصحابةِ، ولا مِن فِقْهِ أحدٍ منهم.
وهٰذا المقياسُ ينبغي أن يكون عند الشَّحيحِ بدِينه لِكُلِّ كلام، ولو صَدَر مِن كِبارِ العلماء.
وقد وَضَع العلماءُ الناصحون أُصولًا لِما يُقبَل مِن كلامهم وما يُردّ.
فمِن أصولهم: "كُلٌّ يؤخَذُ مِن قَولِه ويُرَدُّ، إلَّا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
ومِن أصولهم: ما قاله الإمام الشافعي: "إذا خالَف قَولي قولَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاضربوا بقَولي عُرْضَ الحائط".
وقول الإمام أحمد: "لا تقلِّدْني، ولا تقلِّد مالِكًا ولا الأوزاعي، وخُذْ مِن حيث أَخَذوا" " اﻫ مِن "عون الباري ببيان ما تضمَّنه شرح السُّنَّة للإمام البربهاري" (1/ 72 و73، ط1، 1432ﻫ، دار المحسِن).

السبت 4 ذي القعدة 1435ﻫ