لا تُخبِر برؤيا الشرِّ أحدًا، ولا الشيخَ

الحمد لله وحْدَه، والصَّلاةُ والسَّلام علىٰ مَن لا نبيَّ بعده، وعلىٰ آله وصحبه ومن اتَّبع هَدْيه
أمّا بعد
فهٰذا توجيهٌ مِن أبي -رَحِمَهُ اللهُ- لِمَن قَصَّ عليه مَنامًا أقلقه:
المنام هٰذا لا تهتمَّ به؛ لأنَّ المنام:
أولًا كما قال عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الرؤىٰ ثلاثة: رؤيا مِن الرَّحمٰن، ورؤيا مِن تهاويل الشيطان، ورؤيا مِن تحديث النفْس»([1]).
فقَبْلَ كلِّ شيء: الرؤيا التي يراها أحدُنا لا يستطيع أن يُحَدِّد أنها مِن النوعِ الأول أي مِن الرحمٰن، أم مِن النوع الثاني، يعني مِن تهاويل الشيطان، أم مِن حديثِ النَّفْس، هٰذا أولًا.
وثانيًا: إذا افتُرض أنه بوسيلةٍ ما استطاع أن يحدِّد أنها مِن الرحمٰن؛ فالرؤيا الصادقة الصالحة لا تُفسَّر دائمًا علىٰ ظاهرها، بل بشيءٍ من التأويل، وهٰذا التأويلُ لا يَعرفه أكثرُ أهلِ الأرض، ولا سبيلَ إلىٰ تعلُّمِ العلم الموصِل إلىٰ معرفةِ تفسيرِ المنام أو تأويلِه.
ولذٰلك؛ فنَنصَح نحن أنَّ مَن رأىٰ منامًا كمنامِكَ الذي أزعجكَ: حينما تستيقظ أولَ ما تستيقظ مِن منامِك أن تستعيذ باللهِ مِن شرِّ الشيطان، وتَتفل عن يسارك ثلاثًا؛ فإنها لن تضرَّك([2]).
هٰذه أول واحدة ينبغي لِأحدنا أن يهتمَّ [بها] بعد أن يكون رأىٰ منامًا.
الشيء الثاني: أنَّ المنام الذي رآه:
 إن كان حسنًا جميلًا؛ حدَّثَ به أصدقاءه وإخوانَه.
وأمَّا إن كان مُزعِجًا -كالذي تراه أنتَ أو رأيتَه-؛ فلا تحدِّث به أحدًا، أبدًا([3]).
- ما حدَّثتُ أحدًا..
أبي: الآن تُحدِّث.
- حَدَّثتُ أستفسِر..
أبي: ولا تستفسِرْ ولا تَستفتِ، أبدًا.
يعني القاعدة فيمَن يَرىٰ منامًا:
بَعدما يستيقظ ويتذكَّر المنامَ؛ يستعيذ بالله من الشيطان، ويَتفل عن يساره ثلاثًا، هٰذه واحدة.
وإذا كان المنامُ حسنًا في ظاهِرِه؛ قَصَصْتَه علىٰ إخوانك وأصدقائك الذين يحبُّون الخيرَ لك، وعلىٰ أهل العلم([4]) الذين يُحسِنون أن يفسِّروا الرؤيا بتفسيرٍ يُرضيكَ أنت.
أمَّا إذا كانت الرؤيا وَحْشةً ومُزعِجةً -كهٰذه التي أنتَ تقصُّها الآن- فالسُّنَّةُ أن لا تحكيَ هٰذه الرؤيا لِأحدٍ مِن الناس، حتىٰ ولا لِلشيخ ولا لِغيره، عرفتَ كيف؟
وبَعْدَ أن قَصَصْتَها الآن؛ فنحن، أو أنا بالأحرىٰ جوابي: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ(يوسف: من الآية 44)! نحن ما نعرف نُفِسِّر منامًا، نحن إذا قَدِرْنا نُفسِّر يَقَظَةً -مِثْلَ سؤالِ الأخ هنا-؛ يكون هٰذا مِن توفيقِ اللهِ لنا! أمَّا المنامات هٰذه بحرٌ لا ساحلَ له، يَغرق فيه الرائي والمفسِّرُ له!
الخلاصة: نحن لا نُحْسِنُ تفسيرَ المنامات، ونَنصح أن لا تَحكيَ هٰذا المنام لأيِّ إنسانٍ علىٰ وجهِ الأرض، فإن كنتَ استعذْتَ باللهِ بعد أن استيقظتَ مِن بَعدها؛ فلن تضرَّك بإذن الله، وإلَّا فتَدَاركْ؛ فاستعذ بالله الآن مِن شرِّ ما رأيتَ، واتخِذْ هٰذا [سُنةً تتَّبعها، ومنهجًا تنهجه]([5]): تستعيذ بالله وتتفل عن يسارك ثلاثًا.
[...] فاشتريتُ هٰذا الكتاب ثلاثة مجلدات ضخمة، "تعطير الأنام بتفسير المنام" للشيخ عبد الغني النابلسي، وعلىٰ هامشه: كتاب "تفسير المنامات لابن سيرين"، فكنتُ كلما رأيتُ منامًا أو قُصَّ عليَّ منامٌ مِن أصدقائي؛ رجعتُ إلىٰ هٰذا الكتاب، فأغوص في بحرٍ مِن التأويلات لا ساحل له! إنْ رأيتَ المطرَ في صورةِ كذا؛ فهو كذا وكذا، وإن رأيتَ كذا في صورة كذا؛ فهو كذا وكذا.. إلخ، ما أستطيع أن أقول أنَّ هٰذا المنام يَنطبق علىٰ هٰذه الصورة أو هٰذه الصورة؛ لأنه بأقلِّ شيء تختلف الصورة، واستمررتُ علىٰ ذٰلك ما شاء اللهُ مدةً مِن الزمن، وأخيرًا بَدا لي أن تفسيرَ المنام هو عِلْمٌ وَهْبيٌّ، وليس عِلمًا كَسْبيًّا، مفهومٌ هٰذا الكلام؟ يعني: تفسير المنام لا يُتعلَّم، ما هو بِعِلْم، وإنما هو.. هِبة مِن الله عَزَّ وَجَلَّ. وابن سيرين بالذات هو رجُلٌ مِن كبارِ علماءِ التابعين، ومِن المحدِّثين الذين أكثروا الروايةَ عن الصحابة وخاصَّة منهم أبا هريرة، وهو كان موهوبًا في تفسير المنامات فِعلًا، لٰكن المسألة لا تُكتسَب، يعني ما هو علمٌ يمكن نحن نتعلَّمه، هٰذا إذا كان ابن سيرين ألَّف كتابًا، وهو لم يؤلِّف، ولٰكنْ أحدُ الأشخاص جَمَعَ ما رُوي عنه مِن هنا وهناك وألَّف منه كتابًا.
لذٰلك؛ فتفسير المنام إذا كان هناك شخص عالِم صالح ويَشعر بأنه موهوبٌ مِن الله؛ يَستطيع أن يفسِّر مع الاستعانة من الكتاب والسُّنة بالطبع، أمَّا إذا كان رجلًا عاديًّا ما عنده هبةٌ خاصَّة بتفسير المنام؛ فهٰذا لا ينبغي أن يتقدَّم إلى الناسِ بتفسيرِ المنامات؛ قد يَضرُّهم ولا ينفعهم، ونحن مِن هٰؤلاء الذين لم يُوهَبوا عِلمًا خاصًّا بتفسير المنامات، فنُقدِّم بعضَ التعليمات التي استفدْناها مِن حديثِ الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ، كما سمعتم، أمَّا تفسيرُ هٰذا المنام بالضبط ما هو؟ فلا نَعلمه، وربِّ زدني عِلمًا.
انتهى جواب أبي.
وهنا صوته رَحِمَهُ اللهُ، وإن كان التسجيل ليس واضحًا!

الجمعة 27 صفر 1436ﻫ





([1]) عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مرفوعًا: «الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَىٰ مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَىٰ أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ» رواه الشيخان وغيرهما، واللفظ للإمام مسلم (2263). وروى ابن حبان بإسناده عن عَوف بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «الرُّؤيا ثَلَاثَةٌ: مِنْهَا تَهْوِيلٌ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ ليَحْزُنَ ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ؛ فَرَآهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»؛ "صحيح موارد الظمآن" (1505). وينظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1870).
([2]) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ، فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّىٰ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَىٰ أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ؛ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَىٰ مَا يَكْرَهُ؛ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا؛ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ»، "صحيح مسلم" (2261)، ونحوه في "صحيح البخاري" (7005).
([3]) يُنظر حديث أبي قتادة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في الحاشية السابقة.
([4]) عن أبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا مُعَلَّقَةٌ بِرِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا صَاحِبُهَا، فَإِذَا حَدَّثَ بِهَا؛ وَقَعَتْ، فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا عَالِمًا، أوْ نَاصِحًا، أوْ حَبِيبًا»؛ "صحيح موارد الظمآن" (1507)، وينظر "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (119 و120).
([5]) لم تتضح في الشريط تمامًا.