وأنَّى بالتوبةِ منها لِمَنْ لم يَعْلَمْ أنها بدعة؟!

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد
عقد الإمام ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- فصلًا في (القول على الله بغير علم) قال فيه:
"فَذُنُوبُ أَهْلِ الْبِدَعِ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْجِنْسِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْبِدَعِ.
وَأَنَّى بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، أَوْ يَظُنُّهَا سُنَّةً، فَهُوَ يَدْعُو إِلَيْهَا، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا؟! فَلَا تَنْكَشِفُ لِهَذَا ذُنُوبُهُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا إِلَّا بِـ:
تَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ
وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا
وَدَوَامِ الْبَحْثِ عَنْهَا وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهَا.
وَلَا تَرَى صَاحِبَ بِدْعَةٍ كَذَلِكَ أَبَدًا!
فَإِنَّ السُّنَّةَ بِالذَّاتِ تَمْحَقُ الْبِدْعَةَ، وَلَا تَقُومُ لَهَا، وَإِذَا طَلَعَتْ شَمْسُهَا فِي قَلْبِ الْعَبْدِ؛ قَطَعَتْ مِنْ قَلْبِهِ ضَبَابَ كُلِّ بِدْعَةٍ، وَأَزَالَتْ ظُلْمَةَ كُلِّ ضَلَالَةٍ، إِذْ لَا سُلْطَانَ لِلظُّلْمَةِ مَعَ سُلْطَانِ الشَّمْسِ.
وَلَا يَرَى الْعَبْدُ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، وَيُعِينُهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَتِهَا إِلَى نُورِ السُّنَّةِ، إِلَّا:
الْمُتَابَعَةُ
وَالْهِجْرَةُ بِقَلْبِهِ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى اللَّهِ:
بِالِاسْتِعَانَةِ
وَالْإِخْلَاصِ
وَصِدْقِ اللَّجْإِ إِلَى اللَّهِ
وَالْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِهِ، بِالْحِرْصِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى:
- أَقْوَالِهِ
- وَأَعْمَالِهِ
- وَهَدْيِهِ
- وَسُنَّتِهِ.
«فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهُوَ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ" اﻫ من "مدارج السالكين" (1/ 648 و649، ط2، 1429ه، دار طيبة).

الثلاثاء 10 شعبان 1437ه