حُكم المظاهَرات -فتاوى للوالد الألبانيّ رحمه الله-

بسم الله الرحمٰن الرحيم
فيما يلي تلخيصٌ مختصرٌ لِبَعض فتاوى الوالد رَحِمَهُ اللهُ في حُكم الْمُظاهَرات:
فتاوى جدة/ الشريط 12/ الدقيقة (3 – 22:30)
أجاب فيه عن حُكم المظاهَرات.
خلاصة الجواب:
(1) المظاهرات تَشَبُّهٌ بِالكُفّارِ في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تُفرَض عليهم مِن حُكَّامهم أو إظهارًا منهم لِرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات.
مع تنبيهه رَحِمَهُ اللهُ إلى درجة أعلى مِن عدم التشبُّه، وهي: تَقَصُّدُ المخالَفة.
(2) المظاهَرات خُرُوجٌ عن سبيلِ المسلمين.
(3) المظاهرات ليست وَسيلةً شرعيّةً لإصلاحِ الحُكم، وبالتالي إصلاح المجتمع، ومِن هنا يخطئ كلُّ الجَماعات وكلُّ الأحزاب الإسلاميّة الذين لا يَسْلُكونَ مَسْلَكَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تغيير المجتمع، لا يكون تغييرُ المجتمع في النِّظامِ الإسلاميّ بالهتافات وبالصَّيحات وبالتظاهُرات، وإنما يكون ذلك على الصَّمت، وعلى بثِّ العِلم بين المسلمين وتربيتِهم على هذا الإسلام، حتى تؤتيَ هذه التربيةُ أُكُلَها ولو بعد زَمَنٍ بعيد، فالوسائلُ التربويّةُ في الشريعةِ الإسلامية تختلف كلَّ الاختلافِ عن الوسائلِ التربويّة في الدُّوَلِ الكافِرة.

وفي الشريط نفسه/ الدقيقة (30:32- 35:03):
ردٌّ على شبهة استدلال ناصري المظاهرات بما رُوِيَ في قصةِ إسلام عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِن خروج المسلمين في صَفَّين؛ صَفّ فيه حمزة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصَفّ فيه عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
خلاصة الردّ:
(1) على افتراض صِحَّةِ القصة؛ كم مَرَّةً وَقَعَتْ مِثلُ هٰذه الظاهرة في المجتمع الإسلامي؟ مرة واحدة؛ تَصير سُنَّةً مُتَّبَعة؟!
علماء الفقه يقولون: لو ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبادةٌ مَشروعة يُثاب فاعلُها؛ فلا ينبغي المواظَبةُ عليها دائمًا أبدًا؛ خَشيةَ أن تُصبِحَ تقليدًا مُتَّبَعًا، بحيث مع الزمن يصبح ذٰلك الأمر -الذي كان أصلُه مستحبًّا- مَفروضًا في أفكارِ الناس وعاداتهم، بحيث إنَّ أحدًا مِن المسلمين لو تَرَك هٰذا المستحب لقام النكير الشديد عليه، قالوا هٰذا، وهذا مِن فِقْههم، فما بالُكم إذا جَاشت العاطفةُ بمناسبةٍ ما، فخرجتْ مِثلُ هٰذه الجماعة التي جاء ذِكرُها في السّيرة، فتُتَّخذ سُنَّةً مُتَّبَعَةً، بل تُتَّخذ حجَّةً لِما يَفعله الكفّار دائمًا وأبدًا على المسلمين الذين لم يَفعلوا ذٰلك بَعْدَ هٰذه الحادثة مُطلقًا، مع شدةِ وقوعِ ما يَستلزم ذٰلك، فنحن نعلم –مع الأسف الشديد- أنّ كثيرًا مِن الحُكّام السَّابقين كانت تَصْدر منهم أحكامٌ مخالِفة للإسلام، وكان كثيرٌ مِن الناس يُسجَنون ظُلمًا وبَغيًا، وربما يُقْتَلون، فماذا يكون موقفُ المسلمين؟
أَمَرَ الرسولُ عَلَيْهِ السَّلامُ في بعضِ الأحاديث الصحيحة بوجوبِ إطاعةِ الحاكم ولو أَخَذَ مَالَكَ، وجَلَدَ ظَهْرَك [1]، أَعني بهٰذا أنه وَقَعَ في القُرون التي مَضَتْ أشياءُ مما ينبغي استِنكارُها جماهيريًا، ولٰكنّ شيئًا مِن ذٰلك لم يقع.
ومِن هنا نحن نَخشىٰ مِن هٰذه التي تُسمَّى بالصَّحوة، نخشىٰ منها حقيقةً كما نَرضىٰ بها؛ نخشىٰ منها؛ لأنها صحوةٌ عاطفيّة، وليست صحوةً عِلمية بالمقدار الذي يُحَصِّن هٰذه الصحوة مِن أن تَميد يمينًا ويسارًا.
ولا شك أن في الجزائر وفي كل بلادِ الإسلام مثل هٰذه الصحوة التي تَتجلىٰ بانطلاقِ الشبابِ المسلم بعد أن كانوا نِيامًا غيرَ أيقاظ، ولٰكن تَراهم قد سَاروا مسيرةً تدلّ علىٰ أنهم لم يتفقهوا في دِين الله عَزَّ وَجَلَّ، والأمثلةُ على ذٰلك كثيرة جدًا، فلا نخرج عمّا نحن في صدده، فحَسْبُنا الآن هٰذا الاستدلال!
هٰذا الاستدلال يدلُّ على الجهلِ بالفِقهِ الإسلاميّ، ذٰلك لما أَشرتُ إليه آنفًا.
وأَستدرك على نفسي: إني أذكر أنّ هٰذه الحادثة قد وَردتْ في السِّيرة، ولٰكني لا أستحضر الآن إنْ كانت صحيحةَ الإسناد.
على افتراض ثبوتِ هٰذه التظاهُرة حينما أسلمَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ هٰذه وقعت مرةً، فإذا وقع مرة لا يُصبح ذٰلك سُنَّة، بحيث نؤيِّد ما يفعله الكفار، ثم نجعل المسلمين تحت المخالَفة لِهذه السُنّة؛ لأنها لم تتكرر، وإن تكرَّرتْ؛ فعلى مَدى العصورِ كلِّها هٰذه والسَّنوات الطويلة، فهي نُقطةٌ في بحر، ما يَصحّ أن تُتَّخذَ دليلاً لِمثل هٰذا الواقع الذي يفعله الكفار ثم نحن نتّبعهم في ذٰلك.
هٰذا الاستدلالُ معناه تَسليكُ وتمريرُ وتَسويغ هٰذا الواقع مهما كان شأنه!
(2) إسناد القصة ضعيف[2].

سلسلة الهدى والنور/ الشريط 210/ الدقيقة (33:39 - 42:36):
ردَّ فيه الوالدُ رَحِمَهُ اللهُ على شُبهة: أنّ المظاهَرات وسيلةٌ مِن باب المصالح المرسلة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة.
خلاصة الرد:
(1) أنَّ الوسائل إذا كانت عبارةً عن تَقْليدٍ لِمَناهج غيرِ إسلاميّة؛ تصبح وسائلَ غيرَ شرعيّة.
(2) يجب أن نفرِّق في التقليد بين ما يَنْسِجِم مع الإسلام ومبادئه وقواعده، وبين ما ينبو وينفر عنه.


~~~~~~~~



[1] - يُنظر "صحيح مسلم" (1847)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1791).
[2] - يُنظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (6531)، وختَم بيانَ نكارةِ القِصَّةِ بقوله رَحِمَهُ اللهُ:
"(تنبيه): عزا الحافظ حديث ابن عباس لأبي جعفر بن أبي شيبة، وحديث عمر للبزّار، وسكت عنهما في "الفتح" (7/48) فما أَحسن؛ لأنه يوهم -حسب اصطلاحه- أنَّ كلاً منهما حسن، وليس كذلك -كما رأيت-، ولعل ذلك كان السببَ أو من أسبابِ استدلالِ بعض إخواننا الدعاة على شرعية (المظاهرات) المعروفة اليوم، وأنها كانت من أساليب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة! ولا تزال بعضُ الجماعات الإسلامية تتظاهَرُ بها، غافِلين عن كونِها مِن عادات الكفار وأساليبهم" اﻫ .