وَهٰذَا فِيهِ أَعْظَمُ حَاثٍّ لَكَ عَلَىٰ طَلَبِ الْعِلْمِ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

46- "وهٰذا فيه أعظَمُ حاثٍّ لكَ علىٰ طَلَبِ العِلم"
ما المشارُ إليه؟
وما المرادُ بالعلم؟

البيان

قَالَ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَىٰ:
{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إلٰهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلٰهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"أَيْ: وَالْمَلائِكَةُ شَهِدُوا لِلّهِ بِأَنَّهُ لا إِلٰهَ إلا هُوَ، كَمَا شَهِدَ اللهُ بِذٰلِكَ لِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأُوْلُوْا الْعِلْمِ شَهِدُوا بِذٰلِكَ أيضًا أَنَّه لا إِلٰهَ إلا هُوَ، وَفُسِّرَتْ بِالإقْرَارِ وَالتَّبْيِينِ وَالإظْهَارِ.
وَاسْتِشْهَادُهُمْ فِيه تَعْدِيلٌ وَتَزْكِيَةٌ لأَهْلِ الْعِلْمِ إذا ارْتَقَوْا إِلَىٰ هٰذَا الْمَقَامِ الَّذِي اسْتَشْهَدَهُمُ اللهُ تَعَالَىٰ فِيه عَلَىٰ وَحْدَانِيَّتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيَنْتَفِ جَحْدُ الْجَاحِدِينَ وَانْتِحالُ الْمُبْطِلِينَ.
وَهٰذَا فِيهِ أَعْظَمُ حَاثٍّ لَكَ عَلَىٰ طَلَبِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ اللهَ شَهِدَ وَاسْتَشْهَدَ الْمَلائِكَةَ، وَاسْتَشْهَدَ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَفِي هٰذِهِ الشِّهَادَةِ رِفْعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، حَيْثُ اسْتُشْهِدُوا عَلَىٰ مَا شَهِدَ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ! وَأََيُّ ثَناءٍ أَشْرَفُ مِنْ هٰذَا الثَّناءِ عَلَيهِمْ وَتَعْدِيلِهِمْ، وَشِهَادَتِهِ لَهُمْ عَلَىٰ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَجَعْلِهِمْ حُجَّةً عَلَىٰ مَنْ أَنْكَرَهَا؟!
فَدَلَّ عَلَىٰ فَضْلِ الْعِلْمِ.
وَفِي الْحَديثِ: «يَحْمِلُ هَـٰذَا الْعَلْمَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ عُدُولُهَا»[1]، وَهٰذَا أَعَظْمُ مُرَغِّبٍ فِي الْعَلْمِ، وَإِنْ زَهِدَ فِيه الأَكْثَرُ!
وَالْمرادُ بِالْعِلْمِ:
الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ، الَّذِي هُوَ نُورُ الْقُلُوبِ وَحْيَاتُهَا، وَغَيْرُهُ عِلْمٌ نِسَبِيٌّ إِضَافِيٌّ إِمَّا إِلَىٰ أَمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ عُلُومٍ حِسَابِيَّةٍ وَصِنَاعِيَّةٍ، أَوْ غَيْرِ ذٰلِكَ، وَأَهْلُهُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ اسْتَشْهَدَهُمُ اللهُ، فَلا يُطْلَقُ هٰذَا الْعِلْمُ إلا عَلَى الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الدِّينِيِّ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص67.


[1] - روى الحافظُ الإمامُ الآجريُّ وغيرُه عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ»، قال فيه أبي رَحِمَهُ اللهُ:

".. مُرسَل؛ لأن إبراهيم بن عبد الرحمٰن العذري -هٰذا- تابعي مقلّ، كما قال الذهبي، وراويه عنه مُعَان بن رفاعة؛ ليس بعمدة.

لٰكن الحديث قد روي موصولاً مِن طريق جماعة مِن الصحابة، وصحح بعض طرقه الحافظ العلائي في "بغية الملتمس" (3-4). وروى الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (35/ 2) عن مهنا بن يحيىٰ قال: سألت أحمد -يعني ابن حنبل- عن حديث مُعَان بن رفاعة عن إبراهيم -هٰذا-، فقلت لأحمد: كأنه كلام موضوع؟ فقال: لا، هو صحيح. فقلتُ له: ممن سمعته أنت؟ قال: مِن غير واحد. قلت: مَن هم؟ قال: حدثني به مسكين، إلا أنه يقول: مُعَان عن القاسم بن عبد الرحمٰن. قال أحمد: مُعَان بن رفاعة لا بأس به.

وقد جمعتُ طائفة مِن طرق الحديث، والنيةُ متوجّهة لتحقيق القول فيها لأولِ فرصةٍ تَسمح لنا إن شاء اللهُ تَعَالَىٰ" اﻫ مِن "المشكاة" (1/ 82 و83)، وفيه: (مُعاذ) بدل (مُعان) ولعله خطأ مطبعيّ، والتصحيح مِن "هداية الرّواة" (1/ 163).