أَمَرْتُمُونِي أَنْ أُعَلِّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام علىٰ خاتم رسل الله، وعلىٰ آله وصحبه ومَن والاه
أمَّا بعد
عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:
قَعَدْتُ إِلَىٰ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَجَعَلَ يُصَلِّي وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَلَا يَقْعُدُ، فَقُلْتُ: وَاللّٰهِ! مَا أَرَىٰ هَٰذَا يَدْرِي يَنْصَرِفُ عَلَىٰ شَفْعٍ أَوْ عَلَىٰ وِتْرٍ! فَقَالُوا:
أَلاَ تَقُومُ إِلَيْهِ فَتَقُولَ لَهُ؟ قَالَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ:
يَا عَبْدَ اللهِ! مَا أَرَاكَ تَدْرِي تَنْصَرِفُ عَلَىٰ شَفْعٍ أَوْ عَلَىٰ وِتْرٍ! قَالَ:
وَلَٰكِنَّ اللهَ يَدْرِي! سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ سَجَدَ لِلّٰهِ سَجْدَةً؛ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً».
فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ:
أَبُو ذَرٍّ!
فَرَجَعْتُ إِلَىٰ أَصْحَابِي فَقُلْتُ:
جَزَاكُمُ اللهُ مِنْ جُلَسَاءَ شَرًّا! أَمَرْتُمُونِي أَنْ أُعَلِّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
وفي رواية(1):
فَرَأَيْتُهُ يُطِيلُ الْقِيَامَ، وَيُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَذَكَرْتُ ذَٰلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَلَوْتُ أَنْ أُحْسِنَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً، أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً؛ رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، وَحُطَّ عَنْهُ خَطِيئَةٌ».
رواه أحمد والبزّار بنحوه، وهو بمجموع طُرقه حسَنٌ أو صحيح(2).
(ما ألوت) أي: [ما] قَصَّرْتُ.
_____________________
[تعليق الوالد رَحِمَهُ اللهُ]:
(1) هٰذه الرواية ليست عن مطرِّف، وإنما رواها أحمد (5/ 147) من طريق أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُخَارِقِ، قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا... الحديث نحوه، والمخارق هٰذا ذكره ابن حبّان في "ثقات التابعين" (5/ 444)، ولا يُعرف إلا بهٰذه الرواية، ويقوِّيها الرواية الأولىٰ.
(2) قلت: بل له إسنادٌ ثالثٌ عند أحمد أيضًا (5/ 164)، والدارميّ (1/ 341) عن الأحْنَفِ بنِ قيسٍ نحو رواية مطرِّف، وهو صحيح علىٰ شرط مسلم، وهو مخرَّج في "الإرواء" (2/ 209)، وكذا رواه ابن نصر في "الصلاة" (1/ 312/ 288).

"صحيح الترغيب والترهيب" (5-  كتاب الصلاة/ 14- الترغيب في الصلاة مطلقًا، وفضل الركوع والسجود والخشوع/ 1/ 280 و281/ ح 392 (صحيح لغيره)).
________________ 
 وفيها أنَّ الأحنف بن قيس -رَحِمَهُ اللهُ- قال لمّا عَلِمَ أنه أبو ذرٍّ صاحبُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
«فَتَقَاصَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي!».

*******
"يَا بَاغِيَ الإِحْسَانِ يَطْلُبُ رَبَّهُ ... لِيَفَوزَ منه بِغَايَةِ الآمَالِ
انْظُرْ إِلَىٰ هَدْيِ الصَّحَابَةِ والذي ... كانُوا عليه في الزَّمانِ الخَالِي
واسْلُكْ طَرِيْقَ القَوْمِ أينَ تَيَمَمُّوا ... خُذْ يَمْنَةً ما الدَّربُ ذاتَ شِمَالِ
تَاللهِ مَا اخْتَارُوا لِأنْفُسِهِمْ سِوَىٰ ... سُبلِ الهُدَىٰ في القَوْل والأَفْعَالِ
دَرَجُوا عَلَىٰ نَهْجِ الرَّسُولِ وَهَدْيِهِ ... وَبِهِ اقْتَدَوْا في سَائِرِ الأَحْوَالِ
نِعْمَ الرِّفِيْقُ لِطَالِبٍ يَبْغِي الهُدَىٰ ... فَمَآلُهُ في الحَشْرِ خَيْرُ مَآلِ
القَانِتِيْنَ المُخْبِتِيْنَ لِرَبِّهمْ ... النَّاطِقِيْنَ بأَصْدَقِ الأَقْوَالِ
التَّارِكْيْنَ لِكُلِّ فِعْلٍ سَيِّئٍ ... وَالعَامِلِيْنَ بأحْسَنِ الأعَمْالِ
أهْوَاءُهُمْ تَبَعٌ لِدِيْنِ نَبِيِّهِمْ ... وسِوَاهُمُ بالضِّدِ في ذِي الحَالِ
ما شَابَهُمْ في دِيْنِهِم نَقْصٌ وَلَا ... في قَوْلِهِمْ شَطْحُ الجَهُولِ الغَالِي
عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا وَلَمْ يَتَكَلَّفُوا ... فَلِذَاكَ مَا شَابُوا الهُدىٰ بَضلَالِ
وسِوَاهُمُ بالضِّدِ في الأَمرَينِ قدْ ... تَرَكُوا الهُدَىٰ وَدَعَوا إلَى الإِضْلَالِ
فَهُمُ الأَدِلَّةُ لِلحَيَارىٰ مَنْ يَسِرْ ... بِهُدَاهُمُ لَم يَخْشَ مِن إضْلَالِ
وهُمُ النُّجُومُ هِدَايَةً وإضَاءَةً ... وعُلُوَّ مَنْزِلَةٍ وَبُعْدَ مَنَالِ
يَمُشُوْنَ بَيْنَ الناسِ هَوْنًا نُطْقُهُمْ ... بالحَقِّ لا بِجَهَالَةِ الجُهَّالِ
حِلْمًا وَعِلْمًا مَعْ تُقًى وَتَواضُعٍ ... وَنَصِيْحَةٍ مَع رُتْبَةِ الإِفْضَالِ
يُحْيُونَ لَيْلَهُم بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ ... بِتِلَاوَةٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤالِ
وَعُيُونُهُم تَجْرِيْ بِفَيْضِ دُمُوْعِهِمْ ... مِثْلَ انْهِمَالِ الوابِلِ الهَطَّالِ
في اللَّيْلِ رُهْبَانٌ وعِنْدَ جِهَادِهِمْ ... لِعَدُوِّهِمْ مِن أشْجَعِ الأبْطَالِ
وإذَا بَدَا عَلَمُ الرِّهَانِ رَأيْتَهُمْ ... يَتَسَابَقُونَ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ
بِوُجُوْهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبِّهِمْ ... وَبِهَا أشِعّةُ نُورِهِ المُتَلَالِي
وَلَقَدْ أَبَانَ لَكَ الكِتَابُ صِفَاتِهِمْ ... فِي سُوْرَةِ الفَتْحِ المُبْينِ العَالِي
وبِرَابِعِ السَّبْعِ الطِّوَالِ صِفَاتُهُمْ ... قَوْمٌ يُحِبُّهُمْ ذَوُوْا إدْلَالِ
وَبَرَاءَةٍ والحَشْرِ فِيهَا وَصْفُهُمْ ... وبِهَلْ أَتَىٰ وبِسُورَةِ الأَنْفَالِ"
"إغاثة اللهفان مِن مصايد الشيطان" للإمام ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ (1/ 254 و255 - مطبعة مصطفى البابي).


الأحد 3 شوال 1436 هـ