دعاءُ المتقين الذين أعدَّ اللهُ لهم الجنةَ وما فيها

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه.
أما بعد:
قال العلامة السعدي رَحِمَهُ اللهُ:
كذلك: دعاءُ المتقين الذين أعد [اللهُ] لهم الجنةَ وما فيها[1]:
﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)﴾ [آل عمران]
فتوسَّلوا بربوبيَّةِ اللهِ لهم.
وبإيمانهم.
أن يغفرَ لهم الذنوبَ.
وأن يقيَهم عذاب النار.
وإذا غُفِرَتْ ذنوبُهم ووقاهم اللهُ عذابَ النارِ؛ زال عنهم الشرُّ بأجمَعِه، وحصل لهم الخيرُ بأجمَعه؛ لأن الأدعية هكذا تارةً تأتي مطابِقةً لجميعِ مطالبِ العبد، وتارةً يُذكَر نوعٌ منها ويَدخُل الباقي باللُّزوم، كهذا الدعاء" اﻫ من "المواهب الربانية" (ص127 و128، ط 1428ﻫ، دار المعالي).
وهذا مِن أنواع التوسُّل المشروع المحمود، وهو التوسُّل بالإيمان، أو بالعمل الصالح، ويتصل أيضًا بنوعٍ آخر وهو التوسُّل بوعدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ ينظر "قاعدة جليلة" (فقرة 296، ط 1، 1422ه، مكتبة الفرقان).

فوائد من الآية، ذكرها الشيخُ العثيمين رَحِمَهُ اللهُ:
"1 ـ أنَّ مِن صفات المتقين إعلانَهم الإيمانَ بالله، واعترافَهم بالعبودية؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾، والقول هنا يكون باللسان ويكون بالقلب.
2 ـ أنَّ مِن صفات المتقين عدمَ الإعجاب بالنفس، وأنهم يرون أنهم مقصِّرون؛ لطلبهم المغفرة من الله؛ لقولهم: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾.
3 ـ أنَّ التقوى لا تعصم العبدَ مِن الذنوب، بل قد يكون له ذنوب، لكنَّ المتَّقي يُبادِر بالتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
4 ـ جواز التوسل بالإيمان؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾؛ فإن الفاء هنا للسببية، تدل على أنَّ ما بعدها مسبَّبٌ عمَّا قبلها.
5 ـ أنه ينبغي للإنسان أن يسأل اللهَ المغفرةَ والوقايةَ مِن النار؛ لقوله: ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
وسؤالُ المغفرة يغني عن سؤال الوقاية من النار، إلا أنه في باب الدعاء ينبغي البسط؛ لأربعة أسباب:
السبب الأول: أن يستحضر الإنسان جميعَ ما يدعو به بأنواعه.
السبب الثاني: أن الدعاء مخاطَبةٌ لله عزّ وجل، وكلما تبسَّط الإنسانُ مع الله في المخاطبة كان ذلك أشوق وأحبّ إليه مما لو دعا على سبيل الاختصار.
السبب الثالث: أنه كلما ازداد دعاءً، ازداد قربه إلى الله عزّ وجل.
السبب الرابع: أنه كلما ازداد دعاءً، كان فيه إظهار لافتقار الإنسان إلى ربِّه؛ ولهذا جاء: «اللَّهمَّ! اغفر لي ذنبي كُلَّه، دِقَّهُ وجِلَّه، عَلَانيته وسِرَّه، وأَوَّلَه وآخِرَه»، وهذا يغني عنه قولُه: «اللهم اغفر لي ذنبي»، بل لو قال: «اللهم اغفر لي» لكان صحيحًا، لكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط.

6 ـ إثبات عذاب النار؛ لقوله: ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. وعذاب النار إما دائم مستمر، وهذا لأصحاب النار الذين هم أصحابها، وإما مؤقت، وهذا لأصحاب المعاصي؛ فإنهم يعذَّبون بحسب معاصيهم، إذا لم يغفرِ الله لهم" اﻫ المراد من "تفسير القرآن الكريم"/ سورة آل عمران (1/ 116و117، ط1، 1426هـ، دار ابن الجوزي).

الأربعاء 5 رمضان 1438




[1] - سياق الآية: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)﴾.