بعضُ دلائل نبوَّةِ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

53 - ذَكَرَ المؤَلِّفُ بَعْضَ دَلائلِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ ما هي؟

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ * قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128) ).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* يعني: مِن النَّقْلِ.
وأمَّا العَقْلُ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ القُرآنُ، كَما ذَكَرَ المصنِّفُ وغَيرُهُ، ومِنْهُ:
قَوْلُهُ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ} (الأنعام: من الآية 91)[1].
وَقَولُ الرَّجُلِ: إنِّي[2] رَسُولُ اللهِ؛ إِمَّا أَنْ يكُونَ خَيْرَ النَّاسِ وَأَصْدَقَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يكُونَ شَرَّهُمْ وَأَكْذَبَهُمْ، وَالتَّمْييزُ بَيْنَ ذٰلَكَ يُعْرَفُ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، نَبَّهَ -تَعَالَىٰ- عَلَىٰ ذٰلَكَ بِقَولِهِ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} (الشعراء).
ومنه: شَهادَةُ اللهِ عَلَيهِ بِقَولِه: {قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (الرَّعد: مِن الآية 43).
ومِن حِكْمَتِهِ -تَعَالَىٰ-: أنّه لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إلا وَمَعَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَىٰ صِدْقِهِ فِيْمَا أَخْبَرَ بِهِ إِقَامَةُ لِلْحُجَّةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُمْ بِالبيِّناتِ.
وَأَعْظَمُ الآياتِ الْعَقْلِيَّةِ: هٰذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي تَحَدَّاهُمُ اللهُ بِحَديثٍ مِثْلِهِ أَوْ عَشْرِ سُوَرٍ أَوْ سُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، مَعَ عَدَاوَةِ أَهْلِ الأَرْضِ لَهُ، عُلَمائِهِمْ وفُصَحَائِهِمْ، واسْتِعْجَازِهِمْ بِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذَٰلِكَ، مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَىٰ تَكْذيبِهِ!
وَمِنْهُ: نُصْرَةُ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلَوْ كَانَ أَضَعْفَ النَّاسِ!
وَمِنْهُ: خِذْلاَنُ مِنْ عَادَاهُ وَعُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيا وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ وأَقْوَاهُمْ!
وَمِنْهَا: كَوْنُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَخُطُّ وَلا يَقْرَأُ الْخَطَّ، وَلا أَخَذَ عَنِ الْعُلَمَاءِ!
وَمِنْهَا: إِخْبَارُهُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي أَطْلَعَهُ اللهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ مَا غَابَ عَنَّا أَوْ كَانَ قَبْلَنَا فَلا يُعْرَفُ إلا بِالْخَبَرِ عَنْه.
وَمِنْهَا: انْشِقاقُ الْقَمَرِ[3]، وَحَنِينُ الْجِذْعِ[4]، ونُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ أَصابِعِهِ[5]، وَإْطْعَامُ مِئِينَ مِنْ صَاعِ شَعِيرٍ[6]، وَغَيْرُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ والتَّأْثِيرِ، مِمَّا لا يُحْصَىٰ كَثْرَةً.
وَمِنْهَا: إذْعانُ مُلُوكِ الْيَمَنِ وَالْبَحْرِينِ وَغَيْرِهِمَا لأَمْرِهِ؛ لِلآياتِ الَّتِي صَحَّتْ عِنْدَهُمْ عَنْهُ، فَنَزَلُوا عَنْ مُلْكِهِمْ طَوْعًا، وَكَذَا كُلُّ مَنِ اتَّبَعَهُ؛ لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ آياتِهِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" 75 - 77.


[1] - قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ في "الجواهر المضيَّة" (ص 29، ط 1، 1349ﻫ، النشرة الثالثة، 1412ﻫ، دار العاصمة/ الرياض - بواسطة الشاملة):
"تَرْكُ اللهِ خَلْقَهُ بِلا أَمْرٍ وَلا نَهْيٍ؛ لا يُناسِبُ في حَقِّ اللهِ، وَنَبَّهَ عليهِ في قولِه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} (الأنعام: مِن الآية 91)" اﻫ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- في "النبوات" (1/ 201 و202، ط1 ، 1420ﻫ، أضواء السلف):
"وَلَمّا أراد -سُبْحَانه- تقريرَ جِنسِ ما جاء به محمّد؛ قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)} (المزمّل)، وقال تَعَالَىٰ:
{وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا} (الأنعام: 91 وبعض 92).
فهو -سبحانه- يُثبتُ وجودَ جنسِ الأنبياءِ ابتداءً؛ كما في السُّوَرِ المكِّيَّة، حتىٰ يُثبتَ وجودَ هٰذا الجنسِ، وسعادةَ مَنِ اتَّبعَهُ، وشقاءَ مَن خَالَفَهُ.
ثم نُبوَّةُ عَينِ هٰذا النبيِّ تكون ظاهرة؛ لأنَّ الذي جاء به أكملَ مما جاء به جميعُ الأنبياء. فمَن أَقرَّ بجنسِ الأنبياء؛ كان إقرارُه بنبوَّةِ محمَّدٍ في غايةِ الظُّهور، أَبْيَنَ مما أقرَّ أنَّ في الدنيا نُحاة، وأطبَّاء، وفقهاء. فإذا رأىٰ نحوَ سيبويه، وطِبَّ أبقراط، وفِقْهَ الأئمَّةِ الأربعة، ونحوَهم؛ كان إقرارُه بذٰلِكَ مِن أبينِ الأمور.
ولِهٰذا؛ كان مَن نازَع مِن أهلِ الكتابِ في نبوَّةِ محمّدٍ إمّا أن يَكون:
لِجَهْلِه بما جاء به، وهو الغالِبُ علىٰ عامّتهم.
أو لِعِنادِه، وهو حال طُلاب الرياسةِ بالدِّين منهم.
والعَربُ عَرفوا ما جاء به محمّدٌ، فلمّا أَقرُّوا بجنسِ الأنبياء؛ لم يَبْقَ عندهم في محمَّدٍ شَكٌّ" اﻫ.
وقال -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح الأصبهانية" (692 و693، ط 1، 1430ﻫ، دار المنهاج):
"وأمَّا حال المخبَر عنه؛ فإنَّ النبيَّ والرسولَ يُخْبِر عنِ اللهِ بأنه أَرْسَلَه، ولا أعظمَ فِرْيَةً ممن يَكْذِب على اللهِ؛ كما قال تَعَالَىٰ:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. وذَكَرَ هٰذا بعد قولِه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (الأنعام).
فَنَقَضَ -سُبحانَهُ- دعوى الجاحِدِ النَّافي لِلنُّبُوَّةِ بقولِه: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ}. وذٰلِكَ الكتابُ ظَهَر معه مِن الآياتِ البَيِّنات، واتَّبَعَه مِن الأنبياء والمؤمنين، وحَصَل له ما لم يَحصل في غيرِه؛ فكانت البراهينُ والدلائلُ علىٰ صِدْقِه أكثرَ وأظهرَ مِن أن تُنْكَر، بخلافِ الإِنْجِيل وغيرِه" اﻫ.
[2] - في الأصل: (إنَّ) والتصحيح من "الجواهر المضيّة" (ص 29 - مصدر سابق).
[3] - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً؛ فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّىٰ رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا! "صحيح البخاري" (3868).
[4] - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ونحوه عن ابن عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَىٰ جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّىٰ أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ؛ لَحَنَّ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ!»، رواه الإمام أحمد وغيره، وصحَّحه أبي، رَحِمَهُم اللهُ؛ "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2174).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ:
«إِنْ شِئْتِ»، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّىٰ كَادَتْ تَنْشَقُّ! فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّىٰ أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ! حَتَّى اسْتَقَرَّتْ! قَالَ:
«بَكَتْ عَلَىٰ مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ». "صحيح البخاري" (2095). 
[5] - عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ! قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ: مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ! "صحيح البخاري" (200) و"صحيح مسلم" (2279).
[6] - عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ:
هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا!
فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَىٰ فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ:
لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ!
فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
«يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ! إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّىٰ أَجِيءَ».
فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّىٰ جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ:
بِكَ وَبِكَ! فَقُلْتُ:
قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ!
فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا، فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَىٰ بُرْمَتِنَا، فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ:
«ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا».
وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ! لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّىٰ تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ! "صحيح البخاري" (4102) و"صحيح مسلم" (2039). 
جاء في "النهاية" (مادة برم): "البُرْمَة: القِدْر مُطْلَقًا، وَجَمْعُهَا بِرَام، وَهِيَ فِي الأَصْلِ المتَّخَذةُ مِنَ الْحَجَرِ الْمَعْرُوفِ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ في الحديث" اﻫ.
صباح الثلاثاء 19 صفر 1434