ما هو معنىٰ شهادةِ أنَّ محمَّدًا رَسُولُ الله؟ -مِن "حاشية ثلاثة الأصول"-


نصّ السّؤال (رسالة الجوّال)

54- ما هو معنىٰ شهادةِ أنَّ محمَّدًا رَسُولُ الله؟
- مع شرحِ المعنىٰ-.

البيان

قال الإمام محمَّد بن عبد الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
(وَمَعْنَىٰ شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ:
1. طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ*.
2. وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ**.
3. واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ***.
4. وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ****).
قال الشيخُ عبدُ الرحمٰن بن محمد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
"* وَقَدْ تَقَرَّرَ وُجُوبُ طَاعَتِهِ بِالْكتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَرَنَ -سُبْحَانَهُ- طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ عَصَى اللهَ فَلَهُ نَارُ جَهَنَّمَ.
** فَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمِينُ اللهِ عَلَىٰ وَحْيِهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ، لا كَذِبَ فِيه وَلا خُلْفَ .
*** قال تَعَالَىٰ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 7)، وَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ:
«مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، ومَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ؛ فَاجْتَنِبُوهُ»[1].
**** لا بِالأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ؛ فَإِنَّ الأصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ التَّشْرِيعُ، وَ«كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»[2]، هٰذَا مَعْنَىٰ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ مِنْ طَرِيقِ اللُّزُومِ، وَلا رَيْبَ أَنَّهَا تَقْتَضِي الإيمانَ بِهِ، وَتَصْدِيقَهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَ، وَالانْتِهاءَ عَمَّا عَنْهُ نَهَىٰ وزَجَرَ، وَأَنْ يُعَظَّمَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، وَلا يُقَدَّمَ عَلَيهِ قَوْلُ أَحَدٍ، وَلا بُدَّ مَعَ النُّطْقِ بِهَا مِنَ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيه، فَقَوْلُهَا بِاللِّسَانِ دُونَ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيهِ لا يَصِيْرُ بِهِ مِنْ أَهْلِ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: (لا إلٰهَ إلا اللهُ) بِدونِ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيهِ؛ لا يَصِيْرُ بِهِ مِنْ أَهْلِ شَهَادَةِ أَنْ (لا إلٰه إلا اللهِ) عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الإنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ عِلْمَ يَقِينٍ، وَيَنْطِقَ بِلِسَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيَعْمَلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيهِ" اﻫ مِن "حاشية ثلاثة الأصول" 78 - 79.
~~~ فائدة~~~~~~~~~~~~~

قال العلامة ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- في بيانه رأسَ الأدبِ مع الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ:
"فَرَأَسُ الأَدَبِ مَعَهُ:
كَمَالُ التَّسْلِيمِ لَهُ.
وَالانْقِيَادُ لأَمْرِهِ.
وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ. دُونَ أَنْ:
- يُحَمِّلَهُ مُعَارَضَةَ خَيَالٍ بَاطِلٍ، يُسَمِّيهِ مَعْقُولاً!
- أَوْ يُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا.
- أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ، وَزُبَالاتِ أَذْهَانِهِمْ.
فَيُوَحِّدُهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالانْقِيَادِ وَالإِذْعَانِ، كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ، وَالإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ.
فَهُمَا تَوْحِيدَانِ؛ لا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلا بِهِمَا:
1) تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ.
2) وَتَوْحِيدُ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ.
فَلا يُحَاكِمُ إِلَىٰ غَيْرِهِ.
وَلا يَرْضَىٰ بِحُكْمِ غَيْرِهِ.
وَلا يَقِفُ تَنْفِيذُ أَمْرِهِ، وَتَصْدِيقُ خَبَرِهِ عَلَىٰ عَرْضِهِ عَلَىٰ قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ، وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ، فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ؛ نَفَّذَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ! 
وَإِلا؛ فَإِنْ طَلَبَ السَّلامَةَ؛ أَعْرَضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ! 
وَإِلا؛ حَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَسَمَّىٰ تَحْرِيفَهُ: تَأْوِيلاً، وَحَمْلاً، فَقَالَ: نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ!
فَلأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ عَلَى الإِطْلاقِ -مَا خَلا الشِّرْكَ بِاللَّهِ- خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهٰذِهِ الْحَالِ.
وَلَقَدْ خَاطَبْتُ يَوْمًا بَعْضَ أَكَابِرِ هٰؤُلاءِ، فَقُلْتُ لَهُ:
سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ! لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَقَدْ وَاجَهَنَا بِكَلامِهِ وَبِخِطَابِهِ؛ أَكَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَتْبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَىٰ رَأْيِ غَيْرِهِ وَكَلامِهِ وَمَذْهَبِهِ؟ أَمْ لا نَتْبَعَهُ حَتَّىٰ نَعْرِضَ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ عَلَىٰ آرَاءِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ؟
فَقَالَ:
بَلْ كَانَ الْفَرْضُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَىٰ سِوَاهُ.
فَقُلْتُ:
فَمَا الَّذِي نَسَخَ هٰذَا الْفَرْضَ عَنَّا؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ نُسِخَ؟
فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَىٰ فِيهِ، وَبَقِيَ بَاهِتًا مُتَحَيِّرًا، وَمَا نَطَقَ بِكَلِمَةٍ!
هٰذَا أَدَبُ الْخَوَاصِّ مَعَهُ.
لا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَالشِّرْكُ بِهِ، وَرَفْعُ الأَصْوَاتِ، وَإِزْعَاجُ الأَعْضَاءِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ، وَعَزْلُ كَلامِهِ عَنِ الْيَقِينِ، وَأَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ، أَوْ يُتَلَقَّىٰ مِنْهُ أَحْكَامُهُ، بَلِ الْمُعَوَّلُ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَلَى الْعُقُولِ الْمَنْهَوْكَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُتَنَاقِضَةِ، وَفِي الأَحْكَامِ عَلَىٰ تَقْلِيدِ الرِّجَالِ وَآرَائِهَا، وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا نَقْرَؤُهُمَا تَبَرُّكًا، لا أَنَّا نَتَلَقَّىٰ مِنْهُمَا أُصُولَ الدِّينِ وَلا فُرُوعَهُ، وَمَنْ طَلَبَ ذٰلِكَ وَرَامَهُ؛ عَادَيْنَاهُ وَسَعَيْنَا فِي قَطْعِ دَابِرِهِ وَاسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِ!!
{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)} (المؤمنون).
وَالنَّاصِحُ لِنَفْسِهِ الْعَامِلُ عَلَىٰ نَجَاتِهَا: يَتَدَبَّرُ هٰذِهِ الآيَاتِ حَقَّ تَدَبُّرِهَا، وَيَتَأَمَّلُهَا حَقَّ تَأَمُّلِهَا، وَيُنْزِلُهَا عَلَى الْوَاقِعِ؛ فَيَرَى الْعَجَبَ! وَلا يَظُنُّهَا اخْتَصَّتْ بِقَوْمٍ كَانُوا فَبَانُوا! فَـ(الْحَدِيثُ لَكِ، وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ!) وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ" اﻫ مِن "مدارج السالكين" (3/ 204 - 206، ط 2، 1429 ﻫ، دار طيبة).
ليلة الأربعاء 27 صفر 1434


[1] - في "صحيح مسلم" (1337) «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ؛ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ؛ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
[2] - جاء في حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ "صحيح مسلم" (867) وغيره، وفي حديث العِرْباض بن سارية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ "سنن أبي داود" (4607) وغيره، وصحّحه أبي رَحِمَهُ اللهُ؛ "الإرواء" (2455).